فرضت واشنطن، أول من أمس، عقوبات على موسكو، على خلفية اتهامها بالوقوف وراء قرصنة معلوماتية طالت الحزب الديمقراطي والبريد الإلكتروني لفريق المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وأثرت على الانتخابات الرئاسية الأميركية. لكن تقنيا، يبدو من الصعب تقديم أدلة غير قابلة للدحض، تتيح تحديد هوية المنفذين والهدف من عملية القرصنة. ووسط هذا التجاذب بين البلدين، أصبحت هذه القضية تثير القلق حتى في أوروبا، حيث تشهد ألمانيا وفرنسا انتخابات في عام 2017. وبات مسؤولون سياسيون يتساءلون عن مدى تأثير أو حتى تدخل روسيا فيها. وانكشفت هذه الفضيحة في يونيو (حزيران) الماضي، عندما أعلنت شركة «كراود سترايك» الأميركية لأمن المعلوماتية، أن مجموعتي قرصنة هما «فانسي بير» و«كوزي بير» اخترقتا أجهزة الكومبيوتر للحزب الديمقراطي. المجموعة الأولى قامت بعملية الاختراق منذ صيف 2015 لرصد كل اتصالات الحزب الديمقراطي، بينما قامت المجموعة الثانية برصد وسرقة ملفات متعلقة بالمرشح الجمهوري دونالد ترامب اعتبارا من مارس (آذار) 2016. لكن شركة «كراود سترايك» واثقة بما تقوله. فمجموعة «كوزي بير» مرتبطة بجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية «جي آر يو»، بينما «فانسي بير» مرتبطة بجهاز الأمن الفيدرالي الروسي «إف إس بي». وبعد شهر من إعلان الشركة الأميركية، باشر موقع «ويكيليكس» نشر قسم من الرسائل الإلكترونية التي تمت قرصنتها. وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، توصلت وكالات الاستخبارات الأميركية، البالغ عددها 17، إلى خلاصة مفادها أن عملية القرصنة تم تنظيمها من روسيا، وكان ذلك في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، وبعد نشر رسائل إلكترونية مقرصنة بشكل شبه يومي لجون بوديستا، مدير حملة كلينتون.
وتواصلت الاتهامات بعد فوز ترامب في الانتخابات، حيث نشرت صحيفة «واشنطن بوست» وثيقة تؤكد فيها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» أن روسيا تدخلت لصالح فوز قطب الأعمال. وفي 12 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أعلن الكونغرس فتح تحقيق برلماني حول التدخل الروسي في الانتخابات.
ويجمع خبراء على أن القراصنة الروس بارعون، وهذا تقليد متوارث من عهد الاتحاد السوفياتي، عندما كان الأخير رائدا في التجسس الاقتصادي. وانتقلت روسيا بعدها للتركيز على أهداف سياسية. والدولة الأولى التي دفعت ضريبة هذه المهارات كانت إستونيا في عام 2007. فبعد خلاف دبلوماسي مع موسكو تعرضت الخوادم الرئيسية لأبرز مواقع الإنترنت لطلبات مكثفة، بحيث لم تعد صالحة للاستعمال. كما ظل الرقم المخصص للطوارئ غير متوافر لمدة ساعة، وهو أمر غير مسبوق على صعيد دولة. كما تعرضت أوكرانيا وجورجيا اللتان شهدتا أيضا علاقات متوترة مع روسيا لهجمات مماثلة.
وقال رئيس تحرير موقع «أجينتا.رو» المتخصص في قضايا التجسس، أندري سولداتوف، إنه «بالنظر إلى تاريخ روسيا في الهجمات المعلوماتية، أميل إلى الاعتقاد أن هناك تنسيقا بين جهات خاصة وحكومية على أعلى مستوى». واعتبر عدد كبير من المراقبين أن الهدف من التدخلات الروسية كان قبل كل شيء زعزعة الثقة بشرعية الانتخابات الأميركية، لإضعاف الإدارة المقبلة. لكن تقريرا لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية «سي آي إيه» تم تسريبه إلى الصحف، مضى أبعد من ذلك، وأكد أن موسكو نظمت هذه العمليات لضمان فوز ترامب، الذي غالبا ما أشاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال سولداتوف، إنه يميل إلى الاعتقاد أن العملية كانت تهدف لإضعاف كلينتون التي اعتبرها الكرملين «عدوًا لدودًا» منذ أعلنت دعمها، عندما كانت وزيرة للخارجية، مظاهرات معادية لبوتين في عام 2011.
قرصنة روسيا المعلوماتية... هاجس يثير قلق زعماء أوروبا
سياسيون يتساءلون عن مدى قدرة موسكو على التأثير في الانتخابات المقبلة

قرصنة روسيا المعلوماتية... هاجس يثير قلق زعماء أوروبا

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة