يعتري الغموض والالتباس علاقات النظام السوري، بالأحزاب الكردية التي تتقاسم النفوذ ما بين و«حدات حماية الشعب الكردي» التي تنتمي أكثرية تشكيلاتها إلى حزب «الاتحاد الديمقراطي» ويقوده صالح مسلم، وبين ما يعرف بـ«قوات سوريا الديمقراطية» في شمال البلاد، فتارة تشهد العلاقات تدهورًا وصراعًا مسلحًا، وتارة أخرى تعاونا وتنسيقا مبنيين على مصالحهما التي تتقاطع في مناطق مختلفة، كما يحصل الآن في شمال حلب، حيث التنسيق على أشده بين الطرفين في مواجهة قوات «درع الفرات» المدعومة من تركيًا.
وتجلّت صورة التعاون بين النظام والأكراد قبل أيام قليلة، في الاتفاق الذي أبرم بينهما وأفضى إلى تمكن قوات الأسد من انتشال جثث ورفات نحو مائة من عناصرها والمسلحين الموالين لها، ممن قتلوا في مطار منغ العسكري الواقع في ريف حلب الشمالي الذي تسيطر عليه «قوات سوريا الديمقراطية» في الوقت الراهن.
عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة سمير نشار، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «تحالفات الضرورة دائمًا ما تجمع بين النظام والأكراد، خصوصًا حزب (بي واي دي) المتعدد الطموحات». ولفت إلى أن «نظام الأسد يهادن في هذه المرحلة، ويترك صالح مسلم وحزبه يعملان وفق طموحاتهما، لأن ذلك يخدمه في إضعاف الثورة السورية التي تنادي بإسقاط النظام». مؤكدًا أن «أولويات صالح مسلم لم تكن يومًا محاربة الأسد، إنما تحصيل حقوق الأكراد، بالتالي لا يهم مسلم من يحكم سوريا، بقدر ما يهمه من يعطيه حقه في الانفصال»، عادًا أن «التعاون بينهما وتبادل الجثث والأسرى، هو أحد أوجه تلك التفاهمات».
وكانت «وحدات حماية الشعب الكردي» وفصائل موالية لها منضوية تحت راية «قوات سوريا الديمقراطية»، تمكنت في 10 فبراير (شباط) الماضي من السيطرة على قرية منغ ومطارها العسكري بريف حلب الشمالي، بعد اشتباكات عنيفة مع تنظيم «داعش» وفصائل معارضة في المطار.
من جهته، أعلن نواف خليل، مدير «المركز الكردي للدراسات»، (المتحدث باسم الاتحاد الديمقراطي الكردي سابقًا)، أن الأكراد «هم أول من عارض نظام الأسد في عام 2004، وأول من حطموا تماثيل حافظ الأسد في القامشلي، وتسبب ذلك باعتقالنا والتنكيل بنا». وأوضح خليل لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة مع المعارضة، أنهم لا يريدون الأكراد ندًا». وقال: «نحن نعد نظام بشار الأسد مجرمًا، ولا يمكنه أن يحدث تحولاً ديمقراطيًا في سوريا لأنه بذلك ينهي نفسه». وأضاف: «نحن وقفنا مع المجلس الوطني السوري في القاهرة، وكان أحد بنود الوثيقة التي وقعنا عليها جميعًا إسقاط النظام بكل رموزه، وهذه الوثيقة نفسها وقعت عليها (حركة المجتمع الديمقراطي) مع رئيس الائتلاف أحمد الجربا أيضًا»، عادًا أن «مشكلة المعارضة أنها ركنت إلى طرف إقليمي، وهي تركيا التي تعادي الأكراد».
واللافت أن للمعارضة كثيرا من التحفظات على ما تعده أدوارًا ملتبسة للأكراد؛ إذ لاحظ عضو الائتلاف سمير نشار، أن «الخلافات بين النظام والأكراد التي دارت في الحسكة، لم تكن خلافات سياسية أو عسكرية، بل كانت قتالا على المنافع والإتاوات، حيث حاولت (قوات الحماية الكردية) الحد من نفوذ قوات الأسد داخل المدينة»، ولفت إلى أنه «في شمال حلب، وتحديدًا في عفرين، شكل الطيران الروسي غطاء جويًا للأكراد للوصول إلى مناطق سيطرة المعارضة وانتزاعها منها»، مؤكدًا أن «الصدامات التي تحصل بين الأكراد والنظام لا تتعدى تضارب المصالح الذي سرعان ما يسوّى ويعالج». وتابع: «نظام الأسد يريد حصر الصراع مع المعارضة السورية فقط، ليقدم نفسه أمام المجتمع الدولي كمحارب للإرهاب».
في المقابل، ثمة أمثلة كثيرة على الخلافات الجذرية بين الأكراد والنظام، وقال نواف خليل: «حينما لا يتجرّأ النظام على الخروج من بقعة صغيرة في القامشلي، وحين تفرض (قوات الحماية)، (الكردية)، سلطتها عليه في الحسكة، فهذا لا يجعلنا نحتاج شهادة من أحد».
وللدلالة على أن الأجندة الكردية تتقاطع مع أجندة الأسد، لمح سمير نشار إلى أن الأكراد «لا مانع لديهم من بقاء الأسد في السلطة إذا أعطاهم حقوقهم»، لافتًا إلى أنهم «في بداية الثورة أعلنوا أنهم يقفون مع من يعطيهم حقوقهم، مما يعني أنهم ليسوا جزءًا من الثورة، وهذا ما يجعلهم متحدين في مواجهة المعارضة التي تريد بقاء سوريا دولة مدنية ديمقراطية موحدة، لأن الفيدرالية شبيهة بما يقوم به (داعش) والنظام و(النصرة)، لكن كل وفق نموذجه».
وهنا ذكّر نواف خليل بأن الأكراد «يتطلعون إلى دولة علمانية، مدنية وفيدرالية، وكل الأحزاب الكردية لا تشذّ عن القاعدة، لأن الدولة الفيدرالية تعني إعادة سوريا المقسمة أصلاً». وقال: «نحن لم نطرح لا الانفصال ولا الاستقلال على الإطلاق».
أكراد سوريا ونظام الأسد.. صراع على النفوذ وتقاطع المصالح
المعارضة: الانفصال هدفهم.. ومسؤول كردي: النظام مجرم ونطمح لدولة فيدرالية
أكراد سوريا ونظام الأسد.. صراع على النفوذ وتقاطع المصالح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة