«موسم الخصم» يطرح السؤال: هل مصر بلد فقير؟

اتهامات بالتلاعب تلاحق المراكز التجارية.. والبعض يشتري قبل فوات الأوان

أحد مراكز التسوق بالعاصمة القاهرة (أ.ف.ب)
أحد مراكز التسوق بالعاصمة القاهرة (أ.ف.ب)
TT

«موسم الخصم» يطرح السؤال: هل مصر بلد فقير؟

أحد مراكز التسوق بالعاصمة القاهرة (أ.ف.ب)
أحد مراكز التسوق بالعاصمة القاهرة (أ.ف.ب)

منذ الساعات الأولى لصباح يوم الجمعة، امتلأت الشوارع في العاصمة المصرية القاهرة وعدد من المدن الكبرى بكثافات هائلة من السيارات على غير العادة، وكانت الوجهة الرئيسية لها مراكز التسوق التي أعلنت عن خصومات كبرى بمناسبة «الجمعة البيضاء» حسب المسمى الذي تبنته عدد من الدول العربية أخيرا، أو «الجمعة السوداء» بحسب المسمى العالمي.
الكثافات المرورية صبت في المراكز التجارية الكبرى، حيث تراصت صفوف السيارات أمام البوابات الخارجية لأوقات طويلة جدا في انتظار التفتيش الدوري، ثم زحام شديد في محاولة لإيجاد مكان لصف السيارة، يليه زحام آخر للتفتيش الشخصي على الأبواب الداخلية.
«الشرق الأوسط» شاهدت آلافا من الرواد في أحد «المولات» في حي راق بغرب القاهرة ينتظرون فرصة أو ثغرة للدخول إلى سلاسل المحالات التجارية الكبرى التي أعلنت بعضها عن خصومات كبرى وصلت إلى 50 في المائة على منتجاتها بهذه المناسبة، والتي تمتد لنحو أسبوع كامل في بعض المتاجر.
لمن اعتادوا السفر إلى دول أوروبا وأميركا، كان المشهد مألوفا، على غرار التزاحم الشديد في مواسم الأعياد في العواصم الأوروبية، أو محاولات أبناء الدول المتقدمة للحصول على نسخة من أجهزة «أيفون» الجديدة قبل أقرانهم. لكن في مصر، ربما بدا المشهد غريبا بعض الشيء، خاصة أنه يأتي بعد أقل من شهر واحد على قرار بـ«تعويم» العملة المحلية في مقابل الدولار، وهو قرار أدى إلى انخفاض كبير في القوة الشرائية للجنيه المصري.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن تعويم الجنيه تسبب فوريا في هبوط قيمة الجنيه إلى نصف ثمنه، إذ أن سعره الرسمي قبل قرار التعويم كان يبلغ 8.88 جنيه لكل دولار، أما بعد تركه لـ«العرض والطلب»، فقد أصبح الدولار يوازي نحو 17 جنيها في المتوسط. ومع ثبات الدخول، وارتباط أغلب السلع في مصر حتى المحلية منها بالدولار، فإن الأسعار قفزت إلى ضعف مستواها السابق بين ليلة وضحاها.
ويشير أغلب رجال الاقتصاد، سواء الرسميين أو غيرهم، إلى أن هناك «انفلاتا» كبيرا في مصر في مسألة ربط كل شيء بالدولار؛ حتى أبسط المنتجات الزراعية المحلية ارتفع ثمنها بعد قرار التعويم من دون داع حقيقي، فبائع الخضراوات الجائل حين تسأله عن سعر «الجرجير» ولماذا ارتفع ثمن الحزمة الصغيرة منه على سبيل المثال إلى 5 جنيهات بدلا من 3 قبل أيام، فإنه يبادر على الفور إلى التعلل بارتفاع سعر الدولار.
«ارتفاع ثمن الوقود له أثر بالطبع، لكن الجميع يغتنم الفرصة لمضاعفة الأسعار بأكثر من نسبتها الحقيقية.. جانب من ذلك ربما يعود إلى الجشع، لكن الأهم هو غياب الرقابة أو (حماية المستهلك الحقيقية)»، هكذا يوضح مسؤول مصري طالبا عدم تعريفه، لكنه يؤكد أن الدولة ماضية في محاولاتها لفرض الرقابة السابقة واللاحقة من أجل ضبط الأسواق.
ما يحدث عند بائع الجرجير البسيط يشبه ما يحدث في المراكز التجارية الكبرى، إذ أن بعض الرواد لاحظوا أن أسعار المنتجات جرى رفعها من مستوى سعرها قبل أسبوع، ثم تم وضع التخفيض عليها. ويقول محمد فاضل لـ«الشرق الأوسط» مشيرا إلى حذاء من إحدى العلامات التجارية الشهيرة: «لقد نسي القائمون على المتجر أن يرفعوا ملصق السعر القديم من داخل الحذاء.. بالداخل مكتوب أن سعره 890 جنيها، وبالخارج ملصق جديد سعره 2100 جنيه مع خصم 40 في المائة.. أي أنه بعد الخصم أغلى من ثمنه الأصلي».
ما ذهب إليه فاضل ليس وهما، إذ أن ذلك يتفق مع رأي رئيس جهاز حماية المستهلك في مصر، اللواء عاطف يعقوب، الذي قال: «هناك ارتفاع عشوائي وغير مبرر في أسعار السلع، وهو ما لم تشهده السوق المصرية من قبل»، موضحا في تصريح إعلامي أن بعض التخفيضات التي تم طرحها في بعض المولات بمناسبة «الجمعة السوداء» هي تخفيضات وهمية، منوها إلى أنه تم رفع الأسعار في بعض هذه المولات بشكل مبالغ فيه، وبعد ذلك تم خفضها لتصل إلى السعر الطبيعي ويتم إيهام المشتري أنه يشتري بعد التخفيض.
لكن بعيدا عما يمكن وصفه بـ«الغش التجاري»، أثارت مشاهد التدفقات الهائلة من المواطنين على المحال التجارية تساؤلات واسعة في الشارع المصري، فإذا كان هذا هو الإقبال على سلع بلغت أسعارها حدا يفوق قدرة المواطن المتوسط، فهل يمكن اعتبار ذلك مؤشرا على أن مصر ليست بلدا فقيرا؟
لكن المراقبين يرون أن الإجابة ليست بهذه البساطة وأن هناك أمرين مهمين للوضع في الاعتبار، أولهما أن هذه المشاهد مقصورة على العاصمة وبعض المدن الكبرى حيث تتركز الطبقة العليا من المجتمع ولا يمكن تعميم الحالة على 92 مليون مصري، وهو الرقم الرسمي الذي بلغه التعداد السكاني يوم الخميس الماضي، فوفقا لآخر الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية، لا تمثل هذه الطبقة الميسورة أكثر من 7 في المائة من مجموع الشعب، أما غالبية المواطنين، فلا يعرفون الجمعة «البيضاء» أو «السوداء»، لكن يهتمون فقط بتوفير «لقمة العيش» اليومية.
ومما يذكر أن الحكومة المصرية تعكف الآن على مناقشات ودراسات موسعة من أجل تحديد القيمة التي يمكن أن يطلق عليها «خط الفقر» وأيضا مستحقي الدعم على السلع الأساسية، وبينما تسرب إلى الإعلام في الأسبوع الماضي أن الحكومة ستضع رقما في حدود 1500 جنيه (نحو 88 دولارا) للأسرة كحد أقصى لا يستحق من بعده الدعم، عادت مصادر رسمية لنفي ذلك بشدة، وعاد الحديث إلى حدود 5000 جنيه (نحو 300 دولار) كحد أقصى، ولا تزال المناقشات مستمرة لتحديد الرقم، في محاولة لقصر الدعم على مستحقيه الحقيقيين، حيث تتكفل الدولة بدعم لنحو 70 مليون مواطن، ما يكلف الدولة نحو 46 مليار جنيه (أي نحو 2.7 مليار دولار) في موازنة العام 2015 - 2016.
وكخطوة أولى، بدأت الحكومة في مراجعة كشوفها لحذف ما يصل إلى مليون مواطن في كشوف الدعم، نتيجة تكرار أسمائهم أو سفرهم إلى خارج البلاد، وذلك في محاولة للوصول إلى الخطوة الثانية بحذف 10 ملايين «غير مستحق»، في الطريق إلى الهدف النهائي بإيصال الدعم إلى أقل من 40 في المائة فقط من عدد المواطنين.
أما النقطة الثانية التي أسفرت عن هذا الإقبال الكبير على «موسم الخصم» رغم الحالة الاقتصادية، فهي اللعب على الوتر النفسي، حيث إن كثيرا من أبناء الطبقة المتوسطة والعليا يكتشفون أن مدخراتهم صارت تتضاءل يوما بعد يوم بسبب انخفاض قيمة الجنيه المستمر، ولذلك فقد يلجأ هؤلاء إلى شراء أي شيء قابل للشراء «الآن»، وقبل فوات الأوان، حين لا يصبح لما يملكونه أي قيمة.



إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
TT

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي، المهندس صالح الجاسر، عن تحقيق الموانئ تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» لعام 2024، إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن.

كما كشف عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

جاء حديث المهندس الجاسر خلال افتتاح النسخة السادسة من «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»، في الرياض، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجيستية، ويأتي ضمن مساعي البلاد لتعزيز موقعها مركزاً لوجيستياً عالمياً.

وقال الوزير السعودي، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إن «كبرى الشركات العالمية تواصل إقبالها على الاستثمار في القطاع اللوجيستي؛ من القطاع الخاص المحلي والدولي، لإنشاء عدد من المناطق اللوجيستية».

يستضيف المؤتمر، الذي يقام يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدداً من الخبراء العالميين والمختصين، بهدف طرح التجارب حول أفضل الطرق وأحدث الممارسات لتحسين أداء سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها. كما استُحدثت منصة تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع من خلال الفرص التدريبية والتطويرية.

وأبان الجاسر أن منظومة النقل والخدمات اللوجيستية «ستواصل السعي الحثيث والعمل للوصول بعدد المناطق اللوجيستية في السعودية إلى 59 منطقة بحلول 2030، من أصل 22 منطقة قائمة حالياً، لتعزيز القدرة التنافسية للمملكة ودعم الحركة التجارية».

وتحقيقاً لتكامل أنماط النقل ورفع كفاءة العمليات اللوجيستية، أفصح الجاسر عن «نجاح تطبيق أولى مراحل الربط اللوجيستي بين الموانئ والمطارات والسكك الحديدية بآليات وبروتوكولات عمل متناغمة؛ لتحقيق انسيابية حركة البضائع بحراً وجواً وبراً، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ودعم العمليات والخدمات اللوجيستية وترسيخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً».

وخلال جلسة بعنوان «دور الازدهار اللوجيستي في تعزيز أعمال سلاسل الإمداد بالمملكة وتحقيق التنافسية العالمية وفق (رؤية 2030)»، أضاف الجاسر أن «الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)» تعمل على تنفيذ ازدواج وتوسعة لـ«قطار الشمال» بما يتجاوز 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، وذلك مواكبةً للتوسعات المستقبلية في مجال التعدين بالسعودية.

إعادة التصدير

من جهته، أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أن السعودية سجلت في العام الحالي صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير، بنمو قدره 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، «وهو ما تحقق بفضل البنية التحتية القوية والتكامل بين الجهات المعنية التي أسهمت في تقديم خدمات عالية الكفاءة».

وأشار، خلال مشاركته في جلسة حوارية، إلى أن شركة «معادن» صدّرت ما قيمته 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) من منتجاتها، «وتحتل السعودية حالياً المركز الرابع عالمياً في صادرات الأسمدة، مع خطط لتحقيق المركز الأول في المستقبل».

جلسة حوارية تضم وزير النقل المهندس صالح الجاسر ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف (الشرق الأوسط)

وبين الخريف أن البلاد «تتمتع بسوق محلية قوية، إلى جانب تعزيز الشركات العالمية استثماراتها في السعودية، والقوة الشرائية الممتازة في منطقة الخليج»، مما يرفع معدلات التنمية، مبيناً أن «قوة السعودية في المشاركة الفاعلة بسلاسل الإمداد تأتي بفضل الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وسلاسل الإمداد تساهم في خفض التكاليف على المصنعين والمستثمرين، مما يعزز التنافسية المحلية».

وفي كلمة له، أفاد نائب رئيس «أرامكو السعودية» للمشتريات وإدارة سلاسل الإمداد، المهندس سليمان الربيعان، بأن برنامج «اكتفاء»، الذي يهدف إلى تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في البلاد، «أسهم في بناء قاعدة تضم أكثر من 3 آلاف مورد ومقدم خدمات محلية، وبناء سلاسل إمداد قوية داخل البلاد؛ الأمر الذي يمكّن الشركة في الاستمرار في إمداد الطاقة بموثوقية خلال الأزمات والاضطرابات في الأسواق العالمية».

توقيع 86 اتفاقية

إلى ذلك، شهد «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية» في يومه الأول توقيع 86 اتفاقية؛ بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد، كما يضم معرضاً مصاحباً لـ65 شركة دولية ومحلية، بالإضافة إلى 8 ورشات عمل تخصصية.

جولة لوزيرَي النقل والخدمات اللوجيستية والصناعة والثروة المعدنية في المعرض المصاحب للمؤتمر (الشرق الأوسط)

وتسعى السعودية إلى لعب دور فاعل على المستوى العالمي في قطاع الخدمات اللوجيستية وسلاسل التوريد، حيث عملت على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية والإنجازات التشغيلية خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تقدمها 17 مرتبة على (المؤشر اللوجيستي العالمي) الصادر عن (البنك الدولي)، وساعد على زيادة استثمارات كبرى الشركات العالمية في الموانئ السعودية».