تعرضت مسيرة جاك ويلشير صانع ألعاب آرسنال لكثير من العقبات وكثير من النجاحات قصيرة الأجل والتضارب بين المراكز والأدوار. ومع ذلك، ثمة مؤشرات أولى تنبئ عن إمكانية ازدهاره وتألقه مع البداية الجديدة له مع بورنموث الذي واجه فريقه الأصلي الأحد الماضي وإن كان لم يشارك مع بورنموث فريقه الحالي.
أما الملحوظة المثيرة حقًا، فهي أنه منذ ثماني سنوات فقط، تمكن آرسنال من سحق شيفيلد يونايتد بستة أهداف دون مقابل في إطار بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة. وظل هذا اللقاء محفورًا في الذاكرة لمشاركة آرسنال في المباراة بمجموعة من اللاعبين بلغ متوسط أعمارهم 19 عامًا وصفهم المدرب آرسين فينغر بأنهم أفضل مجموعة من اللاعبين الناشئين أشرف عليها في حياته. ومرت المواسم، وانحرف الناشئون الصغار إلى مسارات مختلفة. وبمرور الوقت، ماتت فكرة خط الإنتاج المستمر للمواهب الكروية من مدرسة فينغر المهتمة بتنمية المهارات. وربما يشعر البعض الآن لدى تذكرهم هذه الأيام بأنهم كانوا ضحية وهم جماعي قام على قدر مفرط من الإثارة والحماس والمبالغة في تقييم مواهب أفراد ذلك الفريق من المواهب الناشئة.
ومع هذا، ينبغي لنا ألا نتسرع نحو الانجراف في مثل هذا الشعور بخيبة الأمل، ذلك أننا لو أمعنا النظر سنجد أنه خلال هذا الأسبوع، شارك ثلاثة أفراد من فريق 6-0 الشهير - آرون رامزي، وفرنسيس كوكلين، وكيران غيبس - مع آرسنال، في إطار بطولة دوري أبطال أوروبا أمام باريس سان جيرمان. ويمكنك أن تحسب العدد أربعة إذا ما احتسبنا ثيو والكوت، الذي كان ينال قسطًا من الراحة تلك الليلة. بجانب ذلك، هناك بالطبع لاعب آخر لدى آرسنال، سجل أول أهدافه على الإطلاق بتلك الليلة المشهودة وكان في السادسة عشرة من عمره، وجلس على مقاعد البدلاء عندما زار فريقه الحالي بورنزث استاد الإمارات الأحد الماضي الذي يشارك معه على سبيل الإعارة من آرسنال النادي الأم.
للوهلة الأولى، قد يبدو من المألوف تمامًا رؤية ويلشير جالسًا يتابع المباراة متخذًا دور المتفرج، دون أن يشارك في المباراة، ومع هذا، يبقى غيابه مهمًا حقًا بالنسبة للناديين. الملاحظ أن ويلشير يشارك في صفوف بورنموث في مركز متقدم أكثر بعض الشيء. ومع ذلك، فإنه في خضم استكشافه المزيد من مواهبه المدفونة، فإنه كان يمكن أن يكشف للمرة الثالثة في غضون أسبوع الأداء الرتيب لخط الوسط الحالي لدى آرسنال في غياب نجمه الرئيسي والأول، سانتي كازورلا. ولو كان ويلشير شارك، فإن مشاركته ربما كانت لتعزز فكرة أن آرسنال تعثر أداؤه بعض الشيء بعد موافقته على انتقال اللاعب على سبيل الإعارة إلى بورنموث، في الوقت الذي نجح اللاعب في إعادة مشواره الكروي إلى مساره الصحيح. ورغم ذلك، فإن القصة الحقيقية هنا تكمن في أمر مغاير تمامًا، وتدور حول مواهب سيئة الحظ والنضال نحو إيجاد دور وإيقاع متناغم وبالطبع مهارة مع مدرب بورنموث إيدي هوي.
في الواقع، يتمتع هوي بشخصية ساحرة للغاية، لدرجة أن مدربًا زميلا له تحدث عن أنه بدأ يشعر بالغيرة حيال مشاهدته هوي ومساعده جيسون تيندال يتحركان في أرجاء نادي بورنموث ويبنيان صداقات مع الجميع ويستحوذان على ود وإعجاب المحيطين بهما. في الوقت ذاته، يتميز هوي بخبرته السابقة كلاعب شارك في المستوى الأعلى من كرة القدم. عندما كان في الـ20 من عمره، سافر هوي برفقة المنتخب الإنجليزي إلى بطولة تولون عام 1998، حيث شارك إلى جوار فرانك لامبارد وجيمي كاراغر في مواجهة منتخب أرجنتيني بني برمته حول لاعب خط الوسط الموهوب خوان رومان ريكليمي. وانتهى اللقاء بفوز الأرجنتين 2-0 في طريقها نحو اقتناص البطولة. ولم يشارك قط هوي مجددًا مع المنتخب الإنجليزي. وبعد ثماني سنوات، وبينما كان يتمتع ريكليمي بذروة تألقه خلال مرحلة التصفيات في بطولة كأس العالم ودوري أبطال أوروبا، كان هوي يتولى تدريب فريق الاحتياط لبورنموث المشارك في دوري الدرجة الأولى.
ومع ذلك، يبدو أن القدر منح هوي فرصة التعاون مع واحد من المواهب العظيمة التي ربما لم يظهر مثلها الكثير على امتداد السنوات الـ30 الأخيرة. ومع ذلك، ربما لم تحن هذه الفرصة عندما سجل ريكليمي الهدف الأول للأرجنتين بتمريرة ساحرة تركت اللاعب الأخير في صفوف المنتخب الإنجليزي (إيدي هوي) في حالة ذهول، ثم جاءت الضربة الركنية التي فقد إيميل هيسكي السيطرة عليها على نحو كارثي سمح لدييغو كونتانا أن يسجل هدفا جديدا في الوقت الذي وقف اللاعب الإنجليزي المكلف بمراقبته (من جديد، هوي) وعلامات الدهشة على وجهه.
في طولون، بدا ريكليمي في قمة تألقه، وكان صانع ألعاب من الطراز الأول، مع تمتعه بلياقة بدنية عالية وكثيرًا ما صال وجال في أرجاء الملعب ليمنح أقرانه تمريرات ساحرة على نحو استثنائي. فالأرجنتيني المعتزل خوان ريكليمي يعتبر أعظم لاعبي الكرة في العصر الحديث والذي لم يكن يشبه غيره من لاعبي الكرة على الإطلاق. فقد كان ذلك النوع من اللاعبين الذي تكافح الكرة الإنجليزية كثيرا كي تتعامل معه؛ فهو لاعب يمتلك لغة جسد واضحة وشجاعة وقادر على الاحتفاظ بالكرة والتحكم فيها في المساحات الضيقة لكنه يبالغ في أظهار قدرته على التحمل للدرجة التي تجعل زملاءه يصيحون فيه «أوه، لا، تخلص من الكرة».
رغم أنك قد لا تجد هذا في كل مكان، لكن تلك هي أحدي نقاط قوة المدرب هوي الذي يحاول إخراج كل ما لدى لاعبيه الموهوبين ذوي الاستعداد التكنيكي ممن تعرضوا للفشل في أماكن أخرى. يقودنا كل هذا إلى جاك الذي يختلف في أسلوبه عن ريكليمي كونه عبقريا خارجا عن زمرة الجماعة، وأيضا كونه موهبة خالصة ولاعبا أكثر ما يميزه عن غيره حتى الآن هو أنه مني بعثراته وبالبدايات الخادعة، وتضارب الأدوار في الملعب.
من السهل نسيان كيف أن ويلشير كان محط الأنظار حتى وقت قريب، «من دون شك، بمقدوره الوصول لأعلى المراتب التي وصلها غيره من الكبار الذين نراهم في برشلونة مثل تشافي وأنييستا، وفق كلمات داني ألفيس في فبراير (شباط) 2013. ولم تثر تلك الكلمات ضحك أو سخرية أي من الحاضرين. ففي نفس الشهر عمد بعض الأغبياء إلى كتابة تقرير صحافي احتوى مقارنة بين لاعبين اثنين حملا الرقم 10 في مباراة ودية جرت بملعب ويمبلي. وحينها كتبت: «كان ويلشير الرائع والبالغ من العمر 21 عاما أفضل من نيمار»، فقد كان بالفعل عظيما في ذلك اليوم برقصه بقدميه الغليظتين اللذين أطلقهما للريح بين باقي الجياد بالملعب. كان دوما قادرا على امتصاص الكرة والتلاعب بها بين ساقيه المنفرجتين. لكن الإصابات شكلت دوما مشكلة كبيرة، ناهيك عن الغموض الذي أحاط بمركزه في اللعب. كان ويلشير ضحية سواء لعب كجناح أو كمهاجم (رقم 10) لرهبته داخل منطقة الجزاء، غير أن رد الفعل تجاه مواهبه كان يشوبها الكثير من الحيرة بشأن كيفية إخراج أقصى ما لديه.
مدرب آرسنال أرسين فينغر أراد له أن يلعب في الأمام، وذلك على الرغم من أن ويليشير لم يمرر سوى تمريرة واحدة حاسمة في الدوري الممتاز خلال الـ22 مباراة الماضية، ولم يسجل هدفا واحدا خلال الـ27 مباراة الأخيرة مع ناديه. أشك في أن فابيو كابيلو مدرب المنتخب الإنجليزي أحسن فهمه، وهو نفس ما فعله مدرب إنجلترا روي هودجسون. هذا ما نسميه قاعدة التمرير في العمق غير الإنجليزية، أو القدرة على ربط وقيادة وتغيير اتجاه اللعب، وهي الطريقة التي لا ينفذها المنتخب الإنجليزي ولا الآرسنال حاليا. غير أن هذا هو المكان الأنسب والأكثر إبداعا لويلشير وهو المكان الوحيد الذي يناسب بنيته الجسمانية الهشة.
والأسبوع الماضي لعب آرسنال أمام باريس سان جيرمان وشاهدنا لاعبه ماركو فيراتي، وهو في نفس عمر ويلشير والذي بزغ بأداء بارع وقدرة على الاحتفاظ والتحكم في مجريات اللعب، على عكس غيره ممن ظهروا كأقزام لا يستخدمون سوى لغرض واحد. بالتأكيد سيكون هناك نوع من السخرية لو أننا آثرنا فكرة أن يحاول ويلشير إدارة اللعب على طريقة فيراتي. فلسبب ما، هناك دوما سبب للسخرية من مثل هذا المطلب. فويلشير كان دوما ضحية بهذا المعنى أيضا، فكثيرا ما تعرض للهجوم القاسي بسبب رسوم «التاتو» على جسده وبهرجته وما يرتكبه من أخطاء.
لكن من تلك النقطة يجب النظر إلى مشواره كصفحة بيضاء ممتلئة بكل ما فيها من أوامر إعادة التشغيل. ولا يزال أمام ويلشير ثلاثة مواسم كاملة كلاعب محترف، وهو في المكان الصحيح الآن. فاللعب الذي جرى جمع شتاته، وبموهبته التي أحياها نظام إبداعي يعتمد على المدرب، كلها عناصر تألف منها موسم الدوري الإنجليزي الحالي. وبعد ما مرت ثماني سنوات على مشواره الكروي ربما نرى موهبة إنجليزية غير عادية لافته ومتقلبة تزهر في أي اتجاه ترغبه.
ويلشير.. موهبة تاهت في آرسنال وتقاتل للعودة مع بورنموث
مسيرة لاعب خط الوسط التي تجاذبتها رياح النجاح تارة والفشل تارة أخرى
ويلشير.. موهبة تاهت في آرسنال وتقاتل للعودة مع بورنموث
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة