البشير يحذر المواطنين من «المخذلين» و{معارضة الفنادق}

السودان: صراع القوة بين الحكومة والمعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي

الرئيس السوداني عمر البشير يتحدث إلى مناصريه في إحدى ساحات الخرطوم في صورة تعود إلى أكتوبر الماضي (غيتي)
الرئيس السوداني عمر البشير يتحدث إلى مناصريه في إحدى ساحات الخرطوم في صورة تعود إلى أكتوبر الماضي (غيتي)
TT

البشير يحذر المواطنين من «المخذلين» و{معارضة الفنادق}

الرئيس السوداني عمر البشير يتحدث إلى مناصريه في إحدى ساحات الخرطوم في صورة تعود إلى أكتوبر الماضي (غيتي)
الرئيس السوداني عمر البشير يتحدث إلى مناصريه في إحدى ساحات الخرطوم في صورة تعود إلى أكتوبر الماضي (غيتي)

تغيرت لهجة الرئيس عمر البشير بعد يوم واحد من الخطاب التصالحي في مدينة ود مدني جنوب الخرطوم ودعوته المعارضة للحاق بركب الحوار، ليصف معارضيه بـ«المخذلين ومعارضي الفنادق».
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سونا) أمس، أن الرئيس البشير دعا في خطاب جماهيري بمدينة المناقل وسط البلاد أمس، المواطنين لعدم الالتفات لمن سماهم المخذلين من معارضي الفنادق، وجاء ذلك ضمن جولة يقوم بها في ولاية الجزيرة افتتح خلالها مشروعات تنموية وخدمية، وهي الولاية التي تراجع دورها وإسهامها الاقتصادي والثقافي خلال حكمه، بعد أن كانت مركز ثقل الاقتصاد السوداني، ويأتي ذلك بعد يوم واحد خطابه الذي دعا فيه بنبرة تصالحية معارضيه للحاق بالحوار الوطني.
وفي الأثناء، أعلن عدد من الصحافيين في الصحافة المحلية والمهاجرين ومن كبار الكتاب، دعمهم للعصيان المدني المزمع، ونظمت «شبكة الصحافيين السودانيين» حملة جمع التوقيعات. وتعد شبكة الصحافيين السودانيين تنظيمًا موازيًا لاتحاد الصحافيين الرسمي، ودأبت على تنظيم حملات مناهضة اعتصامات ووقفات احتجاجية وإضراب عن العمل. وفي الأثناء وقف رئيس اتحاد الصحافيين الموالي للحكومة، الصادق الرزيقي ضد العصيان المدني واعتبره معركة ضد من سماهم من يقودون البلاد إلى الدمار والخراب، واعتبر الدعوة إليه «مؤامرة دنيئة ولوثة جنون في صدور الخائنين»، وقال الرزيقي في مقاله الراتب بالصحيفة التي يتولى رئاسة تحريرها: «معركتنا منذ اليوم ضد كل من يريد أن يكون مصير بلادنا الدمار والخراب، فلن نترك لهم سانحة لتنفيذ مؤامرتهم الدنيئة. ولن تكون خاتمة عبثهم إلا السراب، فالسودان أقوى من كيد الكائدين وحقد الحاقدين، ولوثة الجنون التي تعتمل في صدور الخائنين».
ومع اقتراب العد التنازلي للعصيان المدني الذي دعا له الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، وأيدته قوى المعارضة المدنية، تداولت وسائط التواصل الاجتماعي قائمة توقيعات تضم مهندسين، وفنانين وكبار الكتاب ومبدعون وتشكيليون أول من أمس، أعلنوا فيها مشاركتهم في العصيان المدني.
ومنذ دعوة نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي لعصيان مدني ثان في السودان الاثنين المقبل، انشغلت «الميديا» الحديثة بعزف إيقاعين متضادين متشاكسين، يحاول كل إيقاع أن يكون الأكثر دويًا وإسماعًا. كل طرف يقود جوقته بالاتجاه الذي يعزف عليه النشيد الوطني بلحنه الخاص.
بدأ الأمر بنقرات على «الكيبورد» وشاشات اللمس في أجهزة الهواتف الذكية، وأدواتها مواقع التواصل الاجتماعي («فيسبوك»، و«واتساب»، و«تويتر»، ومدونات، ومواقع النشطاء)، ورصاصها كلمات حارقة وثاقبة، وأصحابها قابعون في منازلهم، ولا يطلقون سوى الكلمات. فيما يستخدم الجانب الحكومي أسلوبا لاستدراج المعارضين.
بدأ الأمر بوقفة احتجاجية نظمتها فتيات في مواقع نسوية على «فيسبوك» تهتم بالتجميل والأناقة، في أحد شوارع الخرطوم الشهيرة، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان وزير المالية السوداني عن رفع أسعار المحروقات والكهرباء وتحرير سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، والتخلي عن دعم الدواء، فرقها الأمن بالهراوات والغاز، واعتقل شابات وشبابا قدمهم لمحاكمة برأتهم فيها المحكمة.
ثم بدأ الإعداد لمعركة أخرى بتنظيم نشطاء مجهولي الهوية على مواقع التواصل الاجتماعي «عصيانا مدنيا»، يعتصم فيه المشاركون بمنازلهم، ولا يذهبون إلى العمل، في أيام 27 – 30 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وشجع النجاح النسبي لهذا العصيان النشطاء على التخطيط لعصيان آخر، حددوا له يوم الاثنين المقبل، فبعد أن كانت الدعوة والتحريض على العصيان الأول تصدر من مجموعات متعددة غير متصلة، تكون تجمع أطلق عليه «تجمع مجموعات العصيان».
ودعم أكبر تحالفين معارضين (قوى الإجماع الوطني، وقوى نداء السودان) العصيان، بل أصدرا بيانات دعوا فيها أعضاءهما والمواطنين للمشاركة في العصيان، وأصدرت أحزاب: «المؤتمر السوداني، والأمة القومي، والشيوعي، والبعث، وفصائل من الحزب الاتحادي الديمقراطي، وأحزاب أخرى»، بيانات وجهت فيها أعضاءها لدعم العصيان. ودعت الحركات المسلحة التي تعمل على إسقاط الحكومة عسكريًا أعضاءها للمشاركة في العصيان المدني، وأعلنت استعدادها للتخلي عن سلاحها فور حدوث التغيير.
مدنيًا، فإن المئات من المهنيين والمبدعين، وبينهم صحافيون وكتاب وشعراء ومهندسون ومعلمون ومحامون وأطباء، نظموا حملة توقيعات لدعم العصيان، أعلنوا فيها الإتيان ببديل ديمقراطي، يعيد رتق ما تهرأ من نسيج الوطن والمجتمع. ويقول الصحافي الحائز جائزة «بيتر ماكلر» المكافئة للشجاعة والنزاهة، فيصل محمد صالح، في صفحته على «فيسبوك»: «سنعلن وننفذ عصياننا المدني يوم الاثنين 19 ديسمبر (كانون الأول)، ونبقى في بيوتنا وشوارعنا وأحيائنا وقرانا، وأمام شاشات الكومبيوتر، نتحدث مع بعضنا ومع غيرنا، نتناقش في وسائل المقاومة وكيفية تفعيلها. نتجه نحو مزيد من التنسيق وإحكام التجويد».
ويسخر صالح من سؤال: «من يقود؟»، بقوله: «ليس فلانًا ولا علانًا، ولا أبا فلان، نحن من نقود نفسنا، نكوّن لجاننا، نناقش غيرنا، ونتوحد في جبهة واحدة، أفرادًا ومجموعات ولجانًا وأحزابًا وحركات وتنظيمات وقروبات».
ويوضح صالح، إجابة عن سؤال: «ماذا بعد العصيان؟»، أن الخطوة التالية ستحدد نفسها بناء على ما يتم يوم العصيان، وأن العملية ستخضع لنقاش وحوار واسع ومفتوح.
أما الطرف الآخر في فقد دأب على التقليل من قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على فعل أي شيء، بل وأنكر بشكل كامل قدرتها على أحداث أي تأثير، لكنه في الوقت ذاته دأب على استخدامها في دعايته، وزاد عليها أن رموز الحكم الكبار بمن فيهم الرئيس عمر البشير قد ألقوا بثقلهم في معركة كسب ولاء الجماهير.
وانتابت الحزب الحاكم حالة «إنكار هستيري» لمقدرة معارضيه على إسقاطه، بلغت ذروتها بقول الرئيس عمر البشير في حشد جماهيري بولاية كسلا شرق البلاد، الاثنين الماضي، إن حكومته لن تسقط عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي، وأضاف: «لن تسقط الحكومة بـ(الواتساب) و(الكيبورد)، ولن أسلم الحكم لهم، (الدايرنا يجينا عديل)».
وهو ما عده المعارضون لعبًا على الأجساد وتهديدًا وتذكيرًا بما فعلته أجهزة الأمن السودانية، في أكبر احتجاجات شهدتها البلاد في سبتمبر (أيلول) 2013، وقتل أثناءها محتجون، اعترفت الحكومة بمقتل أكثر من ثمانين منهم.
لكن الرئيس البشير أدلى بخطاب أكثر مرونة في حشد شعبي بمدينة ود مدني، وسط البلاد، الخميس، دعا فيه من وصفهم بالجالسين على الرصيف بالخارج، إلى اللحاق بدعوة الحوار الوطني؛ لأن قطاره لن يتوقف بانتظار أحد، وقال: «الباب لا يزال مفتوحًا أمام الراغبين في تلبية دعوة الحوار الوطني»، مبينًا أن الوثيقة الوطنية مفتوحة أمام الممانعين.
ويتمسك الطرف الحكومي بتوصيات مؤتمر الحوار الداخلي الذي أجراه مع قوى يرى المعارضون أنها إما حليفة له أو مشاركة معه، أو غير مؤثرة أو مصنوعة، ويقول إنه سيقوم بإصلاحات سياسية وإتاحة الحريات ومحاربة الفساد، بعد تنفيذ تلك النتائج. على الرغم من أنه تمادى في اعتقال قادة سياسيين ونشطاء، وتكبيل الحريات الصحافية ومصادرة الصحف ووقف الفضائيات.
وتقوم استراتيجية الحزب الحاكم في مواجهة العصيان على التقليل والسخرية من تأثيره، وتدعو علانية للخروج للشارع والتظاهر، ومواجهة أعضائه و«قواته الأمنية» مباشرة، بديلاً عن تعطيل دولاب العمل، وعلى التخويف من احتمالات الفوضى الشبيهة بما حدث في ليبيا وسوريا. ويتبنى تكتيكًا يقوم على وصف دعاة العصيان بالخونة والمخربين والعملاء، الذين يقودهم الحزب الشيوعي وأحزاب اليسار، وتساندهم دول أجنبية عدوة للنظام الإسلامي، ويحذر من مشاركة الحركات المسلحة في العصيان المدني، ومن قيامها بعمليات انتقامية حال سقوط نظام الحكم.
وتُسعِّر قوى المعارضة الشبابية والحزبية معركتها السلمية، وتقول إنها تمارس حقًا يكفله الدستور، وإن الأوضاع لن تصل إلى مرحلة ما تخوّف منه الحكومة، وإنهم لن ينساقوا لدعوات الخروج للشوارع للحيلولة دون تكرار «مذبحة سبتمبر»، وإنهم بالقوة الناعمة سيصلون إلى مرحلة العصيان المدني الشامل الذي يسقط نظام الحكم، وعصيان الاثنين لن يسقط النظام، لكنه يمثل خطوات واثقة في الاتجاه.
وترى المعارضة في بقاء حكم «الإنقاذ» مدعاة لتفكك البلاد وانهيار الدولة، وفي مشاركة الحركات المسلحة في العصيان المدني ودعمها له، كسبًا للعمل المدني، بدلاً من حصرها في زاوية العمل المسلح.
وتستخدم المعارضة «البوستر» والقصاصة والمخاطبات وحملات التوقيعات للتحشيد للعصيان، وتقيم دعايتها السياسية على النشر الكثيف لمعلومات الفساد، والفشل السياسي والمالي، والعزلة الدولية لنظام الحكم، وعلى الغلاء الفاحش وارتفاع كلفة الدواء والتعليم والخدمات كافة.
كلا الطرفين واثق بمقدرته على حسم الأمر لصالحه، ولكل منهما «أسلحته الفتاكة» وتكتيكاته.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.