يعبّر أكثر من طرف في المشهد السوري عن مخاوفه من نهضة في صفوف المجموعات المتطرفة بوصفها رد فعل على مصير مدينة حلب وعلى الارتكابات التي سجلتها الأمم المتحدة خلال محاولة القوات المهاجمة السيطرة على الأحياء الشرقية للمدينة، قبل التوصل لاتفاق على إجلاء المقاتلين وعوائلهم ومن يرغب من المدنيين إلى الريف الغربي. ويحدث هذا، بموازاة انصراف قوى وفصائل المعارضة السورية لتقاذف مسؤولية سقوط حلب، واقتناعها بوجوب وضع استراتيجية جديدة تضمن وحدة الصف المعارض لتخطي الخسارة الأخيرة والمضي في مواجهة النظام السوري وحلفائه.
مصدر معارض أعرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن خشيته من «تفاقم ظاهرة الانشقاقات في صفوف الفصائل المعتدلة وانضمام أعداد من العناصر المقاتلة مؤخرا للتنظيمات المتطرفة، وبخاصة (فتح الشام)، نظرا لحالة الاستياء العارمة مما شهدته الأحياء الشرقية لحلب من إعدامات ميدانية واحتجاز آلاف الشبان وإجبارهم على التجنيد الإجباري والعودة إلى المدينة لقتال عناصر المعارضة». ومن جانب آخر، رأى الباحث السياسي والخبير الاستراتيجي اللبناني، ماريو أبو زيد، أن «كل الجهود الدولية التي كانت تبذل لتطويق المنظمات الإرهابية وإضعافها ضُربت بعرض الحائط بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها مدينة حلب»، لافتا إلى أن «المعلومات التي لدينا تفيد بتنامي عدد عناصر المجموعات المتطرفة رد فعل على قصف المدنيين في حلب». وأردف: «إذا كانت المعارك ستتخذ النمط نفسه في باقي المناطق السورية، فسنكون على موعد مع مشكلة كبيرة».
في هذه الأثناء، مجموعات المعارضة السياسية والعسكرية على حد سواء تبحث في أسباب سقوط حلب. ويكشف أحد المقاتلين داخل الأحياء الشرقية للمدينة عن أنّه كان لديهم من المؤن والذخيرة ما يكفيهم لعام ونصف للصمود والاستمرار في التصدي لهجمات قوات النظام ومحاولة توسعة نطاق سيطرتهم داخل المدينة، إلا أن عوامل عدة ساهمت في تراجع قدراتهم العسكرية خلال الشهر الماضي. ومن بين الأسباب، الخلافات التي تحولت إلى مواجهات بين عدد من الفصائل، وأدّت لسيطرة بعضهم على مستودعات لمجموعات أخرى ما أدّى تلقائيا لإضعافها وتشتيت تركيزها على المعركة الأساسية.
وبحسب المقاتل نفسه الذي فضّل - التكتم على هويته - فإن استثمار النظام وحلفائه هذه الثغرة والدعم الروسي والإيراني اللامحدود واتخاذهم قرارا نهائيا بالسيطرة على كامل حلب غير آبهين بمصير عشرات آلاف المدنيين، كان السبب الرئيسي الذي أدّى لانهيار دفاعات المعارضة وسقوط المدينة عسكريا.
في المقابل قال أبو زيد: «لعل القصف غير المسبوق الذي تعرضت له الأحياء الشرقية في الآونة الأخيرة، إن كان من الطيران الحربي النظامي أو الطيران الروسي، كان له الأثر الأكبر في دفع المعارضة إلى خطوط خلفية». واستبعد أبو زيد، من ثم، أن يكون حجم المؤن أو الذخائر سببا رئيسيا وراء الانهيارات التي حصلت، لافتا إلى أن «نوعية السلاح الذي يستخدمه النظام وحلفاؤه، وأبرزهم موسكو، وبالتالي الأفضلية الجوية التي يتمتعون بها والقوة الكبيرة الضاربة برًا، مقابل نقص توفر السلاح النوعي لدى فصائل المعارضة وأبرزه الصواريخ المضادة للطائرات، كلها عوامل كان لها الأثر الأكبر في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه».
وأشار أبو زيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المفاوضات التي كانت قائمة دوليًا، وبخاصة بين الروس والأميركيين لمحاولة فصل مجموعات المعارضة المعتدلة عن تلك المتطرفة، انعكست سلبا في الميدان بحيث جرى وقف الدعم عن عدد كبير من هذه المجموعات كما أثّرت على وحدة الصف المعارض».
فيما يخصها، تتجنب المعارضة السياسية تحميل الفصائل العسكرية أي مسؤولية لما آلت إليه الأوضاع في حلب، وتعتبر الهجمة الشرسة التي يقودها الروس هي التي فعلت فعلها. وفي هذا السياق، قال محمد يحيى مكتبي، عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» لـ«الشرق الأوسط» إن «المسؤولية المباشرة لما تشهده حلب يتحملها النظام السوري وداعموه وأبرزهم روسيا وإيران»، محملا أيضا «الفصائل العابرة للحدود أي (داعش) وفروع (القاعدة) جزءا من المسؤولية، تماما كصمت وتخاذل المجتمع الدولي وأصدقاء الشعب السوري». وأضاف مكتبي: «كما أن استخدام موسكو الأسلحة المحرمة دوليا من القنابل الارتجاجية والفوسفورية والأسلحة الكيماوية مقابل عدم امتلاك المعارضة الأسلحة النوعية كان له دور أساسي في سيطرة النظام وحلفائه على المدينة».
أما مدير مركز «جسور للدراسات»، محمد سرميني، فيرد سقوط حلب إلى «التدخل الروسي المباشر في المعركة بعدما فشلت كل محاولات النظام والميليشيات الإيرانية والعراقية السابقة باقتحام الأحياء الشرقية». ولفت سرميني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «القصف الروسي كان شديدا لدرجة غيّرت موازين القوى لصالح النظام، فيما ظلّت قدرات المعارضة هي نفسها ما أدّى لتراجعها بشكل تلقائي». وشدد سرميني على أن «الفصائلية» في صفوف المعارضة كانت من الأسباب الرئيسية أيضا التي أدّت إلى خسارة معركة حلب.
مشيرًا إلى «تنوع الفصائل والمجموعات المقاتلة وتعدد أجنداتها ورؤاها وأهدافها التفصيلية». ثم أردف: «غياب القرار السياسي والعسكري الموحد، والاقتتال الداخلي كان لهما أثرهما الكبير لحسم المعركة لصالح النظام؛ وبالتالي إذا لم يتم تغيير المنهج المعتمد من قبل الفصائل من خلال التحول من الفصائلية إلى القيادة العسكرية المتماسكة، فما شهدناه في حلب سيسري على باقي المناطق السورية».
مخاوف من «نهضة» في صفوف المتطرفين كرد فعل على مصير حلب
الغطاء الروسي ـ الإيراني وتفاقم خلافات الفصائل عاملان سرّعا بسقوط المدينة
مخاوف من «نهضة» في صفوف المتطرفين كرد فعل على مصير حلب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة