تلقت قوات المعارضة السورية في مدينة حلب، أمس، مبادرة من «الهلال الأحمر السوري»، تتضمن تحييد ثلاث مناطق في الأحياء الشرقية عن القصف «ستكون بمثابة نقطة تجميع لقوات المعارضة في المدينة، استعدادا لإخراجها من الأحياء الشرقية باتجاه إدلب»، بموازاة استمرار النظام وحلفائه في أعنف حملة قصف وهجمات تستهدف تلك الأحياء، سعيًا لإخراج المعارضة منها «قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة» في يناير (كانون الثاني) المقبل.
وتواكبت التطورات في حلب، التي خلفت أزمة إنسانية بالغة، مع تسليم أممي بالأمر الواقع، عبر عنه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، بالقول إنه لا يستطيع تحديد مدة صمود شرق مدينة حلب السورية مع استمرار القتال المستعر هناك. وقال دي ميستورا، أمام البرلمان الأوروبي، في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية وتعمل قوات النظام والقوات الموالية لها حاليا على اقتحامها: «بوضوح لا يمكنني أن أنكر.. هذا تصعيد عسكري ولا يمكنني أن أحدد لكم إلى متى سيظل شرق حلب باقيًا».
ويشير سير المعارك في حلب إلى أن النظام وحلفاءه عازمون على المضي بحملة التصعيد العسكري للسيطرة على كامل الأحياء الشرقية المحاصرة التي «باتت تفتقد، حتى، مياه الشرب»، بحسب ما قال القيادي العسكري المعارض في قطاع حلب، محمد الشامي لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدًا أن المقاتلين «لا يستطيعون الصمود أمام موجة قصف غير مسبوق»، موضحًا أن «راجمات الصواريخ لا تتوقف عن القصف، وتطلق في كل عملية قصف مائتي صاروخ دفعة واحدة، يليها قصف بالبراميل المتفجرة وغارات جوية تنفذها طائرات الميغ السورية وطائرات روسية تلقي بصواريخ محمولة في مظلات».
وقال الشامي: «في ظل هذا الضغط العسكري، تلقت قوات المعارضة مبادرة من الهلال الأحمر السوري، تقترح نقل المبادرة إلى النظام في حال الموافقة عليها من قبل المعارضة، تفيد بتحييد ثلاث مناطق عن القصف النظامي، يمكن أن تكون بستان القصر، والكلاسة، والمشهد أو منطقة سيف الدولة، وهي خطوط جبهة مفتوحة مع النظام في جنوب غربي الأحياء الشرقية المحاذية لمنطقة الراموسة، استعدادا لنقل المقاتلين المعارضين الذين لا يريدون التخلي عن أسلحتهم، بأسلحتهم الفردية والمتوسطة إلى ريف إدلب في وقت لاحق». وإذ أشار إلى أن قوات المعارضة لم تجب على المبادرة ولم تحدد موقفها منها بعد، قال إن المبادرة «سرية، يتذرع الهلال الأحمر فيها بأن تكون مخرجًا لتجنب مزيد من سفك الدماء في المدينة، ويعرض انتقالاً آمنًا للمقاتلين»، مشيرًا إلى أن وساطة «الهلال الأحمر» تمت عبر المجموعة نفسها التي أدخلت المساعدات إلى كفريا والفوعة أول من أمس. وأكد الشامي أن «المعارضين سيحددون خياراتهم ويختارون الحل الأمثل خلال هذا الأسبوع».
وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن أعداد المقاتلين المعارضين في أحياء حلب الشرقية، وحاملي السلاح ضمن الشرطة المحلية، يقدرون بنحو 14 ألف مقاتل، و«هو رقم كبير قد لا تستطيع إدلب تحمله، خصوصا أنها تكتظ بالمقاتلين المعارضين».
وتشير المبادرة إلى أن النظام يجبر المعارضين، تحت الضغط العسكري، للخروج من أحياء حلب الشرقية، في وقت يواصل النظام هجماته وتوغله في الأحياء بعد أيام على تقدمه وتقدم القوات الكردية في ثلثي الأحياء الشرقية المحاصرة.
وقال مسؤول كبير في التحالف العسكري الذي يقاتل دعما للنظام، إن قوات النظام وحلفاءها يهدفون لانتزاع السيطرة على شرق حلب بالكامل من أيدي المعارضة قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة في يناير المقبل، ملتزمين بجدول زمني تؤيده روسيا للعملية بعد تحقيق مكاسب كبيرة في الأيام الماضية.
غير أن المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أشار إلى أن المرحلة التالية من حملة حلب قد تكون أشد صعوبة مع سعي النظام وحلفائه للسيطرة على مناطق أكثر كثافة سكانية بالمدينة.
ويحمل التصريح الأخير إشارات إلى استعجال النظام «الحسم» في حلب، قبل وصول ترامب إلى سدة الرئاسة. وقال عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض، هشام مروة، إن الحل العسكري الذي يتبعه النظام وروسيا في حلب «لن يخفت صوت الثورة، ولا ينهي العنف». وأضاف مروة لـ«الشرق الأوسط» أن الإدارة الجمهورية الجديدة «سرعان ما ستكتشف أن الروس ليسوا شركاء في محاربة الإرهاب وإرساء السلام، وهو ما يدفع موسكو للاستعجال في الحسم العسكري»، مشددًا على أن روسيا «تركز على ضرب المعارضة المعتدلة وليس (داعش)، وهو ما سيؤكد للأميركيين أن القضية مرتبطة بتمكين الأسد، وتوظيف التطورات السورية ضمن قضايا استراتيجية يستفيد منها الروس في قضايا استراتيجية تهمها على مستوى أوكرانيا أو الدرع الصاروخي أو العقوبات الاقتصادية عليها».
وقال مروة: «رسالة الخارجية الأميركية قبل يومين عن موضوع تحميل روسيا مسؤولية الجرائم بسوريا، لا يعكس توافقا بين الإدارة الأميركية وروسيا حول حلب»، في إشارة إلى تحميل الولايات المتحدة خلال الموجز الصحافي للمتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، أول من أمس، روسيا «المسؤولية القصوى» عما يرتكبه النظام ضد المدنيين السوريين في مختلف أنحاء البلاد. ولفت مروة إلى أن هناك «أزمة دولية حول حلب، ورفضا من جميع أصدقاء الشعب السوري اقتحامها لكونه كسرًا نفسيًا لقوى الثورة والمعارضة بسوريا».
وفي زحام المواقف الدولية المنددة، يتواصل القصف في حلب، حيث أعلن «الائتلاف الوطني السوري» أن طائرات النظام «ارتكبت مجزرة مروعة بحق سكان حي (باب النيرب) في حلب راح ضحيتها 25 شهيدًا معظمهم من النساء والأطفال، وذلك أثناء نزوحهم خوفًا من القصف الوحشي المستمر على المدينة منذ نحو 14 يوما».
وقال الدفاع المدني السوري إن الطيران الحربي التابع للنظام استهدف سكان الحي عند توجههم سيرًا على الأقدام باتجاه مناطق سيطرة النظام في حلب الغربية. وأدان الائتلاف الوطني الجريمة، محملا المجتمع الدولي، الذي يكتفي بالصمت دون القيام بما من شأنه إنقاذ الأبرياء، المسؤولية إزاء التقصير في حماية المدنيين وعدم وقف العدوان.
من جهتها، قالت روسيا إن تقدم قوات النظام في حلب «غير بدرجة كبيرة الوضع على الأرض ومكن أكثر من 80 ألف مدني من الوصول إلى المساعدات الإنسانية بعد استخدام المتشددين لهم على مدى سنوات دروعا بشرية».
وقال الميجور جنرال إيجور كوناشنيكوف، المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية في بيان: «تمكن الجنود السوريون من تغيير الوضع بشكل كبير خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة وذلك بفضل العمليات المخططة بشكل جيد جدا وبتأن». وأضاف: «بشكل عملي حُررت تماما نصف الأراضي التي احتلها مقاتلو المعارضة في السنوات الأخيرة في الجزء الشرقي من حلب».
وتركزت الاشتباكات العنيفة بين الطرفين، أمس، في حييي طريق الباب والشعار الملاصقين لحيي جبل بدرو والصاخور الاستراتيجي، اللذين خسرتهما الفصائل، الاثنين، بينما يبدو النظام عازمًا على البدء «بالمرحلة الثانية من عمليته العسكرية الهادفة إلى تحرير الأحياء الشرقية من حلب باقتحام الأحياء الجنوبية منها». وفي سيطرة النظام على حي طريق الباب، يغدو بمقدوره الوصول إلى حي الشعار، أحد أبرز معاقل المعارضة أيضًا.
* الأمم المتحدة: 6 آلاف مدني يفرون نحو مناطق أخرى
وانعكست تلك التطورات العسكرية على الوضع الإنساني، حيث وصفت الأمم المتحدة، أمس، الوضع في شرق مدينة حلب السورية بـ«المخيف» بعدما دفع التقدم السريع لقوات النظام السوري داخل مناطق سيطرة الفصائل المعارضة نحو 16 ألف مدني إلى الفرار نحو مناطق أخرى.
ومع استمرار عمليات الفرار من مناطق الاشتباك بين قوات النظام والفصائل في حلب، أعرب رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، أمس، عن «غاية القلق على مصير المدنيين بسبب الوضع المقلق والمخيف في مدينة حلب». وقال أوبراين إن «كثافة الهجمات على أحياء شرق حلب في الأيام الأخيرة أجبرت نحو 16 ألف شخص على الفرار إلى مناطق أخرى من المدينة».
وفي مواجهة هذا التدفق، يستعد برنامج الأغذية العالمي لتلبية احتياجات العائلات الواصلة حديثا إلى القسم الغربي من حلب الخاضع لسيطرة القوات الحكومية.
وقال ناطق في جنيف إن نقل المساعدة إلى شرق حلب الخاضع لسيطرة المعارضة يبقى مهمة محفوفة بمخاطر كبرى بالنسبة للأمم المتحدة التي لا تزال تنتظر موافقة النظام. ولا يشمل هذا العدد من النازحين جراء القتال، الآلاف من المدنيين الذين نزحوا داخل الأحياء الشرقية خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأحصى المرصد أمس فرار أكثر من سبعة آلاف مدني إلى حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية، وأكثر من خمسة آلاف إلى مناطق تحت سيطرة قوات النظام، بعد حصيلة سابقة، الأحد، أفادت بنزوح عشرة آلاف مدني خارج الأحياء الشرقية.
وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، بتينا لوشر، في جنيف، إن المدنيين في شرق حلب يواجهون ظروفا «رهيبة» واصفة الوضع بأنه «انحدار بطيء نحو الجحيم».
وحتى بدء الهجوم، كان يعيش أكثر من 250 ألف شخص في الأحياء الشرقية في ظروف صعبة نتيجة حصار بدأته قوات النظام قبل نحو أربعة أشهر. ودخلت آخر قافلة مساعدات إنسانية إلى مناطقهم في يوليو (تموز) الماضي.
تفاقم المعاناة الإنسانية في حلب.. والنظام يسعى لـ«حسم عسكري» قبل تسلم ترامب السلطة
المعارضة تتلقى عرضًا بالتجمع في ثلاث نقاط مقابل توفير «انتقال آمن» إلى إدلب
تفاقم المعاناة الإنسانية في حلب.. والنظام يسعى لـ«حسم عسكري» قبل تسلم ترامب السلطة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة