علاقات الفلسطينيين مع إيران تتراجع

خلافات أوسع مع محمود عباس وحماس ومحاولات فاشلة لخلق جسم شيعي في غزة

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يدلي بصوته في مقر «المقاطعة» بمدينة رام الله خلال انتخابات قيادة حركة فتح (أ. ب)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يدلي بصوته في مقر «المقاطعة» بمدينة رام الله خلال انتخابات قيادة حركة فتح (أ. ب)
TT

علاقات الفلسطينيين مع إيران تتراجع

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يدلي بصوته في مقر «المقاطعة» بمدينة رام الله خلال انتخابات قيادة حركة فتح (أ. ب)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يدلي بصوته في مقر «المقاطعة» بمدينة رام الله خلال انتخابات قيادة حركة فتح (أ. ب)

تتفاخر إيران أنها تقدم دعمًا لا محدودًا وغير مشروط لكل فصائل المقاومة الفلسطينية على طريق تحرير «القدس»، وتدعي أن بوصلة المقاومة هي التي تحدد علاقتها بالآخرين، بما في ذلك تقديم الدعم السياسي والمالي؛ وهذا ما يفسر لسنوات طويلة سابقة لماذا كانت علاقة الإيرانيين باردة مع السلطة الفلسطينية وجيدة مع حركة حماس، قبل أن تجرب حماس بنفسها ما جربته حركة فتح طيلة السنوات التي كانت فيها حركة مقاومة وليست سلطة على الأرض، وينكشف أن الواقع مختلف عن الشعار.
لقد حمل عام 2016 كثيرا من التطورات التي كشفت إلى حد كبير كيف أن دعم الفصائل الفلسطينية كان في حقيقة الأمر مرهونا بمواقف سياسية، وليس بغبار المعارك.

الدعم المشروط
بالعودة إلى الوراء، يذكر الفلسطينيون كيف أدارت إيران الظهر للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على الرغم من أنه كان أول من حطّ في طهران بعد الثورة الإيرانية، والسبب أنه لم يتبن لاحقًا موقفًا معاديا للعراق إبان الحرب بين البلدين. وهم يذكرون أيضًا كيف لم تحرك إيران ساكنًا لنجدة عرفات عندما حاصرته إسرائيل في بيروت عام 1982، بل ذهبت بعد ذلك ميليشيات شيعية بايعت الخميني لارتكاب مجازر في المخيمات الفلسطينية.
هذا العداء لعرفات استمر حتى بعدما حوصر في رام الله وقضى في باريس عام 2004، ولم تغفر كل هذه السنين وكل هذه الحروب مع إسرائيل، للزعيم الفلسطيني الذي استغلت إيران توقيعه ببداية التسعينات اتفاق سلام مع إسرائيل، بل صار في نظر طهران «خائنا».
ومع أن العلاقات بين إيران من جهة، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي من جهة ثانية، ظلت متقدمة وجيدة لسنين طويلة بخلاف العلاقات مع حركة فتح، إلى الحد الذي نجحت معه إيران في ضم الحركتين إلى ما تسميه «محور المقاومة والممانعة»، أيضًا يضم سوريا وما يسمى «حزب الله» اللبناني، فإنها عند أول اختلاف في الرأي حول الأزمة السورية، ومن ثم اليمنية، انقلبت على «حلفائها» كما فعلت من قبل مع عرفات.

محاولة توظيف الدعم
لقد اعترف خالد مشعل، زعيم حركة حماس قبل فترة، أن إيران لم تعد الداعم الرئيسي لحماس بسبب الأزمة بين حماس ورئيس النظام السوري بشار الأسد، لكنها عادت خلال عام 2016 بعد بضع سنوات من القطيعة والمدّ والجزر للعمل على استقطاب حماس «السنّية» وضمها من جديد للنظام السوري وما يسمى «حزب الله» اللبناني في مواجهة المملكة العربية السعودية. ولقد كشفت «الشرق الأوسط» عن اجتماع عقد في الرابع من يناير (كانون الثاني) 2016 بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وممثل حماس في طهران خالد القدومي؛ للبحث في علاقات الجانبين، وعن عرض ظريف على القدومي أن تعلن حماس موقفًا سياسيا رسميًا ضد الرياض مقابل أن تقوم طهران بتلبية مطالب حماس كافة، ومنها الدعم المالي الثابت والدائم، إلا أن حماس رفضت، وأوضح أحد مسؤولي الحركة في الضفة الغربية لـ«الشرق الأوسط» أن «المعادلة معقدة، فنحن بصفتنا حركة تحرر نتطلع إلى دعم الجميع، لكننا أبدا لن نكون في أي تحالف ضد الشعوب أو ضد العالم السنّي».
ثم جرّبت طهران المسعى ذاته مع «الجهاد الإسلامي»، إذ طلبت مع بدء «عاصفة الحزم» من «الجهاد» إصدار موقف مشابه لموقف ما يسمى «حزب الله» اللبناني، غير أن حركة الجهاد رفضت أيضًا. وأكدت إحجامها عن التدخل في شؤون أي بلد عربي، فردّت إيران بقطع الدعم المالي عن «الجهاد» التي لم تتمكن لشهور من دفع رواتب عناصرها قبل أن تُستأنف العلاقة نظرًا لأن طهران تشعر بحاجتها دائمًا إلى موطئ قدم.

زرع جسم شيعي
من جهة أخرى، أخذت إيران تفكر بطريقة مختلفة، إذ بدلاً من أن تعمل على استقطاب فصائل سنّيّة في فلسطين، فإنها حاولت مؤخرًا تشكيل حركة متشيّعة داخل قطاع غزة، هي «حركة الصابرين» التي أضحت ممثلا شبه رسمي لطهران.

التدهور المستمر للعلاقة
وفي نهاية يناير، تسرّب تسجيل لمكالمة حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه ونشرته للدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يهاجم فيها طهران بشدة، وينفي تصريحات إيرانية بأنها تقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية، وبخاصة منذ عام 2009. وخلال المكالمة اتهم أبو مرزوق الإيرانيين بـ«الباطنية والكذب والدهاء» وقال إنهم «هلكوت العباد». وكانت هذه المكالمة مثل قطع شعرة معاوية التي ناضل الطرفان من أجل وصلها من جديد قبل أن تنقطع من جديد بسبب الأحداث في مدينة حلب السورية.
وعودة إلى ظهور حركة «الصابرين» المتشيعة المدعومة والموجّهة إيرانيًا داخل غزة منذ نحو 3 سنوات، فلقد ظهر دعم طهران واضحًا عليها من خلال قدرتها على دفع رواتب موظفيها. إلا أن حماس، أمام خلفية تراجع العلاقة مع طهران ووسط غضب سنّي كبير، اضطرت لشن هجوم واسع على «الصابرين»، كذلك أحبطت السلطة الفلسطينية لاحقًا محاولة إيرانية لنقل التجربة إلى الضفة. فقبل نهاية العام بقليل شنّت الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس حملة استهدفت اعتقال قادة حركة «الصابرين». وصرحت مصادر لـ«الشرق الأوسط» بأن ملاحقة حماس لقادة «الصابرين» بعد سنوات من المدّ والجزر والتردد في اتخاذ موقف حاسم، يهدف إلى ممارسة مزيد من الضغط على الحركة الشيعية وصولاً إلى إنهاء وجودها. وفي المقابل، قال هشام سالم، مسؤول «الصابرين»، صراحة، إنه يتعرّض للملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية في القطاع على خلفية مواقفه من الأحداث الجارية في حلب. ومعروف، أن حماس تقف في صف معارضي الأسد. ويعكس استهداف «الصابرين» الشيعية في غزة من قبل حماس، الخلاف بين الحركة ومعسكر إيران فيما يخصّ الحرب السورية.
ويُذكر أن الخلاف الكبير حول حلب ظهر بوضوح عندما هاجم حشمت الله فلاحت، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حركة حماس قائلا إن «هناك دورًا لعبه اللوبي (الصهيوني) باتخاذ حماس موقفها من سوريا، بالإضافة إلى أن علاقة الحركة بالدول العربية التي تقدم لها الدعم المالي جعلت قرارات قادة الحركة متذبذبة»، مهدّدا بـ«علاقات أخرى مع مجاميع فلسطينية أخرى».
هذه النهاية السيئة في 2016 للعلاقات بين طهران وحماس هي النهاية نفسها لعلاقاتها مع السلطة الفلسطينية؛ إذ لم يعر الرئيس الفلسطيني محمود عباس اهتمامًا للموقف الإيراني الرسمي عندما التقى زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي في باريس خلال أغسطس (آب) الماضي، وهو اللقاء الذي شن على إثره مسؤولون إيرانيون هجومًا غير مسبوق على عباس، واصفيه بشتى الأوصاف، وردت فتح متهمة القيادة الإيرانية بـ«الخيانة والباطنية المنظمة لأدوار تخريب وتدمير وشق الصف الفلسطيني».
وأنهى عباس العام بإعلانه تأييد المملكة السعودية في كل ما تقوم به، في رسالة أخرى توسّع الخلافات مع طهران.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.