تشهد مناطق الشمال السوري تسابقا واضحا بين تيارين يحملان عنوان «الوحدة» في مواجهة تداعيات سقوط مدينة حلب في يد النظام السوري. التيار الأول تقوده القوى ذات الطابع الإسلامي ورأس حربته حركة «فتح الشام» (النصرة) وحركة «أحرار الشام» اللتان تسعيان إلى إعلان كيان يشبه الدولة يذيب كل الفصائل العسكرية، ويصادر قرار القوى السياسية المعارضة الموجودة خارج سوريا. أما التيار الثاني، ردًا على الأول، فيلوح عبر توجه فصائل أخرى تعمل تحت راية «الجيش السوري الحر» لإنشاء قوة موحدة، في ضوء مخاوف بعض المعارضين من أن يشكل الكيان الإسلامي الجديد «رصاصة في رأس الثورة» السورية، كما قال أحد القياديين، أو أن يحول الشمال السوري إلى «قندهار» ثانية، كما قال عضو القيادي المعارض سمير النشار.
مصادر سورية معارضة أبلغت «الشرق الأوسط» أنه بعد سلسلة من الاجتماعات المكثفة والمتعبة تم الوصول إلى صيغة اندماج مشتركة للشمال السوري، وتتلخص في حل الفصائل (14 فصيلا) نفسها ذاتيًا بقرار داخلي وبيان يخرج للملأ، وإعلان اندماجها كاملة في كيان جديد قد يطلق عليه اسم «الهيئة الإسلامية السورية» أو اسم آخر. وكشفت المصادر عن أن قائده العام سيكون «أبو عمار تفتناز» (قائد «أحرار الشام») وقائده العسكري «أبو محمد الجولاني» قائد «فتح الشام» ورئيس مجلس الشورى هو توفيق شهاب الدين (قائد كتائب الزنكي).
وحسب المعلومات التي أفادت بها مصادر سورية معارضة، فإن «الكيان» الجديد الذي تدفع «فتح الشام» لإعلانه كـ«دولة ناشئة» نتج من اجتماع ضم قادة وأمراء «النصرة» و«أحرار الشام» و«الفيلق» و«جيش الإسلام» و«الفرقة 13» و«الفرقة 101» و«جند الأقصى» و«الجبهة الشامية» و«أجناد الشام» و«جيش المجاهدين» و«صوت الحق».
وأشارت المصادر إلى أن عدد الفصائل قد يرتفع إلى 14 فصيلا، كاشفة عن أن الاتجاه هو إلى إعلان حل جميع الفصائل خلال مدة لا تتجاوز أسبوعًا واحدًا، وإلغاء جميع التسميات، وولادة كيان موحد في عموم المناطق المحررة، على أن يتخلى قادة الفصائل عن مناصبهم القيادية وينضوون تحت مسمى مجلس شورى للكيان الجديد. ومن ثم، يجري اختيار رئيس لعموم المناطق المحررة من ذوي الأخلاق الحسنة والكفاءة والشجاعة وحسن الإدارة. وبعد ذلك، يبدأ مجلس الشورى، وبمشورة أهل العلم الشرعي وخبراء الإدارة بتأسيس دستور جديد للبلاد «في ظل الشريعة الإسلامية الغراء» خلال شهر واحد من تاريخ هذا البيان. ويتضمن التفاهم الذي تم إلغاء كل المقرات وإعادتها إلى سلطة الكيان الجديد، وإحراق كل الرايات إلا الراية الجديدة المتفق عليها، ومعاقبة كل من يروج للتسميات الفصائلية القديمة. أيضًا، يتضمن الاتفاق إطلاق قناة تلفزيونية وراديو لهذا الكيان تقدم فيهما البرامج «الهادفة»: «ويطل الرئيس المتفق عليه أسبوعيا ضمن لقاءات منتظمة ليضع الناس بصورة المستجدات الراهنة».
سمير النشار، وهو من حلب، قال لـ«الشرق الأوسط» إن ما حصل في حلب كان من شأنه إحداث هزة في أوساط المعارضة، متوقعا أن يؤدي هذا السقوط إلى مزيد من التطرف. بيد أن النشار كشف عن نقاشات أخرى تدور بين فصائل «الجيش السوري الحر» من أجل «توسيع جيش إدلب الحر ليشمل أكبر عدد ممكن من فصائل (الجيش السوري الحر) تحت قيادة موحدة وأهداف واضحة تخدم الثورة السورية». وأردف «أن الاتجاه الوطني يحاول الآن بلورة حالة تقوم على أسس وطنية، وهناك نقاشات معمقة حول الموضوع لم تصل إلى خواتيمها بعد». وشكك النشار في إمكانية انضمام بعض الفصائل المذكورة في التسريبات، كالفرقتين 13 و101 التابعتين لـ«الجيش الحر» إلى «هذا التجمع الذي تقوم به الفصائل المتشددة»، معتبرا أن «كل فصيل من (الحر) يقوده ضابط سوري منشق لن يقبل بالانضمام إلى مثل هذا التجمع». وحذّر من أن قيامه قد يحوّل إدلب والشمال السوري إلى «قندهار ثانية» على غرار ما قامت به حركة طالبان الأفغانية. واستطرد قائلا: «أنا أرسلت إلى الفصائل رسالة واضحة مفادها أنكم وقعتم في الكمين، وأن هناك محرقة تنتظركم، ولن يكون هناك من يدافع عنكم» معتبرا أن «كل الفصائل التي ستلتحق مكرهة بـ(فتح الشام) ستقع في المحرقة التي قد لا تكون مسبوقة من حيث الخسائر وأعداد الضحايا». وأكد أن «الاعتراض على هذا الكيان لن يكون من الدول فقط، بل من الشعب السوري الذي يرفض هذه الاتجاهات».
من ناحية أخرى، قلل باحث سوري معارض متابع للجماعات المتشددة من أهمية المشروع، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المشروع هو عبارة عن «تحالف لإدارة الأزمة». وأوضح الباحث أن المسار الذي يعمل عليه هؤلاء «غير مشجع»، معتبرا أن الفصائل المشاركة «كانت مشغولة بالحرب ومصابة بالتهلهل، ما عدا تنظيما واحدا هو (فتح الشام) الذي سيهيمن على قراره في حال حصوله». ورأى الباحث أن «كل الأفرقاء الذين يدخلون هذا الكيان الائتلافي ينظرون إليه من زاوية مختلفة، فـ(فتح الشام) تريد الخروج من خانة التوصيفين العربي والدولي لها بالإرهاب، أما الأحرار فقد ضعضتهم الخلافات الداخلية ويريدون تصحيح وضعهم، في حين أن (كتائب الزنكي) هبطت أسهمه بعد هجومه على تجمع (فاستقم) كما أنه يحتاج إلى الدعم والذخيرة؛ لأنه لا يمتلك دعما خارجيا كافيا».
في المقابل، دافع عضو مجلس قيادة «الجيش الحر» أبو أحمد العاسمي عن مشروع الكيان الجديد، معتبرا أنه «مشروع إنقاذي للثورة السورية». وأشار العاسمي إلى أن «المشروع يتضمن جمع الفصائل تحت قيادة واحدة بعيدا عن الأدلجة رغم الطابع الإسلامي الذي تحمله معظم الفصائل السورية، ومنها فصائل (الجيش الحر)».
ورأى العاسمي أن موضوع «فتح الشام» أو «النصرة» ما هو «إلا ذريعة تستعمل من البعض لشيطنة الثورة السورية، وأن ما سيبصر النور هو فصيل سوري بحت، والعناصر غير السورية، إن وجدت، لن تأخذ أدوارا قيادية»، موضحا أن «هذا الشرط كان من الشروط الأساسية لفصائل (الحر)». كذلك ذكر العاسمي أن موضوع انفصال «النصرة» عن تنظيم «القاعدة» كان بضغط من القاعدة السورية الواسعة، مشيرا إلى أنه سيكون هناك إجراءات لطمأنة المجتمع الإقليمي والدولي حيال هذا الموضوع.
في هذه الأثناء، كتب المتحدث الرسمي باسم «فتح الشام» حسام الشافعي في سلسلة تغريدات أطلقها أمس قرب إعلان «التوحد»، فقال: «لم يقف سعينا نحو تحقيق الواجب الشرعي بأمر التوحد والاندماج، تعثر وتعرقل مرات، وانطلق على استحياء مرات أخرى، لكنه اليوم أقوى وأشد وقادتنا يسعون له ليل نهار». وأضاف: «تقتضي المرحلة المقبلة أن يقودها المجاهدون صفا واحدا سياسيا وعسكريا وشرعيا، هدف واحد ومصير واحد».
فصائل مسلحة تعلن اندماجها في «كيان» جديد... وقوى معارضة تتخوف من «قندهار» سورية
زعيم «الأحرار» رئيسًا والجولاني قائدًا عسكريًا عامًا
فصائل مسلحة تعلن اندماجها في «كيان» جديد... وقوى معارضة تتخوف من «قندهار» سورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة