اقتصاد أوروبا يمتص «صدمة إيطاليا» بهدوء

اليورو «على المنحدر الخطر».. و«البنوك» الأكثر تهديدًا

اقتصاد أوروبا يمتص «صدمة إيطاليا» بهدوء
TT

اقتصاد أوروبا يمتص «صدمة إيطاليا» بهدوء

اقتصاد أوروبا يمتص «صدمة إيطاليا» بهدوء

في هدوء كبير، مخالف للصورة التي بدت عليها الأسواق العالمية عقب صدمات على غرار الانفصال البريطاني (البريكست) أو انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، امتصت أغلب الأسواق الاقتصادية الصدمة السياسية التي تسبب فيها رفض الإيطاليين للتعديلات التشريعية التي اقترحها رئيس وزرائهم ماثيو رينزي، والتي أعلنت نتائجها في الساعات الأولى من صباح أمس. وبينما كانت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) أبرز الخاسرين بهبوط تاريخي في قيمتها مقابل سلة العملات، رجحت كفة المكاسب على الأسهم الأوروبية بقيادة من قطاعي الصحة والتعدين.. فيما يبقى الخوف على المدى الطويل متصلا بقطاع البنوك، خاصة أن البنوك الإيطالية تعاني من أزمة حادة تهدد مستقبل عدد من أبرز أفرعها، وكان الأمل يكمن في «خطة إنقاذ» تبناها ودعمها رينزي إلى حد بعيد؛ لكن بعد رحيله مستقيلا، أمس، أصبح مستقبل تلك البنوك في خطر كبير، وربما تكتب نهاية بعضها.
وعن أسباب «البرود النسبي» الذي استقبلت به الأسواق أمس نتائج الاستفتاء الإيطالي، يشير عدد من المحللين الاقتصاديين لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأسواق تعلمت الدروس السابقة؛ من صدمتي البريكست وفوز ترامب»، بل إن بعض الخبراء يذهب إلى أن «عمالقة الأسواق» وجانبا كبيرا من المتعاملين «المتمرسين» بالأسهم توقعوا النتائج بدقة كبيرة هذه المرة، على عكس ما بدت كنتائج مباغتة في المرتين السابقتين، ما جعل الأسواق الأوروبية تميل إلى الأرباح وليس الخسارة.
ويشير هؤلاء إلى أن التوقعات كانت تميل إلى فوز «لا» مسبقا، ما يعني أن الأمر ليس «مفاجأة» بقدر كونه «صدمة غير مرغوبة التبعات؛ سياسيا واقتصاديا».. ويتماشى مع ذلك تعليق فابيو فويس، الخبير الاقتصادي لدى باركليز في لندن، لوكالة «بلومبرغ» الإخبارية بقوله: «إذا رفض الإيطاليون الاستفتاء، فهذا لن يكون نهاية العالم». فيما علق وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله على نتائج الاستفتاء الإيطالية، مقللا من خطورة آثارها على منطقة اليورو، بقوله أمس: «لا مجال للحديث عن أزمة في منطقة اليورو»، واصفا ردود الأفعال في الأسواق بأنها هادئة.
* آسيا تتأثر «كالعادة»
كما يرى الخبراء أن الأسواق الآسيوية الشرقية كانت الأكثر تراجعا أمس بشكل نسبي، ويردون ذلك إلى «فارق التوقيت»، الذي يجعل هذه الأسواق دائما في مقدمة مستقبلي الأخبار ونتائج الاستفتاءات والانتخابات، و«تتلقى الموجة الأولى من الضغوط السلبية في أوقات العمل»، ما يتسبب في تذبذب والتأثر الأكبر من الأسواق الغربية، التي تبدأ تعاملاتها في «اليوم التالي» بعد وضوح أكثر للرؤية.
وبالفعل أغلقت مؤشرات شرق آسيا على انخفاض، حيث هبط مؤشر «نيكي القياسي»، مما أتاح للمستثمرين فرصة للبيع في السوق التي ارتفعت لأعلى مستوى في 11 عاما في أواخر الأسبوع الماضي.
وخسرت بورصة طوكيو عند الإغلاق 0.82 في المائة، كما انخفضت بورصتا سيول وسيدني بنسب 0.2، و0.94 في المائة على التوالي. وأغلقت بورصات الصين على انخفاض أيضا، كما خسر مؤشر سوق هونغ كونغ 0.26 في المائة، وشينزن 0.78 في المائة، وشنغهاي 1.21 في المائة.
* أوروبا تتجاهل «أوجاع» إيطاليا
أما في أوروبا، فرغم أن أغلب الأسواق فتحت أمس على انخفاض، فإنها أظهرت تحسنا كبيرا ومكاسب مع انتصاف اليوم، ربما باستثناء إيطاليا بطبيعة الحال، التي تشعر بالاضطراب أكثر من غيرها.
وفتحت بورصة ميلانو على تراجع نسبته 1.25 في المائة، بينما سجلت أسهم المصارف انخفاضا كبيرا بلغ 6.26 في المائة «لبانكو بوبولاري»، و5.81 في المائة لكل من «بانكو بوبولاري دي ميلانو»، و«أونيكريديت»، بينما انخفضت أسهم «مونتي دي باسكا دي سيينا» (بي إم بي إس) بنسبة 5.18 في المائة.
* بنوك إيطاليا تخشى «المجهول»
ويعد البنك الأخير «بي إم بي إس»، وهو ثالث أكبر البنوك الإيطالية، الأكثر تهديدا وقلقا في إيطاليا وسط مشكلات واسعة تتصل برسلمة المصارف وحجم الديون المشكوك فيها في محافظها، وكذلك نقص تعزيز القطاع الذي يشمل 700 مؤسسة في إيطاليا.
وتشير «فايننشيال تايمز» البريطانية إلى أن «المخاوف الحالية والفعلية تتعلق بالقطاع المصرفي الإيطالي، إذ إن نتيجة الاستفتاء تثير التساؤلات حول قدرة بنك «بي إم بي إس»، وهو ثالث أكبر بنك في إيطاليا وأكثرها تعثرًا، على إتمام زيادة رأسماله بقيمة 5 مليارات يورو بنجاح.. وهي الزيادة التي كان من المخطط أن تتم عقب الاستفتاء».
ومع التوقعات المتزايدة بتشكيل «حكومة انتقالية» عقب استقالة رينزي، فإن فرص هذه الحكومة ستكون محدودة ويدها مغلولة إلى حد بعيد لتفعيل خطة إنقاذ البنوك التي سبق وأن تبناها رئيس الوزراء المستقيل.. ما يفتح الباب واسعا أمام احتمالات غير مبشرة لقطاع البنوك الإيطالي، بل وربما على مستوى أكبر عالميا.
ورغم ذلك، استبعد رئيس مجموعة اليورو يروين ديسلبلوم حدوث تأثيرات اقتصادية مباشرة على إيطاليا بعد الاستفتاء، في وجهة نظر «متفائلة». وقال أمس خلال اجتماع لوزراء مالية منطقة اليورو في بروكسل: «هذه عملية ديمقراطية ولن تؤثر على الوضع الاقتصادي، أو حتى وضع البنوك.. المشكلات التي لدينا اليوم هي نفس مشكلات الأمس، ويتعين علينا حلها».
* «اليورو» يواجه المجهول
أما الأداء الأكثر سوءا أمس، فقد كان من نصيب العملة الأوروبية الموحدة (اليورو). وانخفض اليورو أمس بما يصل إلى 1.4 في المائة، ليصل إلى 1.05 دولار فقط، وهو أدنى معدل في 20 شهرا، حين بلغت العملة الأوروبية انخفاضا قياسيا سجل في مارس (آذار) 2015 عند مستوى 1.045 دولار، ثم ارتفعت بعدها بدعم من اقتصاد أظهر قوة تماسك ومقاومة في وجه عوامل الركود العالمي وأخرى جيوسياسية.
ويرى اقتصاديون أن «المنحدر» أصبح مفتوحا أمام اليورو لمزيد من الهبوط، وتبلغ ذروة التشاؤم لدى بعضهم مرحلة أن اليورو قد يعود إلى سيناريو «من الماضي» ليتعادل سعريا مع الدولار، وهو أمر غير مستبعد إذا استمرت أوروبا في أزماتها المتوالية. كما انخفض اليورو مقابل الين الياباني بنسبة تفوق واحدا في المائة، حيث وصل إلى مستوى سعري 118.7 ين صباح أمس، قبل أن يحسن قليلا من وضعه ويستقر ظهرا عند مستوى 119.7 ين. وفي مقابل الجنيه الإسترليني، هبط اليورو بنسبة نحو 0.7 في المائة، مسجلا أدنى مستوى له منذ يوليو (تموز) الماضي.
ويقول محللون لـ«الشرق الأوسط» إن ما يدعم اليورو «قليلا» أمام الإسترليني «تحديدا» هو التوتر البريطاني الداخلي والخارجي فيما يخص قضية انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، والتي تشهد اشتباكا واسعا بين مختلف الأطراف البريطانية مع عدم وضوح الرؤية أمام المواطنين. وهو ما من شأنه أن يدعم اليورو من طرف المواطنين في بريطانيا تحسبا لهزة اقتصادية؛ كعملة «أكثر أمانا» و«قبولا» كونها سهلة التصريف في الحياة اليومية داخل بلادهم أكثر من عملات مثل الين أو الدولار.
وعلى صعيد متصل، فقد الذهب أكثر من واحد في المائة أمس متأثرا بارتفاع الدولار مقابل اليورو وصعود الأسهم الأوروبية، مع تجاهل مستثمرين المخاوف إزاء عدم الاستقرار السياسي في إيطاليا.
وأشارت «رويترز» إلى أن الذهب نزل في المعاملات الفورية ما يصل إلى 1.2 في المائة لأقل مستوى خلال الجلسة عند 1162.35 دولار للأوقية (الأونصة)، مقتربا من أقل مستوى في عشرة أشهر عند 1160.38 دولار الذي سجله الأسبوع الماضي، فيما سجل عند الساعة 11 بتوقيت غرينتش هبوطا بنسبة 0.9 في المائة، ليتحسن قليلا إلى مستوى 1167.47 دولار للأوقية. وفقد الذهب في التعاملات الآجلة في الولايات المتحدة 10.90 دولار، ليصل إلى 1167.70 دولار.
واقتداء بخسائر الذهب، انخفضت الفضة واحدا في المائة إلى 16.58 دولار للأوقية، بعد أن سجلت أعلى مستوى فيما يزيد على أسبوعين في وقت سابق من الجلسة. كما هبط البلاتين بنسبة 0.4 في المائة إلى 924.50 دولار للأوقية، وفقد البلاديوم 0.6 في المائة ليصل إلى 728.90 دولار.



إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
TT

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي، المهندس صالح الجاسر، عن تحقيق الموانئ تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» لعام 2024، إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن.

كما كشف عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

جاء حديث المهندس الجاسر خلال افتتاح النسخة السادسة من «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»، في الرياض، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجيستية، ويأتي ضمن مساعي البلاد لتعزيز موقعها مركزاً لوجيستياً عالمياً.

وقال الوزير السعودي، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إن «كبرى الشركات العالمية تواصل إقبالها على الاستثمار في القطاع اللوجيستي؛ من القطاع الخاص المحلي والدولي، لإنشاء عدد من المناطق اللوجيستية».

يستضيف المؤتمر، الذي يقام يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدداً من الخبراء العالميين والمختصين، بهدف طرح التجارب حول أفضل الطرق وأحدث الممارسات لتحسين أداء سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها. كما استُحدثت منصة تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع من خلال الفرص التدريبية والتطويرية.

وأبان الجاسر أن منظومة النقل والخدمات اللوجيستية «ستواصل السعي الحثيث والعمل للوصول بعدد المناطق اللوجيستية في السعودية إلى 59 منطقة بحلول 2030، من أصل 22 منطقة قائمة حالياً، لتعزيز القدرة التنافسية للمملكة ودعم الحركة التجارية».

وتحقيقاً لتكامل أنماط النقل ورفع كفاءة العمليات اللوجيستية، أفصح الجاسر عن «نجاح تطبيق أولى مراحل الربط اللوجيستي بين الموانئ والمطارات والسكك الحديدية بآليات وبروتوكولات عمل متناغمة؛ لتحقيق انسيابية حركة البضائع بحراً وجواً وبراً، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ودعم العمليات والخدمات اللوجيستية وترسيخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً».

وخلال جلسة بعنوان «دور الازدهار اللوجيستي في تعزيز أعمال سلاسل الإمداد بالمملكة وتحقيق التنافسية العالمية وفق (رؤية 2030)»، أضاف الجاسر أن «الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)» تعمل على تنفيذ ازدواج وتوسعة لـ«قطار الشمال» بما يتجاوز 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، وذلك مواكبةً للتوسعات المستقبلية في مجال التعدين بالسعودية.

إعادة التصدير

من جهته، أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أن السعودية سجلت في العام الحالي صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير، بنمو قدره 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، «وهو ما تحقق بفضل البنية التحتية القوية والتكامل بين الجهات المعنية التي أسهمت في تقديم خدمات عالية الكفاءة».

وأشار، خلال مشاركته في جلسة حوارية، إلى أن شركة «معادن» صدّرت ما قيمته 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) من منتجاتها، «وتحتل السعودية حالياً المركز الرابع عالمياً في صادرات الأسمدة، مع خطط لتحقيق المركز الأول في المستقبل».

جلسة حوارية تضم وزير النقل المهندس صالح الجاسر ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف (الشرق الأوسط)

وبين الخريف أن البلاد «تتمتع بسوق محلية قوية، إلى جانب تعزيز الشركات العالمية استثماراتها في السعودية، والقوة الشرائية الممتازة في منطقة الخليج»، مما يرفع معدلات التنمية، مبيناً أن «قوة السعودية في المشاركة الفاعلة بسلاسل الإمداد تأتي بفضل الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وسلاسل الإمداد تساهم في خفض التكاليف على المصنعين والمستثمرين، مما يعزز التنافسية المحلية».

وفي كلمة له، أفاد نائب رئيس «أرامكو السعودية» للمشتريات وإدارة سلاسل الإمداد، المهندس سليمان الربيعان، بأن برنامج «اكتفاء»، الذي يهدف إلى تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في البلاد، «أسهم في بناء قاعدة تضم أكثر من 3 آلاف مورد ومقدم خدمات محلية، وبناء سلاسل إمداد قوية داخل البلاد؛ الأمر الذي يمكّن الشركة في الاستمرار في إمداد الطاقة بموثوقية خلال الأزمات والاضطرابات في الأسواق العالمية».

توقيع 86 اتفاقية

إلى ذلك، شهد «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية» في يومه الأول توقيع 86 اتفاقية؛ بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد، كما يضم معرضاً مصاحباً لـ65 شركة دولية ومحلية، بالإضافة إلى 8 ورشات عمل تخصصية.

جولة لوزيرَي النقل والخدمات اللوجيستية والصناعة والثروة المعدنية في المعرض المصاحب للمؤتمر (الشرق الأوسط)

وتسعى السعودية إلى لعب دور فاعل على المستوى العالمي في قطاع الخدمات اللوجيستية وسلاسل التوريد، حيث عملت على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية والإنجازات التشغيلية خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تقدمها 17 مرتبة على (المؤشر اللوجيستي العالمي) الصادر عن (البنك الدولي)، وساعد على زيادة استثمارات كبرى الشركات العالمية في الموانئ السعودية».