قد لا تجد المعارضة في فنزويلا ملاذا قانونيًا بعد اليوم في مواجهة الرئيس مادورو، إذ تقع قواها مرة أخرى تحت رحمة نفوذ الرئيس نيكولاس مادورو، والمؤيدين المنتمين لتيار الرئيس الراحل هوغو تشافيز. ويستخدم مادورو كل ما أوتي من نفوذ وسلطته كرئيس للتملص من منح الشعب حقه، بحسب ما ورد في دستور البلاد، في خلع الرئيس أو الإبقاء عليه.
المحكمة العليا، التي تضم في عضويتها عددا من المقربين إلى تيار تشافيز، الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي، ألغت كل احتمالات إجبار مادورو على المثول أمام البرلمان. وكان البرلمان يحاول أن يدفع الرئيس مادورو باتجاه الاستجابة سياسيا إلى الأزمة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
ولا يستطيع البرلمان، الذي تتمتع به المعارضة بالأغلبية، اتخاذ أي إجراء ضد الرئيس، ناهيك عن خلعه من السلطة، والذي كان هو الهدف الرئيسي للبرلمان. إضافة إلى آخر حكم صادر عن محكمة العدل، والذي يحمي الرئيس قانونيًا وسياسيا من أي إجراءات تشريعية، منعت المحكمة كذلك أعضاء البرلمان والقطاعات السياسية الأخرى من الدعوة إلى مظاهرات شعبية مثل المسيرات الحاشدة التي تم تنظيمها في عدة مدن منذ أسابيع. وتم النظر إلى تلك المسيرات باعتبارها الآلية المثلى التي تمكّن الشعب من توجيه رسالة إلى الحكومة.
في ظل وجود هذا القرار، لن تتكرر الصور التي انتشرت في مختلف أنحاء العالم، والتي ظهر فيها الآلاف من المواطنين وهم يجوبون الشوارع، رغم رفض المعارضة قبول تلك الأحكام القضائية، التي لا تترك أمامهم أي طريق لتغيير الحكومة كما يريدون بعد أكثر من عقد من حكم آيديولوجية وسياسة تشافيز.
وتم تعزيز هذا الحكم بقرار آخر؛ فقد ألغت اللجنة الوطنية للانتخابات منذ بضعة أيام، مثلما كان متوقعًا إلى حد كبير، إمكانية إجراء استفتاء عام 2016 على خلع مادورو. واتهمت قيادات المعارضة البارزة الحكومة بانتهاك الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال المناقشات التي دعمها الموفد الخاص باسم البابا فرنسيس، واتحاد دول أميركا الجنوبية. وصرح جيزوس توريالبا، الأمين العام لائتلاف «طاولة الوحدة الديمقراطية»، وهو الكيان الذي يجمع حركات المعارضة، لوسائل الإعلام المحلية في فنزويلا قائلا: «لن يستطيع حكم المحكمة منع الشعب الفنزويلي من تنظيم الاحتجاجات المشروعة». على الجانب الآخر دعا المتحدث باسم البرلمان الحكومة إلى اتخاذ خطوات من أجل احترام الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، واستئناف عملية إجراء استفتاء على خلع الرئيس للحيلولة دون تفاقم الأزمة التي تشهدها البلاد.
وقال جيوفاني دي ميشال، المحلل الدولي في جامعة فنزويلا المركزية، خلال مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» من كاراكاس إن حكم المحكمة «لم يكن مفاجئًا.. مع ذلك الأمر المفاجئ هو توقيت الحكم، حيث صدر في وقت يقام فيه حوار بين الحكومة والمعارضة، التي من بين أهدافها احترام الدستور في فنزويلا. مع ذلك لا يرد مصطلح التقدير السياسي في الدستور، لهذا رأت المحكمة أن إجراءات البرلمان غير مجدية وغير مؤثرة». ويوضح المحلل دي ميشال أنه من اختصاص ومسؤوليات البرلمان الإشراف على ممارسة السلطة، وتقييمها، والسيطرة عليها، وربما كان خطأ البرلمان هو تسمية ذلك بالتقدير السياسي».
وفي ظل عدم قدرة المعارضة على تحدي الحكومة قانونيًا، يظل الأمل الوحيد الباقي لها، وإن كان مقيدًا ومحدودًا، هو إحداث تغيير من خلال الحوار، رغم أن دي ميشال يرى أنه لن يكون مثمرًا، بل سيمنح الحكومة الفنزويلية المزيد من الوقت فحسب، وسيثبط عزيمة المعارضة، ويؤدي إلى تشرذمها دون تحقيق أي نتائج. وقد صرح الرئيس بأنه كان راضيًا عن تدشين حوار مع المعارضة سيستمر حتى عام 2018.
وتتسبب الصعوبات، التي تواجهها المعارضة في محاولة تحقيق هدفها المتمثل في تغيير الحكومة، في انقسامات عميقة؛ ومن المؤكد أن تلك الصعوبات سوف تمثل صعوبة أخرى تقلل فرص فوز المعارضة الضعيفة والمتشرذمة في الانتخابات. وقال ميشال إن المعارضة منقسمة بسبب سقف توقعاتها المرتفع، وتدني مستوى كفاءتها وحجم تأثيرها، مشيرًا إلى أن هذا هو ما أدى إلى انقسامها.
ولفتت الأحداث، التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية، انتباه العالم، وأوضحت ما حققه تعاون الأحزاب المختلفة التي تشكل ائتلاف «طاولة الوحدة الديمقراطية»، وهو الكيان الذي تنضوي قوى المعارضة تحت لوائه.
ونجحت شخصيات قيادية مثل ماريا كورينا ماكادو، وإنريكي كابريليس، وليليان تينتوري، زوجة المعتقل السياسي ليوبولدو لوبيز، المعتقل الذي يواجه ظروفًا فظيعة منذ أكثر من ألف يوم، في التأكيد على دعم المجتمع الدولي لاحترام الديمقراطية في فنزويلا. ويعني اضطرار مادورو إلى إرسال موفدين من أجل التفاوض مع المعارضة أن أصواتهم قد لقيت آذانًا صاغية.
مع ذلك، بدأت الآليات القانونية لتغيير الحكومة تتسرب من بين أيدي المعارضة في فنزويلا، ومادورو لن يقدم استقالته. ومن المفترض أن تنتهي مدة حكم إدارته عام 2019. رغم أنه من غير المؤكد ما سيحدث قبل ذلك. مع ذلك يظل من المؤكد استحالة أن تقف المعارضة أو الحكومة دون أن تحرك ساكنًا.
جدير بالذكر أن أكبر محكمة في فنزويلا قضت سابقا بأن الرئيس نيكولاس مادورو فنزويلي فعلا وذلك ردا على سنوات من تكهن المعارضة بأن الزعيم الاشتراكي وُلد في حقيقة الأمر في كولومبيا المجاورة ويحمل جنسيتين. وقال حكم المحكمة العليا الذي أكد أيضا أن مادورو لا يحمل جنسية أخرى أن «الدليل القاطع يُظهر بيقين مطلق أن رئيس الدولة المذكور آنفا وُلد في كاراكاس». ولم توضح المحكمة ما هو الدليل الذي راجعته.
وطالب زعماء المعارضة بأن يظهر مادورو شهادة ميلاده، وأشاروا إلى التناقض في التصريحات المختلفة للمسؤولين الحكوميين فيما يتعلق بمكان ميلاده.
وسعى البعض إلى عزل مادورو من منصبه على أساس أن حمل جنسية ثانية لا يسمح له بتولي الرئاسة. ولم تحقق هذه المحاولة تقدما على الإطلاق لأن ناشطي المعارضة عجزوا عن الحصول على شهادة ميلاده.
المعارضة الفنزويلية تحت رحمة الرئيس مادورو
القضاء «الموالي» يمنع المسيرات والبرلمان من اتخاذ أي إجراء ضده
المعارضة الفنزويلية تحت رحمة الرئيس مادورو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة