قبل عام، ضربت باريس ومنطقتها عمليات إرهابية كانت الأعنف في تاريخ فرنسا الحديث، إذ أوقعت 130 قتيلا وعدة مئات من الجرحى، حيث أصابت فرنسا خاصة ومعها البلدان الأوروبية بالذهول، وبينت أن هذه الدول قد أضحت في عين العاصفة وارتبطت «إرهابيا» بما يصيب العالم العربي خصوصا سوريا والعراق من استقواء التنظيمات الإرهابية أمثال «داعش» وأخواته. ورغم حالة الطوارئ التي أعلنت على جميع الأراضي الفرنسية (وما زالت قائمة)، فإن الإرهاب ضرب بعد ذلك كثيرا من المرات، وأخطرها العملية التي أصابت مدينة نيس ليل 14 يوليو (تموز) بمناسبة العيد الوطني الفرنسي والتي حصدت 80 قتيلا والعشرات من الجرحى.
اليوم، ما زال التهديد الإرهابي جاثما على صدر فرنسا وعلى صدر بلدان أوروبية أخرى. ولعل ما قاله رئيس الوزراء مانويل فالس في حديث لمجموعة من الصحف الأوروبية يعكس الخوف من عودة الإرهاب إلى الشوارع الفرنسية والأوروبية، حيث الخوف الأكبر يتمثل في عودة «المتشددين» الأوروبيين إلى بلادهم من العراق وسوريا، وهم يقدرون بعدة آلاف، ناهيك بتهديد الخلايا النائمة أو «الذئاب المتوحدة». لكن فرنسا اليوم تحيي ذكرى ضحاياها جميعا. وبعد دقيقة صمت أول من أمس في ملعب باريس الكبير، حيث حاول إرهابيان جاءا من سوريا بهويات مزورة الدخول إليه لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، لكن حذر أحد رجال الأمن سمح بتلافي مجزرة كبرى.. عاد مسرح الباتاكلان حيث وقع أكبر عدد من القتلى إلى الحياة ليلة أمس عبر المغني البريطاني ستينغ الذي أحيا ذكرى الضحايا بحضور عائلاتهم في حفلة غنائية قصيرة. ونقل عن المغني الشهير قوله إنه «من المهم أن تعود صالة الباتاكلان مكانا لإحياء الحفلات الموسيقية بعد الذي حصل العام الماضي، إذ نحن بحاجة إلى العودة لممارسة حياة طبيعية». وجاء كلام منظم الحفل في السياق عينه، إذ إن الغرض إيصال رسالة مفادها بأن «إرادة الحياة أقوى من الإرهاب والموت».
واليوم يحين دور الرسميين الفرنسيين، حيث يقوم رئيس الجمهورية والوزراء وعمدة باريس بالانحناء أمام المسرح المذكور وكل الأماكن التي حصلت فيها العمليات الإرهابية في اليوم نفسه من العام الماضي. وحضرت أمس وزيرة الثقافة أندريه أزوليه الحفل الذي جمع نحو ألف و500 شخص.
من جانبها، أشارت وزيرة الدولة لشؤون الضحايا جولييت مياديل، إلى أن الاحتفال مناسبة للتذكر، وهي تتزامن مع إعادة تشغيل مسرح الباتاكلان. وأضافت الوزيرة أن واجب الدولة أن تعمل بشكل تجعل فيه مثل هذا الأمر ممكنا، بمعنى أن توفر الأمن والاستقرار حتى تعود الحياة طبيعية.
واقع الأمر أن العمليات الإرهابية أحدثت كثيرا من التغيرات في المجتمع الفرنسي ليس فقط لاستمرار تطبيق حالة الطوارئ، لكن أيضا عبر استصدار قوانين تعطي الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة وتضيق على الحريات العامة. لكن الأخطر فيها أنها جعلت مسلمي فرنسا تحت الشبهات، بالإضافة إلى ذلك فإنها قوت اليمين المتطرف الذي جعل من معاداة المسلمين قاعدة دعايته وخطابه السياسي، بل إن اليمين الكلاسيكي اعتمد كثيرا من حججه ما كان له تأثيره على الحياة السياسية الفرنسية. ويظهر هذا الأمر بوضوح من خلال الحملات الانتخابية التمهيدية لرئاسة الجمهورية، حيث الخطاب المتطرف أصبح علامة فارقة في الخطاب السياسي. ولم يتردد اليمين الكلاسيكي والمتطرف في اتهام السلطات بالعجز عن حماية المواطنين ومحاربة الإرهاب بشكل فعال، ما أدى إلى إضعاف صورتها وصورة اليسار الذي تمثله.
وكانت عمليات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قد أثارت موجة تعاطف واسعة مع فرنسا. كما أفضت إلى بروز حالة من التضامن والوحدة الوطنية. لكن الانقسامات الحزبية والحسابات السياسية تغلبت على ما عداها لتترك المجال مفتوحا أمام الجدل السياسي والاستغلال الانتخابي على نطاق واسع.
فرنسا تحيي ذكرى ضحايا الإرهاب وسط انقسامات سياسية واتهامات متبادلة
تفجيرات باريس أوقعت 130 قتيلاً وعدة مئات من الجرحى
فرنسا تحيي ذكرى ضحايا الإرهاب وسط انقسامات سياسية واتهامات متبادلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة