مصادر دبلوماسية لـ «الشرق الأوسط»: باريس «تؤجل» المؤتمر الدولي

نتنياهو يجهض الجهود الفرنسية... وإسرائيل تنتظر كثيرًا من إدارة ترامب

مصادر دبلوماسية لـ «الشرق الأوسط»: باريس «تؤجل» المؤتمر الدولي
TT

مصادر دبلوماسية لـ «الشرق الأوسط»: باريس «تؤجل» المؤتمر الدولي

مصادر دبلوماسية لـ «الشرق الأوسط»: باريس «تؤجل» المؤتمر الدولي

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع في باريس، أن وزارة الخارجية الفرنسية، قررت «تأجيل» المؤتمر الدولي لإعادة تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط، الذي كان مفترضا عقده في 21 الحالي إلى العام المقبل. وحجة فرنسا أن «أجندة» الأطراف المعنية لا تسمح بجمع الوزراء الرئيسيين، في التاريخ المشار إليه، إن بسبب التزامات سابقة أو بسبب اقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة.
بيد أن السبب الرئيسي وراء «التأجيل»، بحسب المصادر عينها، مزدوج؛ ويتمثل في رفض إسرائيلي مطلق للمؤتمر من جهة، وبسبب «فتور» أميركي من جهة ثانية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أبلغ الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، صراحة، وبلغة فجة بعيدة كل البعد عن اللغة الدبلوماسية، خلال اتصال هاتفي جرى يوم 6 الحالي، أن حكومته ترفض المؤتمر، وأنه شخصيا: «مستعد للمجيء إلى باريس ولقاء أبو مازن (محمود عباس)، من أجل محادثات مباشرة ومن غير شروط مسبقة، إذا ألغي المؤتمر الدولي». وبذلك يكون نتنياهو قد أجهض المؤتمر ونسفه من الأساس، وقضى على رغبة فرنسا في دعوة نحو خمسين وزير خارجية ومنظمات إقليمية ودولية، وإعادة وضع الملف الفلسطيني - الإسرائيلي على جدول الاهتمامات الدولية، ومنع وأد حل الدولتين الذي تسعى إليه إسرائيل.
أما العامل الآخر، الذي دفع الدبلوماسية الفرنسية لـ«تأجيل» المؤتمر، فهو الفتور الذي أبداه الوزير الأميركي جون كيري، الذي أمضى يومي الجمعة والسبت الماضيين، في العاصمة الفرنسية، للمشاركة في اجتماع «النواة الصلبة» للدول الداعمة للمعارضة السورية، ولتلقي وسام جوقة الشرف من نظيره جان مارك إيرولت. وعلمت «الشرق الأوسط»، أن كيري «لم يشجع» الطرف الفرنسي على السير في مبادرته، خصوصا أن إدارة الرئيس أوباما، تتأهب للمغادرة، فيما لم تتسلم الإدارة الجديدة مقاليد السلطة.
وثمة قناعة مترسخة في الوسط الدبلوماسي في باريس، أن المؤتمر «لن يعقد لا قبل نهاية العام ولا في الأشهر الأولى من العام المقبل». فالأنظار في فرنسا، ستكون مركزة على الحملة الرئاسية، وعلى الانتخابات التي ستجري نهاية أبريل (نيسان) وبداية مايو (أيار)، وبالتالي فإن مهمة الحكومة الراهنة، التي يرأسها برنار كازنوف، ستنحصر في «تصريف الأعمال»، بانتظار وصول رئيس جديد إلى قصر الإليزيه. وبما أن الرئيس أوباما، كما يبدو من فتور وزير خارجيته إزاء المبادرة الفرنسية، غير راغب في فتح معركة جديدة مع نتنياهو في الأيام الأخيرة من ولايته، فإنه لن يستعيد تجربة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي حاول، في الأسابيع الأخيرة لرئاسته، دفع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، إلى التوصل إلى اتفاق سلام. وليس سرا أن نتنياهو الذي شاب التوتر علاقاته مع أوباما، يراهن على الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ويعتقد أنه أكثر ميلا لإسرائيل. لا بل إنه مستعد لـ«غض النظر» عن الاستيطان، ويريد أن ينقل السفارة الأميركية إلى القدس، وبالتالي فإن «مصلحته» تدفعه إلى الانتظار.
حقيقة الأمر، فرنسيا، أن باريس التي يتخوف مسؤولوها من دفن مشروع الدولتين، بسبب استفحال الاستيطان، ما تزال الأكثر اهتماما بالملف الفلسطيني، من بين بلدان الاتحاد الأوروبي كافة. وكان المشروع الفرنسي يقوم أساسا، على الدعوة إلى اجتماعين: الأول، من دون حضور الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا ما حصل في يونيو (حزيران) الماضي في باريس، أما الثاني (وهو الأساس)، فهو كناية عن مؤتمر دولي موسع بحضور الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن، وبلدان الاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، والمؤتمر الإسلامي، والطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. لكن رفض نتنياهو، دفع باريس «لاستنباط» حل دبلوماسي، يقوم على دعوة أبو مازن ونتنياهو للاجتماع على هامش المؤتمر، في قصر الإليزيه، ليقوم الرئيس هولاند بتسليمهم توصيات أو قرارات المؤتمر الوزاري. لكن الثاني، قضى على الآمال الفرنسية بمطالبته التخلي عن فكرة المؤتمر جذريا، مقابل مجيئه إلى باريس. أما الموقف الفلسطيني، فكان دائم الدعم للمشروع الفرنسي، وهذا ما أعلنه، مرارا، الرئيس محمود عباس، ووزير الخارجية رياض المالكي.
ليست المرة الأولى التي تضع فيها إسرائيل العصي في دواليب الدبلوماسية الفرنسية والأوروبية، لأنها تريد حصر التواصل عبر الوسيط الأميركي، لكن باريس ترى أن الوساطة الأميركية بلغت حدودها القصوى، ولم تفض إلى نتيجة جدية، والدليل على ذلك، توقفها منذ ربيع عام 2014؛ لذا أرادت فرنسا تغيير «المنهج» وإعادة إحياء مبادرة السلام العربية، ودفع أوروبا للانخراط في العملية السياسية، بحيث لا تبقى فقط الطرف الممول، أو الذي يقدم امتيازات تجارية وتقنية لإسرائيل، أو الداعم للميزانية الفلسطينية دائمة العجز. لكن مرة أخرى، وجدت نفسها في مواجهة «الحائط» الإسرائيلي. وترى مصادر فرنسية أن إسرائيل «تستفيد» من حال الأوضاع العربية، ومن تردد الأوروبيين وانقساماتهم، وخصوصا من امتناع واشنطن عن الالتزام، فعلا، بعملية سياسية، واستخدام الوسائل والآليات التي تمكنها من دفع إسرائيل إلى قبول حل يقبله الفلسطينيون ومعهم العرب. وفي انتظار أن تتحقق هذه الشروط الصعبة، تتخوف باريس من أن يندلع العنف مجددا، إما على نطاق واسع أو على شكل حروب، كما الحروب الثلاث الأخيرة في غزة، أو على شكل انتفاضات جديدة في باقي الأراضي الفلسطينية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.