منذ فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، تنشغل – بل تشتعل – الدوائر السياسية في واشنطن بـ«بورصة» ترشيح الشخصيات التي يتوقع أن تحتل مناصب مهمة في الإدارة الأميركية المقبلة. وعلى مدى الأيام الماضية برز اسم جون بولتون سفير الولايات المتحدة الأسبق إلى الأمم المتحدة كمرشح محتمل لمنصب وزير الخارجية أو أي منصب رفيع له صلة بشؤون السياسة الدولية والاستراتيجية. وكانت «بورصة التكهنات»، منذ فوز ترامب المفاجئ، قد شملت خلال الأيام الماضية عددا من الشخصيات الجمهورية المرتقب إسناد المناصب الحساسة إليها، أبرزها إلى جانب بولتون، ميت رومني المرشح الجمهوري السابق أمام باراك أوباما في انتخابات 2012 والحاكم السابق لولاية ماساتشوستس، الذي وجه انتقادات قاسية ضد ترامب خلال الحملة الانتخابية، ورودي جولياني عمدة مدينة نيويورك الأسبق وأشد حلفاء ترامب تحمسا. وأيضا في خيار مفاجئ إلى حد ما جرى تداول اسم نيكي هايلي (44 سنة)، حاكمة ولاية ساوث كارولينا، وهي سيدة أعمال ومحاسبة تتحدر من أصول هندية سيخية واسمها الأصلي نامراتا رانداوا.
في حسابات الخبرة في الشؤون الدولية والاستراتيجية، يعد جون بولتون (68 سنة) المرشح الأوفر خبرة بين أصحاب الأسماء المطروحة لقيادة الدبلوماسية الأميركية للسنوات الأربع المقبلة. ويُعرف عن بولتون أنه أحد «صقور» الحزب الجمهوري المتشدّدين، وواحد من وجوه تيار «المحافظين الجدد» الذي ترك بصماته على السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش الابن بين العامين (2001 و2009). أما بالنسبة لقضايا منطقة الشرق الأوسط، فالمعروف عن بولتون، وهو الخبير في عدد من المراكز البحثية البارزة بواشنطن، أنه من كبار المدافعين عن إسرائيل وبالأخص سياسات اليمين فيها، ومن ثم، فهو أيضا يقف في صف أنصار إسرائيل الأميركيين اليمينيين المعادين لنظام طهران.
وحقا أنجز هذا المحامي، الذي انتقل مهنيا إلى عالم السياسة العديد من النجاحات في تحقيق أهدافه السياسية ودفع أجندته المحافظة المتشددة إلى الأمام غير أن فظاظته خلقت له العديد من الأعداء. وسجّلت له تصريحات كثيرة وصفت بأنها «غير دبلوماسية» سواء ضد إيران أو السلطة الفلسطينية أو كوريا الشمالية أو كوبا. ولطالما اتهمه الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس بأن لغته المنافية للأعراف والأساليب الدبلوماسية عرّضت لخطر الانهيار والفشل كثرة من المساعي التي كانت تقودها الولايات المتحدة. مع هذا، ترى أوساط مقربة من ترامب التقتها «الشرق الأوسط» أن الرئيس المنتخب، يميل شخصيا نحو تسمية بولتون ليكون على رأس الدبلوماسية الأميركية، مع أن بعض قيادات الحزب الجمهوري الأقل ميلا للمواقف الصدامية تفضل شخصية معتدلة مثل ميت رومني على الرغم من أن الأخير لم يسبق له أن خاض غمار العمل الدبلوماسي أو الشؤون السياسية الدولية. في أي حال، حين سئل بولتون عن احتمال ترشيح ترامب إياه لتولي حقيبة وزارة الخارجية، أجاب «لقد كان من دواعي الشرف لي أن أخدم بلدي في الماضي، وسيكون (هذا المنصب) شرفا لي مرة أخرى، لكن القرار الفصل سيظل قرار الرئيس المنتخب».
إيران وروسيا
كما سبقت الإشارة، يتبنى جون بولتون مواقف متشددة وعدوانية ضد كل من روسيا وإيران. وكان قد انتقد مرارا توجهات الرئيس باراك أوباما للدخول في تعاون محدود مع روسيا في كل من سوريا وإيران. وخلال شهادته أمام الكونغرس عام 2004، اتهم إيران صراحةً بالكذب مرارا حول اليورانيوم المخصب.
أكثر من هذا، دعا بولتون علنا للإطاحة بالسلطة الحالية في طهران، وقال صباح الخميس عبر شبكة «بريتبارت» اليمينية المتشددة التي يمتلكها ستيف بانون، الذي عيّنه ترامب أخيرا في منصب كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض: «الحل الوحيد على المدى الطويل هو تغيير النظام في طهران وآية الله (علي خامنئي) هو الخطر الرئيسي على السلام والأمن الدوليين في الشرق الأوسط». وأضاف بولتون في تصريحه: «لا أعتقد أن النظام (الإيراني) يتمتع بالشعبية إلا أنه يملك السلاح، وبالتالي، هناك طرق لمساعدة المعارضة، وهذا لا يشمل بالضرورة استخدام القوة العسكرية الأميركية، بل يكفي أن نساعد المعارضة لتغيير الحكومة». كذلك، في مقابلة سابقة، انتقد بولتون الرئيس أوباما لإحجامه عن بذل المزيد من الجهد لدعم احتجاجات «الحركة الخضراء» في إيران عام 2009.
غزو العراق.. وقصف إيران
وحقا، لم يكن هذا التصريح بالشيء الجديد في سياسات جون بولتون، المسؤول السابق بإدارة جورج بوش الابن الذي ساند بقوة – مع أترابه في تيار «المحافظين الجدد» – قرار بوش غزو العراق في عام 2003. كما أنه كان واحدا من مسؤولي الإدارة الذين روّجوا – عن اقتناع شبه كامل – التقارير التي تبين أنها باطلة عن امتلاك نظام صدام حسين برنامج أسلحة دمار شامل. وحتى بعد اكتشاف حقيقة أن نظام صدام حسين ما كان يمتلك أسلحة دمار شامل، ظل موقف بولتون على حاله، ولم يندم على ما حصل، إذ قال في تصريح له «ما زلت أعتقد أن قرار الإطاحة بصدام صحيح، إلا أن بعض القرارات المتخذة بعد هذا القرار كانت خاطئة، لكن أسوأ القرارات بعد عام 2011 على الإطلاق كان قرار سحب القوات الأميركية من العراق».
من ناحية أخرى، ناشد جون بولتون مرارا القيادة الأميركية مساعدة إسرائيل على قصف إيران أو على الأقل السماح لإسرائيل بأن تفعل ذلك بمفردها. ولقد تكررت تصريحاته بضرورة قصف الأهداف العسكرية الإيرانية، حتى إبان الفترة التي كانت إدارة أوباما تتفاوض فيها مع الجانب الإيراني حول البرنامج النووي. وواقع الأمر، أن بولتون وصف في عدة مقالات كتبها الاتفاق النووي مع إيران بأنه «أسوأ صفقة في التاريخ»، داعيا إلى «الامتناع عن التفاوض مع الإرهابيين» والتراجع عن الصفقة. ويقول المحللون إن تصريحات بولتون المتشددة ضد إيران تشير إلى «صقر المحافظين الجدد» والدبلوماسي اليميني المخضرم، القريب فكريا من الرئيس المنتخب ترامب، لن يخفف على الأرجح لهجته، ولن يتراجع عن وجهة نظره في السياسة الخارجية الأميركية، وبالتالي، قد تؤدي هذه المواقف إلى توترات ومشاحنات خارجية. كذلك يرى المحللون أن تولي جون بولتون حقيبة وزير الخارجية – إذا ما أسندها إليه ترامب – سيعني أن إدارة الرئيس المنتخب ستعمل على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني في وقت مبكر من عمرها.
في المقابل، ثمة محللون آخرون يلفتون إلى أن ترامب وإن كان قد وصف الاتفاق النووي الإيراني بـ«الكارثي»، وقال أيضا إنه «أسوأ صفقة تفاوضية من أي وقت مضى»، فإنه لم يشر صراحةً إلى العمل على إسقاط نظام طهران. ثم إن بعض أعضاء مجلسي الكونغرس أعربوا علانية عن تخوفهم من احتمال ترشيح بولتون، الذي يتطلب إسناد المنصب إليه موافقة الكونغرس، ولقد قاد السيناتور الجمهوري اليميني راند بول (من ولاية كنتاكي) هجوما مباشرا عليه، قائلا «إن شخصا دافع عن الحرب على العراق ولم يتعلم من الدروس المستخلصة من حرب العراق لا يجوز أن يكون وزيرا للخارجية».
ولكن، بينما يتساءل بعض المحللين السياسيين عن خلفيات احتمال إقدام ترامب على ترشيح جون بولتون لقيادة الدبلوماسية الأميركية، ثمة خبراء مطلعون يشيرون إلى أن الإجابة تكمن في المقربين من الرئيس المنتخب الذين ينصحونه هذه الأيام بانتقاء شخصيات الإدارة الجديدة، وأبرز المقربين من الرئيس المنتخب هو صهره جاريد كوشنر، المعروف عنه – كما يقال – أنه يحب بولتون ويعجب بمواقفه المتشددة من إيران، وكذلك من دعمه غير المشروط لإسرائيل. أيضا، يأتي التأييد لبولتون من ريبيكا ابنة الملياردير روبرت ميرسر، أحد أكبر ممولي حملة ترامب الانتخابية. وتجدر الإشارة إلى أنه إبان شغل بولتون منصب مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة لأقل من سنتين توحّد ضده الساسة الديمقراطيون، وعملوا على منع تعيينه لفترة طويلة. كذلك، اتسمت الفترة التي أمضاها في أروقة الأمم المتحدة بتنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة بين أعضاء السلك الدبلوماسي الدولي. وباختصار، يعد بولتون وفق كثيرين أحد وجوه السياسة الخارجية الأميركية «المكروهة» على الساحة الدولية.
بطاقة شخصية
يعد جون روبرت بولتون أحد الوجوه المعروفة في السياسة الأميركي؛ فهو محام ودبلوماسي عمل بالعديد من الإدارات الجمهورية وكان منصبه الأخير هو سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة من أغسطس (آب) 2005 إلى ديسمبر (كانون الأول) 2006 وعمل بعدها زميلا في معهد أميركان إنتربرايز ومستشارا بشركة كابيتال لإدارة الاستثمارات، ومعلقا في شبكة «فوكس نيوز»، وقد عمل مستشارا للسياسة الخارجية في حملة المرشح السابق ميت رومني. ويشارك بولتون في عدد من مؤسسات الفكر والرأي المحافظة مثل المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (KINSA) واللجنة الأميركية للحرية الدينية والرابطة الوطنية للبنادق (NRA) ومجلس السياسة الوطنية ورئيس معهد جايتستون.
ولد بولتون يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1948 في مدينة بالتيمور كبرى مدن ولاية ماريلاند، القريبة من العاصمة الأميركية واشنطن. وكان أبوه إدوارد جاكسون بولتون يعمل رجل إطفاء، بينما كانت أمه فرجينيا كلارا ربة منزل. ونشأ الصغير جون طموحا محبا للعلم، في بيئة شعبية من الطبقة دون المتوسطة، فحصل على منحة للدراسة في مدرسة ماكدونوه في مدينة اوينغز ميلز، ثم التحق بجامعة ييل العريقة، حيث نال منها درجة البكالوريوس بامتياز عام 1970، قبل أن يلتحق بكلية الحقوق الشهيرة فيها ويتخرج محاميا عام 1974. وكان بولتون خلال فترة دراسته في ييل صديقا حميما لقاضي المحكمة العليا المحافظ كلارنس توماس، وزميلا لكل من بيل كلينتون وهيلاري كلينتون أثناء دراستهما الجامعية في ييل.
ولكن قبل التخرج، وتحديدا عام 1969 بينما كانت حرب فيتنام مشتعلة تطوّع جون بولتون في الحرس الوطني التابع للجيش في ولاية ماريلاند (يومذاك كان التطوع في قوات الاحتياط أو الحرس الوطني وسيلة لتجنب الاستدعاء للخدمة العسكرية في ميدان القتال) وأمضى في الحرس الوطني أربع سنوات. ولقد كتب بولتون عن تلك الفترة: «أعترف أنه لم يكن لدي الرغبة بالموت في حقل أرز بجنوب شرقي آسيا، وكنت أرى أننا خسرنا بالفعل الحرب في فيتنام».
وبعد التخرّج، من عام 1974 إلى عام 1999، عمل بولتون في عدة مكاتب للمحاماة في العاصمة واشنطن، قبل أن ينضم عام 1997 إلى معهد «أميركان إنتربرايز إنستيتيوت»، أحد أهم مراكز الأبحاث المحافظة في الولايات المتحدة، ولاحقا، أصبح نائب الرئيس للبحوث السياسية، وعمل مساعدا لوزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر عندما عيّنه أمين عام المتحدة في حينه كوفي أنان مبعوثا شخصيا للصحراء الغربية.
وخلال فترات إدارتي رونالد ريغان وجورج بوش الأب تقلب بولتون في عدة مناصب داخل وزارة العدل وفي وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وإبان عمله مساعدا لوزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية (1989 - 1993) قاد بولتون محاولات ناجحة لإلغاء قرار الأمم المتحدة الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية. ولعب أيضا دورا بارزا في استصدار قرار من الأمم المتحدة لتأييد استخدام القوة لتحرير الكويت من الغزو العراقي.
ثم في عهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن عمل بولتون في إدارة ضبط التسلّح والأمن الدولي بوزارة الخارجية، وكانت من أهم مسؤولياته منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. وبعد ذلك، عين مندوبا (سفيرا) للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وهنا كان من أهم إنجازاته خلال الفترة القصيرة التي أمضاها بالمنصب معارضة المحكمة الجنائية الدولية ووضع المادة 98 لاستثناء المواطنين الأميركيين من المقاضاة أمام المحكمة (التي لا تعترف بها الولايات المتحدة)، ويومذاك، وقعت أكثر من 100 دولة على الاتفاقية لكن بولتون وصف قرار الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية بأنها أسعد لحظات حياته السياسية. ولكن من المفارقات، بالنسبة لشخصية جون بولتون، هذا الرجل المتشدد في سياساته، أنه رشّح في عام 2006 لنيل جائزة نوبل للسلام (!) غير أن الجائزة ذهبت ذلك العام إلى الدكتور محمد يونس وبنك غرامين لتعزيز الفرص الاقتصادية للفقراء.
أخيرا، بولتون متزوج من سيدة اسمها غريتشن ويعيشان في منطقة بيثيسدا بضواحي العاصمة الأميركية، ولديهما ابنة واحدة هي جنيفر سارة بولتون. ولقد ألف كتابا بعنوان «الاستسلام ليس خيارا» انتقد فيه إدارة بوش لتغيير أهداف سياستها الخارجية في بداية فترة الإدارة الثانية.
جون بولتون.. دبلوماسي متشدد يبحث عن دور
من رموز «المحافظين الجدد» وأحد معارضي الصفقة النووية مع إيران والمنادين بإسقاط نظامها
جون بولتون.. دبلوماسي متشدد يبحث عن دور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة