ازدواجية روسية في التعاطي مع اليمن

انتقادات للشرعية إثر اكتفائها بتعيين قائم بالأعمال في موسكو

ازدواجية روسية في التعاطي مع اليمن
TT

ازدواجية روسية في التعاطي مع اليمن

ازدواجية روسية في التعاطي مع اليمن

يلوم محللون سياسيون حكومة اليمن الشرعية على خطوة استراتيجية تتمثل في تعيينها سفراء في دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، أمام اقتصار تمثيلها في موسكو على قائم بالأعمال.
وفي المقابل، يصف آخرون تعاطي موسكو مع الملف اليمني بـ«الازدواجي»، نسبة إلى تناقضات بيانات الخارجية الروسية مع أفعال المسؤولين الروس على الأرض، مع الاعتبار أن روسيا أغمضت عينها أمام القرار الأممي 2216، واكتفت بالامتناع عن التصويت.
الدب الروسي البارد زوده فراغ تركته «واشنطن أوباما» بالوقود الكافي ليشعر بالدفء حيال سياساته في منطقة الشرق الأوسط، في فرضية يكفي الاستدلال بسوريا لتأكيدها، وبات أقرب لأمر واقع يجدر بأجندة صانعي القرار في المنطقة أن تضعه في حسبانها على الدوام.
يقول الدكتور مانويل ألميدا المستشار والباحث في شؤون الشرق الأوسط: «موقف روسيا في ما يتعلق بالأزمة اليمن لا بد من وضعه في السياق الأوسع لسياسة روسيا في الشرق الأوسط، فموسكو ترى المنطقة مسرحًا واسعًا لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة وإعادة التأكيد على مكانتها كقوة عالمية».
وتبقى التساؤلات قائمة حول التحركات الرسمية وشبه الرسمية التي تجري علنا بين موسكو وطرفي الانقلاب في اليمن، ففي حين لم تترجم قناة «روسيا اليوم» على غير عادتها تصريحًا للمتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أوردت فيه - وإن بشكل مقتضب - أن بلادها تدعو لعدم اتخاذ خطوات أحادية الجانب، وصادف ذلك تشكيل الحكومة الانقلابية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وكانت الخارجية الروسية أعلنت في بيان على موقعها الرسمي أن المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي «استقبل يوم الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي وفد الحركة اليمنية الحوثية (أنصار الله) الزائر للعاصمة الروسية وعلى رأسه محمد عبد السلام رئيس وفد الحوثيين إلى مشاورات الكويت».
وأول من أمس، التقى وزير خارجية حكومة الانقلاب هشام شرف، القائم بالأعمال الروسي بصنعاء أندريه تشر نوفل لدى زيارته مقر سفارة روسيا، وفقاً لوكالة الأنباء التابعة للانقلاب.
وتتعامل روسيا مع الملف اليمني وفق منظور يعمل باتجاهين، تأييد الشرعية وتوظيف الانقلاب لخدمة مصالحها وصراعها «الجيواستراتيجي» مع الدول الأخرى، وتوظيف الانقلاب كقوة ضاغطة لتحقيق إنجازات في الملف السوري، وعلاقة روسيا بأطراف الانقلاب أكثر دفئًا من علاقتها بالشرعية رغم التأييد الواضح للشرعية، وفقا لنجيب غلاب الباحث والمحلل السياسي اليمني، الذي يقول إن اليمن يمثل المدخل الأكثر فاعلية بالنسبة لروسيا للتأثير في دول المنظومة الخليجية وعلى مصر والقرن الأفريقي، وترى أن الأطراف الانقلابية في اليمن هي القوى التي بالإمكان بناء علاقات معها تمكنها من تحقيق نفوذ في السياسة اليمنية... وتحاول روسيا بناء علاقات مع القوى المرتبطة مع إيران لتفعيل دورها في المنطقة، وهذا لا يعني تجاهلها لأطراف الشرعية، فالجيش اليمني يعتمد على سلاحها، وما زالت ترى اليمن سوقًا للسلاح والنفوذ.
ويرى الدكتور ألميدا أن الطبيعة المزدوجة للموقف الروسي تجاه اليمن غير مفيدة للجهود الرامية إلى حل سياسي للصراع... «يجب عليهم الضغط على القوات الموالية للرئيس السابق صالح والحوثيين لتنفيذ القرارات التي حددتها الأمم المتحدة».
ويقول غلاب إن الدب الروسي يعتقد أن علاقته بالملف اليمني من خلال الانقلاب ستكون أكثر فاعلية وتأثيرًا، حيث إن مراهنة الانقلابيين على تدخل روسي لمساعدتهم كان من ضمن أولوياتهم، بل إن مطالب الانقلابيين معلنة، وطالب صالح بذلك مسبقًا في مقابلاته.
وفي رده على محور ما يجدر على الشرعية اتخاذه لتوثيق علاقاتها مع موسكو، قال غلاب: «بذلت الشرعية دورًا فاعلاً في التواصل مع الجانب الروسي، وتحتاج إلى تفعيل عملي وتفهم الرؤية الروسية ومصالحها، وإعادة بنائها بما يحقق الأهداف المشروعة للطرفين، وتفعيل الدبلوماسية ببعديها الرسمي والشعبي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».