فقراء إيران من صفيح المدن إلى الإقامة بين القبور

المخرج العالمي أصغر فرهادي منتقدا روحاني: الألاعيب السياسية لن تدفئ أجساد المحرومين

صورة من الصفحة الأولى لتقرير صحيفة «شهروند» عن لجوء مشردين إلى القبور هربًا من برد الشتاء
صورة من الصفحة الأولى لتقرير صحيفة «شهروند» عن لجوء مشردين إلى القبور هربًا من برد الشتاء
TT

فقراء إيران من صفيح المدن إلى الإقامة بين القبور

صورة من الصفحة الأولى لتقرير صحيفة «شهروند» عن لجوء مشردين إلى القبور هربًا من برد الشتاء
صورة من الصفحة الأولى لتقرير صحيفة «شهروند» عن لجوء مشردين إلى القبور هربًا من برد الشتاء

أثار تقرير نشرته صحيفة «شهروند» الإيرانية في عددها الصادر، أمس، عن سكان المقابر في العاصمة طهران، جدلا واسعا في إيران. وبيّن تقرير تحت عنوان «الحياة في القبور» أن نحو خمسين من المشردين في مدينة شهريار، (ضواحي طهران)، اتخذوا من قبور جاهزة منازل لهم من شدة البرد، ويشرح المشردون ظروف حياتهم القاسية والتشرد في القبور المقفرة.
وبحسب التقرير، فإن بعض القبور تضم ما بين شخص إلى أربعة أشخاص من المشردين وأن 50 من سكان القبور الأحياء يمضون ليالي الشتاء في عشرين قبرا من مقبرة نصير آباد في ضواحي طهران.
وبعد ساعات من نشر التقرير، أفادت صحيفة «قانون» عبر موقعها الإلكتروني، بأن قوات الأمن انهالت بالضرب على المقيمين في القبور وأجبرتهم على مغادرة المكان، ونقلت عن أحد المشردين قوله إنه «لم يعد لديهم قبور للنوم فيها».
وتحولت قضية سكان الصفيح إلى مصدر قلق كبير لجمعيات حقوق الإنسان في إيران هذا العام، وبحسب المصادر الرسمية، فإن أكثر من 11 مليون إيراني دفعهم الفقر في السنوات الأخيرة إلى الهجرة في صفيح المدن الكبيرة بحثا عن لقمة العيش؛ حيث تشهد تلك المناطق ارتفاعا لافتا في الجريمة وعدد المدمنين على المخدرات.
ونقلت وكالة «إيرنا» الرسمية، أمس، عن قائم قام مدينة شهريار، سعيد ناجي، أن الجهات المسؤولة ستعقد اجتماعا طارئا لبحث وجود المشردين في القبور. وقال المسؤول الإيراني إن المكان يعتبر وجهة المدنيين إلى المخدرات.
في غضون ذلك، وجه المخرج الإيراني الحائز على جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي في 2010، أصغر فرهادي، رسالة إلى رئيس الجمهورية حسن روحاني حول تقرير سكان القبور، وعبر فرهادي عن صدمته وشعوره بالخجل والغضب بعد اطلاعه على تقرير يظهر إقامة أطفال ونساء ورجال في ضواحي طهران الباردة هذه الأيام.
وقال فرهادي: «أعرف أن بعض المتلاعبين في السياسة سيتخذون من هذه التقارير والأخبار ذريعة لتسخين أفران ألعابهم السياسية المستنزفة والانتخابية، لكن للأسف حرارة هذه الأفران لن تدفئ أجساد الأطفال والنساء والرجال الذين يفترشون زوايا المقابر وأشجار الحدائق والجسور للنوم».
وأشار فرهادي إلى تأثره الشديد بالتقرير الذي نقل تفاصيل حياة سكان المقابر، وفقا لما ذكرت عنه وكالة «إيسنا» الحكومية، ويضيف المخرج الإيراني أن الأسماء الواردة في التقرير، التي قال عنها إنها تعيش الموت، لن تغادره أبدا.
في رسالته يوصي فرهادي المسؤولين الإيرانيين بالتنكر على غرار القصص التاريخية للاطلاع على أوضاع الإيرانيين المعيشية بعيدا عمن وصفهم بالحماية والمتملقين والمرافقين الذين لا يدركون معاناة الناس حسب زعمه.
وأضاف فرهادي أنه إن كان يتعذر على المسؤولين الذهاب للمناطق النائية، فإن عليهم زيارة ضواحي طهران حتى يلمسوا حمرة الوجوه التي يصفعها الفقر والعوز في تلك المناطق.
في جزء آخر من رسالته، يذكر فرهادي أن التقرير مثال بسيط ومكرر لكنه يلخص أوضاع إيران الحالية، متسائلا عن الجهة التي ينبغي أن تجيب عن هذا الظلم الخفي، ولماذا آلت الأوضاع إلى ما آلت إليه في الوقت الحالي؟
كما انتقد فرهادي في رسالته تفشي العنف واللامبالاة بين الإيرانيين وانتشار الكذب وسيلة وفنا من فنون كسب القوت بين الإيرانيين والتناقض الذي يعيشه المواطن الإيراني في حياته اليومية والخاصة.
الأسبوع الماضي كشفت صحيفة «اعتماد» الإيرانية، نقلا عن مركز الإحصاء عن وجود 17.8 في المائة من الأسر الإيرانية تحت خط الفقر المطلق، وهو ما يعادل 13 مليونا و347 ألف شخص، إضافة إلى ذلك، تشير الإحصائية نفسها إلى وجود نسبة 5.1 من ثمانين مليون إيراني تحت خط الفقر النسبي، لكن الصحيفة أوردت إحصائيات أخرى تشير إلى وجود 37 مليون و568 ألفا تحت خط الفقر.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.