بوتين يتفادى «فخ» أوباما الدبلوماسي بضبط النفس

هنّأ ترامب بالسنة الجديدة ووصف دبلوماسية سلفه بالاستفزازية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحمل سيفا خلال لقائه مع المسؤول عن الأفلام التاريخية  كوستانتين إرنست في موسكو أمس (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحمل سيفا خلال لقائه مع المسؤول عن الأفلام التاريخية كوستانتين إرنست في موسكو أمس (أ.ب)
TT

بوتين يتفادى «فخ» أوباما الدبلوماسي بضبط النفس

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحمل سيفا خلال لقائه مع المسؤول عن الأفلام التاريخية  كوستانتين إرنست في موسكو أمس (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحمل سيفا خلال لقائه مع المسؤول عن الأفلام التاريخية كوستانتين إرنست في موسكو أمس (أ.ب)

فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، العالم بتأكيده أن بلاده لن تردّ على العقوبات الأميركية التي شملت طرد 35 من دبلوماسييها، مبرهنا على سياسة ضبط النفس التي لم تعتد عليها موسكو. واعتبرت موسكو تصعيد أوباما تجاهها في آخر أيام ولايته محاولة لتعزيز التوتر بين البلدين قبل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في الـ20 من الشهر المقبل.
وأعلن الرئيس الروسي، أمس، أن روسيا لن تقوم بطرد دبلوماسيين أميركيين، ردا على طرد الدبلوماسيين الروس، لكنه شدد في الوقت ذاته على حق روسيا في الرد بالشكل المناسب على تلك العقوبات، لافتا إلى أن موسكو تحتفظ بذلك الحق، لكننها لن تنحدر إلى مستوى «دبلوماسية المطابخ»، في إشارة منه إلى ممارسات إدارة أوباما. وأوضح بوتين، في بيان نشره الكرملين: «لن نطرد أحدا (...) لن ننحدر إلى مستوى دبلوماسية غير مسؤولة»، معتبرا العقوبات الجديدة التي أعلنتها واشنطن «استفزازية»، وتهدف إلى «تقويض إضافي للعلاقات الروسية الأميركية».
وفي بيان نقلت وكالة «ريا نوفوستي» بعض فقراته، يصف بوتين قرار العقوبات الأميركي بأنه خطوة غير ودية من جانب باراك أوباما، وهي خطوة «استفزازية ترمي إلى المضي في تقويض العلاقات الروسية - الأميركية»، معربًا عن قناعته بأن هذا «يتعارض مع المصالح الرئيسية للشعبين الأميركي والروسي على حد سواء». وبعد إشارته إلى «المسؤولية الخاصة الملقاة على عاتق روسيا والولايات المتحدة في الحفاظ على الأمن العالمي»، أردف بوتين معلقًا على قرار العقوبات الأميركية بالقول إنها «تلحق الضرر بمجمل العلاقات الدولية».
واختتم بوتين بيانه مؤكدًا: «لن نخلق مشكلات للدبلوماسيين الأميركيين، ولن نقوم بطرد أي أحد، ولن نمنع عائلاتهم وأطفالهم من استخدام أماكن الاستراحة والاستجمام التي اعتادوا على استخدامها في الكريسماس». فضلا عن ذلك، وجه الرئيس الروسي دعوة لأطفال الدبلوماسيين الأميركيين العاملين في روسيا لزيارة شجرة الميلاد في الكرملين. أما الخطوة التالية التي اتخذها بوتين، ويصفها البعض بأنها «جزء من الرد على قرارات أوباما»، فهي رسالة التهنئة التي وجهها أمس للرئيس الأميركي المنتخب بمناسبة أعياد الميلاد والكريسماس، التي أعرب فيها عن أمله في أن «تتمكن الولايات المتحدة، بعد تولي ترامب الرئاسة، من اتخاذ خطوات فعلية لاستعادة آليات التعاون الثنائي في شتى المجالات، وأن تنقل التعاون بين البلدين على المسرح الدولي إلى مستويات جديدة نوعيا».
وصدر بيان الرئيس الروسي بعد ساعات على توجيه وزير الخارجية، سيرغي لافروف، اقتراحات للكرملين تتضمن الإجراءات التي ترى الخارجية أنها من الممكن اتخاذها ردا على قرار أوباما. وقال لافروف إن الخارجية الروسية وأعضاء وزارات أخرى عرضوا اقتراحا على الرئيس بطرد 35 دبلوماسيا أميركيا، وحظر استخدام الدبلوماسيين الأميركيين منازلهم الريفية الواقعة في «سيريبرياني بور» في موسكو، ومستودعًا في شارع «دوروجنايا». إلا أن الكرملين كما هو واضح لم ير حاجة لتلك الإجراءات في الوقت الحالي.
وفي أول تعليق رسمي على قرار أوباما، وصف ديمتري بيسكوف، المتحدث الصحافي باسم الكرملين، في تصريحات مساء أول من أمس، القرار بأنه «مظاهر جلية للعدوان» الذي أشار إليه الرئيس الروسي في مؤتمره الصحافي السنوي مؤخرا. ومع ذلك حاول بيسكوف التقليل من شأن تلك العقوبات حين اعتبر «الأمر لا يستدعي العجلة»، معربا عن قناعته بأن إدارة أوباما تريد من خلال فرض عقوبات جديدة توجيه ضربة للسياسة الخارجية للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وإفساد العلاقات الأميركية - الروسية بشكل نهائي.
ويرى مراقبون أن الموقف الذي أعلن عنه بوتين ردا على العقوبات الأميركية الأخيرة كان متوقعا، لافتين إلى أن تبني الكرملين بعض العقوبات كطرد دبلوماسيين أميركيين، وغيرها، من شأنه أن يزيد التعقيد في العلاقات مع البلدين، وهو ما لا تريده موسكو، ولا سيما في الفترة الحالية التي يستعد فيها الرئيس المنتخب دونالد ترامب لدخول البيت الأبيض.
من جهته، أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي بول رايان، وهو من أبرز قيادات الحزب الجمهوري، تأييده ما وصفه بالقرارات الثأرية التي اتخذتها إدارة الرئيس أوباما ضد روسيا، لكنه أشار إلى أن هذه العقوبات جاءت متأخرة، وكان يتوجب على إدارة أوباما اتخاذها منذ مدة طويلة. ويتفق موقف رايان مع ما سبق أن أعلنه السيناتور الجمهوري الأميركي لينزي غراهام من تأييد لفرض عقوبات صارمة على روسيا والرئيس فلاديمير بوتين.
ويبدو أن خطوة الرئيس أوباما بفرض العقوبات على روسيا لاقت تأييدًا كبيرًا في الأوساط السياسية داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، التي عبّر عنها كثير من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب بالقبول. وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، في بيان صحافي لوسائل الإعلام، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن روسيا ليست صديقًا حليفًا لأميركا، وإن التهديد الذي يواجه أميركا من روسيا كان يواجهه ضعف من قبل الرئيس أوباما، وأضاف موضحا أن «فرض العقوبات على روسيا جاء متأخرًا رغم التجاوزات التي ثبتت على روسيا ضد أميركا، ومن أهمها اختراق الأمن الإلكتروني الأميركي وقرصنة الانتخابات، وهناك كثير من العقوبات التي يجب على أوباما أن يفرضها».
بدوره، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، في تغريدة له على حسابه الشخصي بـ«تويتر»، أنه سيناقش التقارير الرسمية والمعلومات السرية التي توصلت إليها وكالة الاستخبارات الأميركية في قرصنة الانتخابات مع المسؤولين في وقت لاحق من الأسبوع المقبل، مضيفا أنه «الوقت الأمثل الذي نمضي فيه بدولتنا إلى الأكبر والأفضل».
وعلى غير عادته، حاول ترامب أن يتمهل وألا يبدي رأيه بوضوح بشأن العلاقات مع روسيا، مكتفيا بالتغريد في موقع «تويتر» بالقول إن تركيزه حاليا بكل بساطة سوف ينصب على مبدأين أساسيين هما «توظيف الأميركيين وترويج المنتجات الأميركية بالخارج». ويفهم من هذا التصريح أن ترامب قد يبقي على العقوبات الاقتصادية على روسيا إذا ما كان في ذلك ما يخدم المنتجات الأميركية، غير أنه فتح باب التكهنات على مصراعيه فيما يتعلق بموقفه من طرد الدبلوماسيين، والاستمرار في مناصبة موسكو العداء سياسيا.
في غضون ذلك، أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) بالاشتراك مع وزارة الأمن الداخلي، تقريرا جديدا أكد فيه محللو الطرفين توصلهم إلى قناعة كاملة بأن الاستخبارات الروسية عمدت منذ فترة طويلة إلى اختراق مراسلات إلكترونية وأجهزة كومبيوتر لمواطنين أميركيين، وخوادم بيانات تابعة لمؤسسات أميركية، في محاولة منهم على ما يبدو للإيحاء بأن طرد 35 دبلوماسيا روسيا من واشنطن لم يكن بسبب صفتهم الدبلوماسية، وإنما للاشتباه بكونهم رجال استخبارات تورطوا في عمليات الاختراق الإلكترونية.
وعقب صدور التقرير طلب ترامب من مكتب التحقيقات الفيدرالية وأجهزة أمنية أخرى ترتيب لقاء له مع رؤساء هذه الأجهزة وكبار المحليين فيها، ومن المتوقع أن يكرس اللقاء الذي سيعقد الأسبوع المقبل لمناقشة قضية الاختراق الروسي والرد الأميركي. ويأتي لقاء ترامب مع الأمنيين المقرر، في سابقة نادرة، على اعتبار أن التقاليد السياسة الأميركية التي التزم بها جميع الرؤساء السابقين تقريبا تقضي بألا يمارس الرئيس المنتخب أي أنشطة رسمية تنفيذية قبل أدائه القسم الدستوري، كما كانت تفرض التقاليد السياسية تجنب أي أنشطة سياسية قد توحي بأن الولايات المتحدة لها رئيسان وليس رئيسا واحدا.
ونقلت وسائل إعلامية أميركية عن مسؤول رفيع المستوى، لم تسمه، أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يعتزم إلغاء المرسوم الرئاسي التنفيذي للرئيس باراك أوباما، والسماح لعملاء المخابرات الروسية بالعودة مرة أخرى إلى الولايات المتحدة بمجرد مباشرته مهام منصبه.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».