الجدل يحاصر تحديثات «قانون الإيجارات القديم» في مصر

تخوفات من آثار على 10 ملايين مواطن.. ومحاولات لإعادة الحق لآلاف الملاك

تدور النقاشات داخل البرلمان المصري وفي الشارع حول تحديثات لرأب عيوب قانون الإيجارات القديم (غيتي)
تدور النقاشات داخل البرلمان المصري وفي الشارع حول تحديثات لرأب عيوب قانون الإيجارات القديم (غيتي)
TT

الجدل يحاصر تحديثات «قانون الإيجارات القديم» في مصر

تدور النقاشات داخل البرلمان المصري وفي الشارع حول تحديثات لرأب عيوب قانون الإيجارات القديم (غيتي)
تدور النقاشات داخل البرلمان المصري وفي الشارع حول تحديثات لرأب عيوب قانون الإيجارات القديم (غيتي)

في وقت تناقش فيه لجنة مختصة بمجلس النواب المصري تعديلات جذرية على قانون الإيجارات القديم في مصر، لا يتوقف الجدل حول المقترحات التي تخرج إلى العلن بين مؤيد لتحديث القانون القديم ومتخوف من تأثير المواد الجديدة للقانون المقترح على ملايين السكان ومستأجري العقارات التجارية في مصر ممن يخضعون للقانون القديم.
ويوجد في مصر قانونان للإيجارات، أحدهما يعود إلى مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وتم تحديثه للمرة الأخيرة في عام 1977، وما زال يجري العمل به إلى اليوم فيما يخص المباني القديمة. والآخر صدر في التسعينات من القرن الماضي، ويخص المباني الجديدة.
وبينما يحدد القانون القديم قيمًا إيجارية شهرية للعقارات السكنية تبدأ من نحو 5 جنيهات وتصل في أقصاها إلى نحو 30 جنيها (ما بين نحو 0.25 دولار إلى دولار ونصف)، فإن القانون الجديد يضع قيما إيجارية شهرية تبدأ من 300 جنيه وترتفع ربما إلى 5 آلاف جنيه (15 إلى 250 دولارًا). كما ينظم الجديد فترات التمتع بالعقد بمدد سنوية واضحة، ولا يحق للمستأجر أن يورث أو يؤجر العقار إلى آخرين، فيما تسمح ثغرات القانون القديم باستمرار المستأجر في البقاء بالعقار لمدد غير محددة وأيضًا توريثه لأسرته.
وهناك ثلاث فئات من المنشآت والعقارات الخاضعة للنظام الإيجاري القديم، أولها هي العقارات السكنية، وهي التي تتصل بها أغلب المخاوف من تضرر قاطنيها بعد التعديلات. أما الفئة الثانية فهي فئة العقارات التجارية، وأيضًا فإن كثيرًا من مستأجريها من أصحاب الأعمال الصغيرة التي لا تدر دخولا عالية تكفي لدفع إيجارات باهظة. وثالث الفئات هي العقارات التي تستأجرها جهات حكومية أو تابعة للدولة، وقد تكون الأخيرة الأقل تضررًا، نظرًا لأن العمل يجري حاليًا على إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة التي ستستوعب جانبً كبيرًا من تلك الفئة.
وتقع النسبة الكبرى من العقارات الخاضعة للنظام القديم في وسط المدن، بينما تلك التي تدار حسب النظام الجديد في المناطق السكنية الجديدة. وهو سبب آخر لتضرر الملاك؛ لكون القيم العقارية وقيم الأراضي في وسط المدينة تساوي أضعاف تلك الواقعة خارجها. كما أن عدد الوحدات في مباني وسط المدينة تكون أكثر محدودية عن مثيلتها خارجها، نظرًا لطرز البناء القديمة والارتفاعات الأقل؛ مما يعني أن عوائدها أقل بكثير من مثيلتها الخاضعة للقانون الجديد.
أيضًا، يؤكد كثير من الملاك أن بعضًا من السكان بنظام الإيجار القديم يحتفظون بالشقق رغم أنهم لا يحتاجونها، ويسكنون في مناطق سكنية أخرى، لكنهم يحتفظون بها بغرض إبقائها لأولادهم، أو الحصول على مبالغ نقدية كبيرة أو ما يعرف في الشارع المصري باسم «خلو الرجل» من أجل إعادة بيعها لآخرين.
ومنذ سنوات، ظلت هذه الفجوة السعرية بين قيم استئجار العقارات في مصر محل جدل واسع، إذ إن ملاك العقارات القديمة صاروا لا يمتلكون عقاراتهم إلا «ورقيًا»، ولا يمكنهم زيادة القيم الإيجارية بنسب توازي التضخم الاقتصادي، مما جعل بعضًا منهم يعمل على إيجاد حلول بعضها غير أخلاقي، مثل اصطناع تقارير تؤكد عدم صلاحية المباني هندسيًا وإنشائيًا من أجل طرد السكان بحجة أنه «آيل للسقوط»، أو حتى التدخل بشكل ما للتسبب في انهيار العقار، من أجل إعادة بنائه مرة أخرى وإخضاعه للقانون الجديد.
ورغم قناعة غالبية المصريين بأحقية ملاك العقارات القديمة في إعادة تقييم الإيجارات، فإن هناك كثيرًا من المخاوف تتصل بذلك، ومنها أن القانون القديم يتصل بشكل مباشر بنحو 10 ملايين فرد في مصر، يستأجرون نحو 2.5 مليون وحدة على النظام القديم. مما يعني أن نحو 10 في المائة من السكان قد يصبحوا مهددين بفقد مساكنهم في حال كانت التعديلات جائرة.
وينص الدستور المصري في بنوده على حق المواطن في السكن، وواجب الدولة في توفيره له، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وعدم إمكانية تنفيذ مشروعات سكنية تستوعب كل هذه الأعداد تعوق كثيرًا من تنفيذ هذه النقاط.
من جهة أخرى، آثار الاتجاه إلى بحث فرض قيم إيجارية جديدة على العقود القديمة، قد تصل إلى 10 أضعاف قيمتها السابقة، عدد من النقاط، من بينها أن هناك كثيرًا من مستأجري العقارات القديمة تخطوا حاليًا سن العمل ويتقاضون رواتب تقاعد (معاشات) زهيدة، مما لا يسمح لهم بدفع مبالغ كبيرة لاستئجار عقاراتهم ذاتها.
أيضًا فإن فكرة انتقال الأسر ذات الدخل المحدود إلى مناطق جديدة غير التي سكنوا بها لسنوات، في حال عدم قدرتهم على دفع الإيجارات الجديدة المقدرة، قد تضع أعباءً كبرى على كاهلهم، خصوصًا أن كثيرًا من المناطق السكنية الجديدة لا تمتلك مناطق خدمية بشكل واسع كما هو الحال في وسط المدن.
ومن بين المتخوفين من تعديلات القانون القديم النائب البرلماني محمد عبد العال، رئيس جمعية الحق في السكن، الذي أكد في تصريحات إعلامية رفضه لمشروع القانون لأنه مخالف للدستور المصري الذي نص على حق المواطنين في السكن، موضحًا أن ما يقرب من 10 ملايين مصري مهددون بالتشرد، وما يقرب من 2.5 مليون مصري يسكنون في عقارات الإيجار القديم، مضيفًا أن المحكمة الدستورية العليا قضت في عام 2002 بعدم أحقية الملاك في تغيير القيمة الإيجارية أكثر من مرة وذلك للحفاظ على الأوضاع الاجتماعية والسلم الاجتماعي.
لكن على الجانب الآخر، أكد النائب علاء والي، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، التي تدرس التعديلات حاليًا، أنه لن يضار أحد من قانون الإيجارات القديمة، موضحًا أن مجلس النواب لا يصدر أي قانون إلا بعد دراسة عميقة وتشكيل لجان استماع لأطراف المشكلة. وقال والي، في تصريح إعلامي، إن فكرة وجود القانون من الأساس مهمة لطرفي العلاقة الإيجارية في ظل ظاهرة الاستغلال، سواء من ملاك عقارات قديمة أو ساكنيها الحاليين، وتنظيم العلاقة مطلوب، ولكن ليس على حساب غير القادرين من الطرفين. مؤكدًا أنه لن يقبل بتشريد المستفيدين من الوحدات الإيجارية بالعقارات التي ينطبق عليها القانون القديم.
وبدوره يشير النائب إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان، إلى أن الهدف من تعديل قانون الإيجار القديم، هو تنظيم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، حتى يصل الحق إلى أصحابه، ويتم الحفاظ على الساكن وبقائه في السكن.
من جانبه، يقول النائب محمود محيي الدين، عضو لجنة الإسكان، إن المشروع ما زال قيد النقاش داخل اللجنة، من أجل الوصول إلى صياغات توافقية تحقق العدالة بين المالك والمستأجر. وبحسب مصادر برلمانية متعددة، تدرس اللجنة حاليًا كل المقترحات من جوانبها كافة، كما تتناول أغلب البرامج الحوارية أطراف القضية في محاولة لإيجاد صيغة ترضي بشكل كبير غالبية الأطراف، وذلك استعدادًا لمناقشة مشروع القانون أمام لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، والتي ستجتمع بدءًا من 2 يناير (كانون الثاني) المقبل وعلى أجندتها عدة موضوعات؛ من بينها «قانون الإيجارات القديم».



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».