قاضي التحقيق وخبير الإرهاب الفرنسي: علينا التأهب لمواجهة «داعش 2»

بروغيير قال إن البغدادي سيقتل.. وبعده سيظهر «زعيم» آخر ليحمل لواء الإرهاب

القاضي جان لوي بروغيير («الشرق الأوسط»)
القاضي جان لوي بروغيير («الشرق الأوسط»)
TT

قاضي التحقيق وخبير الإرهاب الفرنسي: علينا التأهب لمواجهة «داعش 2»

القاضي جان لوي بروغيير («الشرق الأوسط»)
القاضي جان لوي بروغيير («الشرق الأوسط»)

دعا قاضي التحقيق الفرنسي في قضايا الإرهاب جان لوي بروغيير إلى التحضر للتعامل مع «داعش 2» الذي سيولد من رحم «داعش 1» بعد السيطرة على معاقل الأخير في الموصل والرقة والقضاء على «الخليفة» أبو بكر البغدادي. وتوقع بروغيير الذي كان حتى تقاعده في العام 2007 من أبرز قضاة التحقيق الفرنسيين في المسائل الإرهابية، أن يقتل البغدادي على أيدي معاونيه من داخل الدائرة القريبة منه أو على أيدي القبائل العربية التي أخذت بالتخلي عنه بعد علامات تهاوي «الخلافة» التي أعلنها في يونيو (حزيران) عام 2014 في مسجد الموصل.
وفي لقاء صحافي في باريس بمناسبة صدور كتابه «مسالك الإرهاب» «عن دار فايار»، اعتبر بروغيير أن موت البغدادي «لن يؤثر على قوة التهديد الإرهابي» لأنه بعد البغدادي «سيظهر أمير آخر» يحمل لواء الإرهاب ويبحث عن «أرض تطرف جديدة» تكون مؤهلة لاجتذاب المتشددين، مرجحا أن يكون ذلك في ليبيا أو بلدان الصحراء أو عدد من بلدان شرق أفريقيا وحتى بلدان في آسيا الوسطى أو جنوب شرقي آسيا. ولذا، فإن القاضي الفرنسي يحث المسؤولين والباحثين والأجهزة المعنية بشؤون الإرهاب على التفكير بما سيكون عليه «داعش 2» باعتبار أن بنية جديدة «لا بد أن تظهر لتحل محل البنية السابقة».
غير أن القاضي بروغيير يرى أن التهديد الإرهابي الآني والمباشر «ما زال اليوم على حاله لا بل إنه زاد مع الخسائر التي تنزل بداعش في سوريا والعراق وتقلص المساحة الجغرافية والسكانية التي يسيطر عليها».
وبحسب بروغيير فإن ما يجعله يتوقع أعمالا إرهابية قادمة مرده إلى قناعته بأن البغدادي، إزاء الهزائم التي تحل بقواته في سوريا والعراق على السواء بفعل الضغط العسكري المزدوج على جانبي الحدود السورية - العراقية: «سيسعى للرد على أعدائه عن طريق أعمال إرهابية كبيرة ومنظمة أو أعمال فردية في عقر دارهم تكون قوية التأثير وتشكل ضغطا على المسؤولين كما على الرأي العام». وإضافة إلى فرنسا وبلجيكا اللتين ضربهما إرهاب «داعش» في الأشهر الأخيرة، فإن القاضي الفرنسي يتوقع أن تكون الولايات المتحدة لأميركية وإيطاليا وألمانيا أهدافا «مفضلة» للعمليات الإرهابية اللاحقة. الأولى، بسبب دورها في التحالف الدولي، والثانية لأنها تحتضن البابوية ورمز المسيحية، والثالثة بسبب الكم الكبير من اللاجئين والمهاجرين الذين وصلوا إليها العام الماضي والعام الجاري. وعمليا، يرى بروغيير أن ثمة رابطا «عضويا» بين الإرهاب واللجوء بسبب «تسلل» إرهابيين لا نعرف عددهم بين صفوف اللاجئين الذين استقبلت ألمانيا ما يزيد على المليون منهم في العام الماضي وحده. ومن القرائن التي تجعل هذا الاحتمال واقعيا هو أن اثنين على الأقل ممن ارتكبوا العمليات الإرهابية الكبرى في باريس وملعبها الكبير في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2015 هما مواطنان عراقيان وقد وصلا إلى فرنسا من سوريا مع اللاجئين بهويات سورية مزورة وقاما بتفجير نفسيهما على مدخل الملعب الكبير بعد أن منعا من الدخول إليه بفضل يقظة أحد الحراس على الباب. وتظهر عملية حسابية بسيطة حجم الخطر الجاثم على صدر أوروبا بحسب القاضي الفرنسي الذي يعتبر أنه لو تسلل إرهابي واحد من بين كل ألف لاجئ، فهذا يعني أن هناك ما لا يقل عن ألف شخص يمكن أن يقدموا على ارتكاب أعمال عنفية في البلدان الأوروبية التي وصلوا إليها. بيد أن هذا التهديد يترافق مع تهديد آخر هو عودة الأوروبيين أو المقيمين على الأراضي الأوروبية من «ميادين الجهاد في سوريا والعراق» إلى أوطانهم، الأمر الذي يشغل بال المسؤولين السياسيين والأمنيين على السواء وهو ما تعكسه تصريحاتهم المتتالية. وبينت التحقيقات الأمنية والقضائية في فرنسا وبلجيكا وألمانيا أن غالبية من أقدم على أعمال إرهابية سبق له أن ذهب إلى تركيا وسوريا أو العراق أو كان على اتصال وثيق بـ«مشغل» يقيم في الموصل أو الرقة. وينبه بروغيير من «الإرهاب الرقمي» الذي يلجأ إليه «داعش» بمعنى اللجوء إلى الإنترنت كوسيلة مفضلة لديه لاجتذاب المتطوعين و«أدلجتهم» والتوكؤ على عمليات يصفها بـ«الهوليوودية» للتأثير على الرأي العام. ومن المتوقع أن يزيد الاعتماد على هذه «الأدوات» في حال خسارة القاعدة الأرضية للتنظيم ما سيدفعه إلى استغلال الإمكانيات الرقمية إلى أقصى حد. ويأخذ خبير الإرهاب الفرنسي على الحكومات الغربية «جهلها» بحقيقة التشدد والتدابير غير الكافية التي اتخذتها لمحاربته. وبالنسبة لفرنسا تحديدا الغارقة حتى الأذنين في الحملة التمهيدية للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الربيع القادم، فإن بروغيير يعتبر أن أيا من المرشحين «لم يتقدم بمقترحات كافية» لمحاربة هذه الظاهرة التي تحتاج لفهم عميق فيما التدابير المقترحة تقدم «حلولا آنية وليس استراتيجية بعيدة المدى». وبصورة عامة، يركز بروغيير على نقطتين أساسيتين في توصيف الظاهرة الإرهابية «الحديثة». الأولى، أنها بعكس الإرهاب القديم أي «إرهاب الدولة» الذي كان موجودا قبل العام 1989 والذي كان يتمتع بدعم دول محددة غالبيتها تقع خلف «الجدار الحديدي» الشيوعي، فإن الإرهاب الحديث تحول إلى إرهاب ينهض على «قاعدة آيديولوجية». والثانية، أنه منذ العام 1989. ورغم تعاقب الحركات والتنظيمات الإرهابية، فإن نهجا آيديولوجيا - استراتيجيا واحدا كان يقود كل هذه المجموعات وحتى «داعش» «لا تشذ» عن هذا الوعاء الآيديولوجي - التيولوجي - الاستراتيجي. ويؤكد بروغيير أن كتابه الذي يغوص في جذور الحركات الإرهابية استند إلى ما لا يقل عن 10 آلاف وثيقة وإلى تجربته وعمله لعشر سنوات قاضيا للتحقيق في المسائل الإرهابية. ومن الأمور التي يكشفها الكتاب أن أبو مصعب الزرقاوي بدأ منذ العام 2005 بدفع «المتطرفين» الأوروبيين للعودة إلى بلادهم وارتكاب أعمال إرهابية فيها. أما الذين كانوا يلتحقون بـ«القاعدة» في العراق، فإنهم كانوا يستخدمون بالدرجة الأولى في العمليات الانتحارية التي كانت تنفذ بالسيارات المفخخة وأن بعضهم كان يربط داخل السيارة حتى لا يلوذ بالفرار. ويكشف بروغيير أنه في الأسابيع التي سبقت اندلاع حرب العراق الثانية عام 2003 وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي عمد وزير الخارجية الأميركي كولن باول إلى استخدام معلومات حصل عليها من المخابرات الفرنسية حول أشخاص كان بروغيير قد استجوبهم في إطار عمله كقاض. لكن المفاجأة أن باول حورها لدعم النظرية الأميركية القائلة وقتها بوجود صلة بين التنظيمات الإرهابية ونظام صدام حسين، الأمر الذي ينفيه الخبير الفرنسي. وفي خلاصة الكتاب التي تمتد لعشرين صفحة، يرى بروغيير أن «داعش» «نجح في بث الذعر في قلوب الفرنسيين» بعد العمليات الإرهابية التي جرت على الأراضي الفرنسية وأن هدفه التالي هو دفع المكونات الدينية والطائفية للوقوف بوجه بعضها البعض عن طريق تغذية معاداة الإسلام وتحفيز الشعبوية لإحداث الانقسامات التي يريدها داخل المجتمع. لكنه يرى أن ما قام به «داعش» أدى إلى نتيجتين معاكستين لما يريده: فمن جهة، ألزمت السلطات العامة في أوروبا أن تجعل محاربة الإرهاب على رأس أولوياتها. ومن جهة ثانية، وقفت الجالية المسلمة بوجه «داعش» وآيديولوجيته والتحمت مع باقي المواطنين من غير أن يعني ذلك وقف الأعمال المعادية للإسلام أو «عقلنة» ردود الفعل عليها. لكن هذا لا يعني بتاتا، بالنسبة للكاتب، أن التهديد الإرهابي قد تراجع بل على العكس وهذا ما قد يأتي به القادم من الأيام.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».