لا خيارات كثيرة يقدمها الموت لسكان حلب المحاصرة، فالأحياء الشرقية من المدينة تعيش حصارًا مطبقًا من قبل قوات النظام وحلفائه منذ نحو 3 أشهر، فيما يعلن شروق الشمس في حلب عن بداية جولة جديدة مع الموت الذي تزرعه طائرات النظام وروسيا بشكل عشوائي فوق أحياء المدينة.
تستمر حملة القصف على أحياء حلب الشرقية لليوم السادس على التوالي، ويتفاقم حجم المأساة التي يعيشها نحو ربع مليون محاصر، حيث تسبب القصف العنيف من قوات النظام بشلل تام في مظاهر الحياة كافة، وخروج معظم المنشآت الحيوية عن الخدمة أو إغلاقها.
يحكي أبو أحمد، من سكان حي مساكن هنانو (الذي يقع شرق مدينة حلب، ويعتبر قريبًا من جبهات المعارك) لـ«الشرق الأوسط» حال عائلته وسط القصف الذي لا يهدأ، قائلاً: «لم نشهد قصفًا مماثلاً من قبل؛ عشرات الغارات والقذائف تنهال على منازلنا على مدار الساعة، نختبئ أنا وعائلتي في القبو منذ 4 أيام، لكن البرد قارس، وأطفالي خائفون يبكون طوال الوقت؛ نحن نعيش كابوسًا مرعبًا».
وتحاول قوات النظام وحلفاؤه التقدم إلى أحياء حلب، وتضييق الخناق على المناطق المحاصرة، وسط القصف المكثّف، حيث تدور معارك عنيفة على أطراف هذه الأحياء، في حين اضطرت عشرات العائلات إلى النزوح داخليًا هربًا من جحيم المعارك والقصف، باتجاه الأحياء البعيدة عن خطوط الاشتباك، ويصف أحد النازحين مع عائلته تمكنه من مغادرة حيّه سالمًا بقوله: «لقد خرجنا بمعجزة».
الموت هو الخيار الوحيد الذي يواجه جرحى القصف في حلب المحاصرة، فأكثر من ألف وخمسمائة جريح بإصابات بين الشديدة والمتوسطة، حسب إحصائيات متفرقة لمنظمات طبية في المدينة، هم حصيلة التصعيد الأخير من قبل قوات النظام، في حين أخرج القصف المباشر 8 مراكز طبية، بينها 4 مستشفيات رئيسية، عن الخدمة في المدينة، خلال الأسبوع الماضي، تاركًا بضع نقاط طبية تقتصر وظيفتها على تقديم بعض الإسعافات الأولية للإصابات الخفيفة، ولأعداد محدودة من الجرحى.
من جهتها، أعلنت مديرية الصحة في حلب عن خروج جميع مشافي المدينة عن الخدمة فجر السبت، إثر استهداف قوات النظام مشفى عمر بن عبد العزيز في حي المعادي، آخر المشافي العاملة في الأحياء المحاصرة.
وينذر الوضع الطبي داخل المدينة بكارثة إنسانية، نتيجة تزايد أعداد الجرحى يوميًا جراء استمرار حملة القصف على المدينة، وعجز المشافي عن استيعاب تلك الأعداد بسبب الخسائر الكبيرة في المعدات والتجهيزات والكادر الطبي.
ويتحدث حسن، أحد عناصر الإسعاف في حلب، عن بعض الإجراءات التي اتخذتها المشافي في ظل الأوضاع الراهنة، قائلاً: «اضطررنا لنقل بعض المعدات التي لا تزال تصلح للاستخدام إلى الأقبية والبيوت السكنية التي جرى تجهيزها بشكل سريع لاستقبال الحالات الحرجة»، متابعًا: «لا أعتقد أن هذا الإجراء سيسد الحاجة، ولكننا لا نملك خيارات أفضل».
وللمرة الثالثة منذ بداية العام الدراسي قبل نحو شهرين، تضطر المدارس لإغلاق أبوابها بسبب تردي الوضع الأمني في أحياء حلب الشرقية، حيث أعلنت مديرية التربية والتعليم إغلاق المدارس لمدة يومين، اعتبارًا من بداية الأسبوع الحالي، على أن يمدد الإغلاق في حال استمرت حملة القصف على المدينة. كما شهدت أسواق حلب إغلاقًا شبه كامل بعد القصف العنيف الذي تعرضت له الأسواق الرئيسية في حيّي الشعار والفردوس.
ويشرح أبو محمد، من سكان حي قاضي عسكر، صعوبة التحرك بسبب استمرار القصف، قائلاً: «أصبح الخروج من المنزل يشكل مخاطرة كبيرة، ويقتصر على حالات الضرورة فقط.. اضطررت للاختباء في مدخل أحد المباني يوم أمس لمدة تقارب الساعة بسبب كثافة القصف المدفعي».
غير أنه لا خطوط حمراء لدى قوات النظام في حربها ضد المدنيين المحاصرين، حيث تحاول عبر حملات التصعيد الدموية قتل كل أسباب الحياة في ظل الحصار، مستغلةً في ذلك الغطاء الدولي الذي تؤمنه لها حليفتها روسيا، لتعجّل بسقوط المدينة، واضعة أهالي الأحياء الشرقية بين خيار الموت أو التهجير القسري، بينما يشيح العالم بوجهه عن مشاهد الموت المفزع في حلب، ويكتفي بالتنديد وإدانة الإبادة الجماعية.
جحيم النظام يحرق أحياء حلب الشرقية.. والموت هو الخيار الوحيد للجرحى
الإسعاف تنقل عملها إلى الأقبية والبيوت السكنية لاستقبال الحالات الحرجة
جحيم النظام يحرق أحياء حلب الشرقية.. والموت هو الخيار الوحيد للجرحى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة