بات مصير 250 ألف مدني سوري محاصرين في الأحياء الشرقية لمدينة حلب، عاصمة شمال سوريا، مهددا أكثر من أي وقت مضى بعد إعلان الأجهزة المعنية يوم أمس خروج جميع المستشفيات العاملة هناك عن الخدمة جراء القصف المتعمد. وهذا بينما ذكر ناشطون معارضون أن طائرات حربية تابعة للنظام السوري تنفذ القصف استكمالا للخطة التي تُتبع للقضاء على كل مقومات العيش والصمود في المدينة، وبالتالي، دفع أهلها لمغادرتها وإجبار مقاتلي المعارضة على الاستسلام والرضوخ للشروط الروسية بالانسحاب إلى محافظة إدلب.
عبد الباسط إبراهيم، مدير «صحة حلب» التابعة للمعارضة السورية أبلغ «الشرق الأوسط» أن «قوات النظام السوري استهدفت كل المشافي في الأحياء الشرقية من دون استثناء، وبذلك تم تعطيل كامل منظومة العمل الطبي»، لافتا إلى أن أقل من 10 سيارات إسعاف ما زالت تعمل في المدينة. وأشار إبراهيم إلى أن الكوادر المتبقية كما الإمكانيات المتاحة لا ترتقي لحد تقديم الخدمات الطبية، وأن المستشفيات التي لم تدمر بشكل كامل، تضررت فيها الأقسام الرئيسية ما يجعلها «مشلولة». وأضاف: «ما نقدمه إسعافات أولية بسيطة كتضميد الجراح وإعطاء المسكنات، أما غرف العمليات فغير موجودة»، مشيرًا إلى أن الأطباء والمسعفين باتوا يعالجون الإصابات الأكثر خطورة ويدعون باقي الجرحى ينتظرون دورهم. وأكدت إليزابيث هوف ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا أن مجموعة من وكالات الإغاثة تقودها الأمم المتحدة ومقرها تركيا أكدت أن كل المستشفيات في شرق حلب خرجت من الخدمة.
من جهة ثانية، قال الناشط السوري هادي العبد الله لـ«الشرق الأوسط» إن «قصفا جنونيا يستهدف الأحياء الشرقية»، مؤكدا المعلومات التي تحدثت عن خروج كل المستشفيات هناك من الخدمة. وأوضح العبد الله أن ما تبقى من كوادر طبية تُعالج الجرحى في منازلهم وأن الدفاع المدني السوري أحصى أكثر من 2000 قذيفة مدفعية ونحو 370 غارة جوية منذ منتصف ليل الجمعة حتى مساء السبت أدت لسقوط 56 قتيلا و280 جريحا. ومن جانبها، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مازن كيوارة، مدير الجمعية الطبية السورية الأميركية (SAMS)، أن عددا من مستشفيات الطوارئ في شرق حلب أصبح خارج الخدمة بعد أيام من الغارات الجوية المكثفة، لافتا إلى أنه «لم يعد هناك مستشفى في شرق حلب سعمل بكامل طاقته.. هناك مرافق طبية متبقية ولكنها لا تعمل بكامل طاقتها». أما «المرصد السوري لحقوق الإنسان» فقال: إن بعض المستشفيات التي ضُربت في غارات جوية خلال الأيام الأخيرة كانت خارج الخدمة لفترة ولكنها تعمل الآن إلى حد ما في الأجزاء المحاصرة من حلب.
وفي السياق ذاته، أوضحت مديرية الصحة في شرق حلب، التابعة للحكومة السورية المؤقتة، مساء الجمعة أن جميع المستشفيات في حلب المحاصرة باتت خارج الخدمة «وذلك بعد تعمد قوات النظام استهداف المراكز الطبية بقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ والغارات الجوية من الطيران الحربي». وأشارت المديرية إلى أنه «منذ صباح الجمعة شنت الطائرات الحربية عدة غارات جوية استهدفت مستشفى الحكيم في حي الشعار، ما أدى لخروجه عن الخدمة بشكل كامل، فيما عاود الطيران الحربي تحليقه في سماء حي الشعار مستهدفًا مستشفى البيان الجراحي بغارة جوية ألحقت أضرارًا كبيرة في مبنى المستشفى أدت أيضًا لخروجه عن الخدمة بشكل تام، فيما شهد يوم الخميس غارات جوية استهدفت مشفى الزرزور في حي المشهد بشكل مباشر ما خلف أضرارا كبيرة».
وفي الأحياء الأخرى، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن القصف المدفعي لقوات النظام على حي المعادي تسبب بخروج مستشفى عن الخدمة بعد تضرره جزئيا. ونقلت الوكالة عن مصدر طبي في المستشفى أن القصف أدى «إلى تدمير جزئي للمستشفى المتخصص في الأمراض العامة»، موضحا «أن مريضين قتلا بعد إصابتهما بالقصف عدا عن إصابة مرضى في المستشفى وأفراد من الطاقم الطبي بجروح».
في هذه الأثناء، في مسعى لاستيعاب الأزمة المستجدة، قرر طبيب سوري هو الدكتور محمد السلوم، المقيم في الخارج، تقديم خدماته للاستشارة المجانية للسوريين في الداخل السوري إضافة للاجئين في الخارج، عبر خدمة البث المباشر في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». ولقيت مبادرة السلوم المختصّ بأمراض الأنف والأذن والحنجرة وجراحتها تفاعلاً واسعًا مع المتابعين السوريين عبر صفحته الشخصية في «فيسبوك»، بحسب شبكة «الدرر الشامية».
ووفق التقارير، لم يُعطّل القصف العنيف الذي يستهدف الأحياء الشرقية المنظومة الطبية وحدها، بل عطّل أيضا المنظومة التعليمية. إذ أعلنت مدارس الأحياء الشرقية المحاصرة في حلب في بيان تعليق الدروس السبت والأحد «للحفاظ على سلامة التلاميذ والمدرسين بعد الضربات الجوية الهمجية». وبحسب «المرصد» قُتل 27 مدنيا على الأقل السبت في قصف جوي ومدفعي لقوات النظام السوري استهدف هذه الأحياء في اليوم الخامس من هجوم مركز، وقال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن إن «أي حي في شرق حلب لم يكن اليوم في منأى من قصف النظام».
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت، أول من أمس الجمعة، أن مخزونها من الغذاء في أحياء حلب الشرقية نفد، فيما لم تتمكن من الوصول إلى الأحياء المُحاصَرة. وقال فرحان حق، نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العامّ للأمم المتحدة «نحن قلقون للغاية إزاء الأعمال العدائية الجارية في حلب، ولا سيما التقارير التي تتحدث عن استمرار القصف الجوي المكثف والقصف العشوائي». وأضاف حق في مؤتمر صحافي بمقر المنظمة في نيويورك «لا تزال الأحياء الشرقية من حلب بعيدة عن وصول العاملين في المجال الإنساني إليها حيث يعيش أكثر من 275 ألف شخص وسط ظروف مروعة». أما الباحث المتخصص في الشؤون السورية توماس بييريه فقال لـ«أ.ف.ب» إن قوات النظام تعمل على «الدمج بين القصف الجوي والجوع الناجم عن الحصار لدفع المقاتلين إلى الاستسلام». وأوضح أن الفرق بين الهجوم الحالي وما سبقه هو أن «أحياء حلب الشرقية باتت اليوم محاصرة بالكامل وبدأ سكانها يموتون جوعا».
تدمير المنظومة الطبية في حلب الشرقية يهدد مصير 250 ألف مدني
ناشطون سوريون يصفون القصف بـ«الجنوني» وما تبقى من كوادر يعالجون الجرحى في المنازل
تدمير المنظومة الطبية في حلب الشرقية يهدد مصير 250 ألف مدني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة