«يا نجيب حقهم يا نموت زيهم».. كانت عبارة أطلقها شاب مسيحي ثلاثيني، لتتعالى بعدها صيحات المئات الذين تظاهروا أمام مقر الكاتدرائية المرقسية بضاحية العباسية بوسط القاهرة؛ تنديدا بالحادث الدموي الذي وقع أمس داخل الكنيسة البطرسية.
على الجانب الآخر في الرصيف المقابل لمقر الكاتدرائية، وقف توني سمير (25 عاما) وهو يرفع حذاءه عاليا، ويطالب السلطات المصرية بحق من ماتوا داخل الكنيسة البطرسية، لترتفع بجواره الأصوات والحناجر، التي رفعت ووجوهها للسماء، وهم يقولون «يا رب.. انتقم لنا».
وما بين توقف حركة المواصلات في شارع رمسيس الشهير أمام المقر البابوي الرئيسي للمسيحيين، وخروج الكثير من الأقباط من منازلهم للشارع أمام مقر الكاتدرائية، اصطفت جموع غاضبة من المسيحيين، وتعالت الهتافات الرافضة للإرهاب ولإجراءات الدولة المصرية في تأمين الكنائس، مطالبين بإقالة وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، والتحقيق في القصور الأمني الذي تسبب في وقوع الانفجار.
وحي العباسية من الأحياء الشهيرة لقربه من عدد من الوزارات الخدمية ومقر جامعة عين شمس ومقر وزارة الدفاع.. ومنطقة العباسية تعد من أهم التجمعات السكنية للأقباط بعد منطقة شبرا؛ حيث يفضل الأقباط السكن حول مقدساتهم الروحية.
حال الشابين المسيحيين اللذين قادا المظاهرات لخص المشهد في العباسية أمس، بعدما قدم الكثير من الشباب القبطي من أنحاء العاصمة إلى المقر البابوي لتسجيل اعتراضهم على الحادث.
وبجوار الشابين وقفت الثلاثينية ماريان خير وهي تبكي وتصرخ ناعية إحدى قريبتها التي لقيت مصرعها في الحادث، وتقول «كيف يحدث هذا ويقتل المسيحيون داخل الكنسية؟»، مؤكدة أن «كل من كان في الكنيسة سيدات وأطفال صغار، واعتدن الذهاب للصلاة كل يوم أحد؛ لكن اليوم (أمس) كانت الأعداد كبيرة؛ كونه عطلة رسمية في البلاد بسبب الاحتفال بالمولد النبوي»، لافتة إلى أن «ما حدث يؤكد أنه لم يتم تفتيش من دخل إلى الكنيسة أمس، خصوصا أن هناك أمنا داخليا للكنيسة وأمنا من الشرطة، وأنه في الأيام العادية يتم تفتيشنا بدقة». ماريان رجحت أن سيدة هي من وراء التفجير، وقالت: «الانفجار وقع بين مقاعد النساء في الكنيسة».
ماريان توقفت عن الحديث وهرولت باتجاه مستشفى الدمرداش المجاورة لمقر الكاتدرائية، الذي استقبلت عددا من المصابين، تزامن ذلك مع إطلاق سيارات الإسعاف التي اصطفت على جانبي الطريق بجوار سيارات المطافئ، نداءات عبر مكبرات الصوت، تحث بضرورة التبرع بالدماء في مستشفتي الدمرداش ودار الشفاء.
محمد توفيق، أحد سكان حي العباسية، اصطحب أصدقاءه الذين يسكون في الشارع المجاور لمستشفى دار الشفاء، وتبرعوا بدمائهم للمصابين فيما كان يجري اتصالات هاتفية لحث آخرين على التوجه إلى مستشفيات أخرى لسد حاجاتهم من الدماء التي يحتاج إليها المصابون.
محمد حرص على الوقوف بجوار الأقباط المتظاهرين ليعلن رفضه الإرهاب واستهداف الأبرياء، قال لـ«الشرق الأوسط» «إننا نعيش في العباسية منذ سنوات ولا فرق بين المسلمين والمسيحيين.. لن ينجح أحد في التفريق بيننا».
المتظاهرون الذين وقفوا بين كردون أمني أعدته قوات الشرطة من كل اتجاه، هتفوا «الشعب يريد إعدام الإخوان»، و«مسلمين مسيحيين.. للإرهاب رافضين رافضين»، و«يا قبطي حقك عليا.. دمك والله غالي عليا»، و«مسلم ومسيحي إيد واحدة».
مشهد آخر رصدته «الشرق الأوسط» خلال جولتها في العباسية، وهي أصوات مكبرات صوت المساجد، التي دعت إلى ضرورة الذهاب للتبرع بالدماء للمصابين، وتقول الأربعينية ريم أحمد عقب صلاتها العصر في المسجد، أنا «ذاهبة للتبرع بدمي.. هذا أقل واجب أقدمه لأخواتنا المسيحيات»، لافتة إلى أن «أغلب الوفيات من الجيران في المنطقة»، معلنة إنها ستقيم عزاء في منزلها لجيرانها من الأقباط». تزامن ذلك مع مسيرة من علماء الأزهر طافت الشارع أمام الكاتدرائية، رافعين لافتات تندد بالإرهاب.
غضب المتظاهرين المسيحيين أدى إلى قيامهم بالاعتداء على ثلاثة من الإعلاميين المصريين المشهورين والمعروفين بأنهم موالون للسلطة، وهم لميس الحديدي وأحمد موسى وريهام سعيد، عقب زيارتهم مقر الحادث. غير أن أفراد الشرطة تمكنت من تخليص هؤلاء الإعلاميين من أيدي الشباب الغاضب، الذين اعتدوا عليهم بالضرب والسباب، مع الإشارة إلى التزام قوات الشرطة طوال الوقت بضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين؛ حتى لا يزيد غضبهم.
ونفى عدد من المتظاهرين أمام الكاتدرائية عزمهم الدخول في اعتصام أمام المقر البابوي. وقالوا إنهم فقط يريدون الاطمئنان على المصابين، فضلا عن توجيه رسالة لرفضهم ما حدث، ولنقل دعمهم وتقديم مواساتهم للبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، الذي قطع زيارته لليونان، وقرر العودة لمصر أمس.
داخل الكنيسة التي شهدت الحادث المشهد كان مختلفا، حيث سمح بالدخول مع بداية الانفجار فقط قبل أن تغلق الأبواب مع وصول محققي النيابة العامة. فقد انتشرت الفوضى ومشاهد الدماء في صحن الكنيسة وعلى الجدران، فضلا عن راحة الدماء التي انتشرت في الجو.
وجوه رجال الدين المسيحي كانت حزينة، وغير مصدقة ما حدث، فالسيدات والأطفال جاءوا للكنيسة للصلاة والحصول على التبريكات، أحد القسيسين بكى، وهو يحمل في يده حذاء لطفلة صغيرة، ويقول «هذا ما بقي منها، راحت الصغيرة وهي لا تعرف معنى الحياة، لتفارقها بلا ذنب».
أحد شباب الكنيسة قال «دم ولحم الضحايا طار علينا ونحن خارج قاعة الصلاة، والقاعة كانت مليئة بالمصلين، خاصة النساء، لذلك عدد من ماتوا كثير جدا». الكنيسة مع غياب الشمس وحلول الليل خيم عليها الحزن والصمت، واكتست بالسواد، ولم يعد يتبقى من المشهد، سوى بعض الأجزاء التي تهدمت من الجدران وباقي ملابس الموتى.. وفي الخارج متظاهرون غاضبون على وجوههم علامات الحزن والألم، والدموع لا تفارقهم.
الغضب المسيحي يشتعل في «العباسية» والهتافات تعلو ضد الحكومة
شهود: أشلاء الضحايا تناثرت أمامنا.. وإعلاميون موالون للسلطة تعرضوا للاعتداء
الغضب المسيحي يشتعل في «العباسية» والهتافات تعلو ضد الحكومة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة