مصادر فرنسية: إجهاض اتفاق الخروج من حلب هدفه منع خروج المقاتلين

باريس «قلقة» من تبعات سقوط حلب عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا

حافلة ركاب تنتظر مع سائقها في ملعب الحمدانية بحلب، امس، لحمل المدنيين والمقاتلين الراغبين في الخروج من شرق حلب (رويترز)
حافلة ركاب تنتظر مع سائقها في ملعب الحمدانية بحلب، امس، لحمل المدنيين والمقاتلين الراغبين في الخروج من شرق حلب (رويترز)
TT

مصادر فرنسية: إجهاض اتفاق الخروج من حلب هدفه منع خروج المقاتلين

حافلة ركاب تنتظر مع سائقها في ملعب الحمدانية بحلب، امس، لحمل المدنيين والمقاتلين الراغبين في الخروج من شرق حلب (رويترز)
حافلة ركاب تنتظر مع سائقها في ملعب الحمدانية بحلب، امس، لحمل المدنيين والمقاتلين الراغبين في الخروج من شرق حلب (رويترز)

مرة أخرى، توجه باريس سهام انتقاداتها للنظام السوري وحلفائه، وتحملهم مسؤولية انهيار الاتفاق الذي أبرم الثلاثاء بين تركيا وروسيا بمباركة أميركية، لخروج المقاتلين والمدنيين من الأحياء المتبقية تحت سيطرة المعارضة في حلب الشرقية.
وقالت مصادر فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن إجهاض الاتفاق عن طريق فرض شروط ومطالب لم يكن ينص عليها «واضح الأغراض»، وهو «تمكين قوات النظام والميليشيات الحليفة لها من السيطرة على أحياء حلب كافة بالقوة العسكرية، والحيلولة دون خروج المقاتلين إلى أي تنظيم انتموا» من هذه المدينة، و«تخييرهم بين الموت أو الاستسلام».
وكان الرئيس فرنسوا هولاند قد أشار، أول من أمس من برلين، إلى توجيه «إنذار إنساني» للنظام ولروسيا من أجل إتاحة المجال لخروج المدنيين الذين وصفهم بأنهم «رهائن النظام»، منبها بأن تجاهله سيستدعي «تبيان المسؤوليات». وأمس، عاد للمطالبة بتوفير خروج آمن «تحت إشراف مراقبين دوليين وبحضور المنظمات الإنسانية» ما يبين المخاوف الفرنسية «المبررة» من حصول مقتلة واسعة في صفوف المدنيين، وفق ما حذرت منه المصادر الفرنسية. وأوضح وزير الخارجية جان مارك إيرولت مطلب بلاده بالقول إن الغرض هو التأكد من أن إجلاء المدنيين أولوية و«كذلك ألا يتعرض المقاتلون للقتل» عند خروجهم. وتجاهل إيرولت الإشارة إلى «الإنذار الإنساني» الذي لم يأت عليه هولاند خلال انعقاد مجلس الدفاع، صباح أمس، كما أن قصر الإليزيه لم يوفر معلومات إضافية بشأنه وتبعاته.
ومن جهته، اكتفى الناطق باسم الحكومة، الوزير ستيفان لو فول، بعد اجتماع مجلس الوزراء أمس، بالقول إن فكرة الإنذار فرنسية - ألمانية، وإنه «لا حدود زمنية له» ممتنعا عن توضيح النتائج التي قد تترتب عليه، ما يعني عمليا أن التهديد المذكور يفتقر لـ«مضمون حقيقي».
وتكمن مشكلة باريس ومعها الأطراف الغربية، في أنها تحمل روسيا المسؤولية «الأساسية» عما وصل إليه الوضع في سوريا. لكنها في الوقت عينه تجد نفسها «عاجزة» اليوم عن إيجاد الوسائل والآليات التي تمكنها من الضغط على موسكو. وأشارت المصادر الفرنسية إلى واقعتين تبينان، بنظرها، هذا العجز: الأولى، هي «الاسترحام» الذي قدمه الوزير جون كيري لروسيا وللنظام السوري ودعوتهما للتعامل «بعطف» مع أحياء حلب الشرقية. والثانية، أن أطراف «النواة الصلبة» لم يبحثوا لا من قريب ولا من بعيد مسألة فرض عقوبات تجارية اقتصادية أو مالية، ولو رمزية، على موسكو. كذلك امتنع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عن طرحها على النقاش بحجة أنها ستثير «انقسامات» داخل الاتحاد.
لا تزال باريس تعتبر نفسها اليوم كما الأمس، أول داعم للمعارضة السورية، وهي الرسالة التي نقلها هولاند لرياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للتفاوض، الاثنين الماضي. ولذا، فإن فرنسا تعكف على تبيان انعكاسات ما يجري في حلب على واقع المعارضة عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا من زاوية السعي للتخفيف من آثارها وإيجاد وسائل تمكن من إيقاف المعارضة على قدميها. ورغم أن باريس تعتبر أن خسارة حلب «لا تعني نهاية الحرب»، فإن مصادرها تعتبر أن المعارضة «خسرت أهم ورقة كانت تراهن عليها داخليا وخارجيا» والتي كانت تمكنها من طرح نفسها «بديلا جديا للنظام»، ذلك أن ميزان القوى الذي مال لصالحه بسبب الدعم العسكري المكثف الذي يحظى به «ستكون له ترجمته على المستوى السياسي» بحيث إن النظام «لن يقدم غدا ما رفض تقديمه بالأمس من تنازلات، بمعنى القبول بعملية انتقال سياسية ذات صدقية» أي إقامة هيئة حكم انتقالية تتسلم السلطات التنفيذية. ولذا، فإن النظام ومن معه لن يقبلوا مستقبلا إلا بالصيغة التي طرحوها سابقا، والتي لا تتطابق بتاتا مع بيان جنيف أو القرار الدولي رقم 2254.
إضافة إلى ذلك، فإن باريس ترى أن العملية السياسية بكليتها يمكن أن «تختفي» نهائيا بعد العجز الذي تبدى في أداء مجلس الأمن ووصول وساطة المبعوث الدولي دي ميستورا إلى طريق مسدود. وترى باريس أن النظام وداعميه سيستخدمون «انتصارهم» في حلب رافعة لمحاولة السيطرة على منطقة إدلب و«تنظيف» الجيوب المتبقية للمقاومة في المناطق القريبة من دمشق، تاركين للتحالف الغربي مهمة التعامل مع «داعش»، «باستثناء تدمر»، وفق تقسيم للمهمات بين روسيا والولايات المتحدة. وتتخوف باريس من أن تفضي التحولات الميدانية إلى «تغير نظرة» الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة للمعارضة المسلحة «غير المتشددة»، ما يرتب على المعارضة مسؤوليات كبرى من أجل إعادة تنظيم صفوفها ورسم خطط سياسية وعسكرية جديدة لمواجهة الوضع المستجد. ولا تستبعد باريس أن تحدث انقسامات إضافية داخل صفوف المعارضة وتياراتها وتنظيماتها، فيما سيسعى النظام لإعادة تأهيل نفسه إقليميا ودوليا.
أما التخوف الفرنسي الآخر فمصدره واشنطن، والسياسة التي ستسير عليها الإدارة الجديدة. ورغم أن باريس تعتبر أن ما قيل أثناء الحملة الانتخابية لن يكون بالضرورة السياسة الأميركية الرسمية، فإن الدبلوماسية الفرنسية تنظر بكثير من القلق للخط الذي سيسير عليه دونالد ترامب في الملف السوري وتأثير تقاربه مع موسكو على المعارضة وعلى أشكال الحلول الممكنة. وإذا كانت باريس تعتبر أن حلب «انتصار لروسيا وبوتين»، فإنها بالمقابل تعتبرها رمزا لعجز الغربيين وقصورهم عن توفير دعم شبيه بالذي قدمته روسيا للأسد، وذلك قبل أن يدخل الطيران الروسي الأجواء السورية ويقلب الوضع العسكري رأسا على عقب.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.