تتصاعد يوما بعد يوم حدة التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي، التي تسعى للفوز بعضويته، انتقالا من أزمة إلى أخرى منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي وتداعياتها التي انعكست في حملة تظهير واسعة طالت أكثر من 120 ألفا في مختلف قطاعات الدولة، وصولا إلى حملة توقيف نواب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد الذي يحظى بدعم أوروبي واسع، على اعتبار أنه جزء من الديمقراطية في تركيا وانعكاس للقضية الكردية التي تمر بنوبات تعثر الواحدة تلو الأخرى، ما عرقل وضع حل لها منذ عشرينات القرن الماضي.
وحشدت أنقرة جميع مؤسساتها للرد السريع على الانتقادات الموجهة من الاتحاد الأوروبي ودوله ومؤسساته للخطوات التي تقوم بها الحكومة التركية، في ظل وضع استثنائي فرضته حالة الطوارئ التي أعلنت في 21 يوليو (تموز) الماضي على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، لمدة ثلاثة أشهر، جددت لثلاثة أخرى، وقد يستمر تجديدها لفترات مقبلة.
وفي حين يدعو الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي وكذلك بعض الدول الأوروبية تركيا إلى العودة إلى طريق الديمقراطية، ويهدد بعض المسؤولين الأوروبيين بفرض عقوبات على تركيا، ترد أنقرة باتهام أوروبا بدعم الإرهاب، سواء كان متمثلا في حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة إرهابية، أو أتباع الداعية التركي فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب. أنقرة تعتبر أن الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يشغل نفسه بالشؤون الداخلية لتركيا، على الرغم من حقيقة أنها دولة تتفاوض معه لنيل عضويته، ودعا رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم المسؤولين الأوروبيين إلى الالتفات إلى أنشطة حزب العمال الكردستاني في «تجارة المخدرات»، على حد قوله، بدلا عن الانشغال بالمسائل القانونية في تركيا.
وقال يلدريم، الثلاثاء الماضي، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالبرلمان التركي في أنقرة: «أقول لأصدقائنا الأوروبيين الذين يساندون حزب العمال الكردستاني، دعوكم من الانشغال بالمسائل القانونية في تركيا، وتحدثوا عن تجار المخدرات التي يسممون بها مستقبلكم وشبابكم».
وتطرق يلدريم إلى توقيف نواب من حزب الشعوب الديمقراطي المعارض على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، وقرار الحزب تعليق مشاركته في جلسات البرلمان ولجانه، قائلا إن «احترام مؤسسات الدولة والسعي لسير أعمالها مهمة تقع على عاتق السياسيين أولاً، غير أن بعض نواب (الشعوب الديمقراطي) أرادوا خلق أزمة سياسية، وانتهزوا كل فرصة من أجل جر البلاد إلى الأزمات، كما ساند بعض نوابه حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب في سوريا».
من جانبه، اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ألمانيا بالسماح لحزب العمال الكردستاني وحزب جبهة التحرير الشعبي الثوري اليساري المتطرف بالعمل في الأراضي الألمانية دون أي عوائق.
وقال جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مع نظيره وزير خارجية البوسنة والهرسك في أنقرة، إن «حزب التحرر الشعبي الثوري وحزب العمال الكردستاني يقومان بأنشطة في ألمانيا، لكنها تدعمهما لأنهما ضد تركيا. ألمانيا هي أكثر بلد يدعم المنظمات الإرهابية ضد تركيا. ألمانيا تعتقد أنها بلد من الدرجة الأولى وديمقراطية من الدرجة الأولى، وأن تركيا من الدرجة الثانية. نريد أن تعاملنا كشركاء مساوين لها».
كما لفت إلى أن تركيا طلبت من سويسرا تسليمها إرهابيين اثنين تم ترحيلهما إلى ألمانيا، فضلاً عن أن تنظيم حزب جبهة التحرير الشعبي الثوري يواصل أنشطته في ألمانيا، وليس من الصدفة أن جميع الإرهابيين يفضلون ألمانيا، حتى إن الأخيرة فتحت أبوابها لأنصار فتح الله غولن.
جاء ذلك بعد أن اتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الخميس الماضي، ألمانيا بفتح ذراعيها منذ سنوات لأعضاء منظمات إرهابية تعمل ضد تركيا، واليوم نشعر بالقلق إزاء احتمال تحوّل ألمانيا إلى حديقة خلفية لمنظمة غولن، في إشارة إلى حركة الخدمة التي يتزعمها الداعية غولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب.
في الوقت نفسه، وجه الاتحاد الأوروبي نداء قويا لتركيا، لاستئناف الحوار السياسي مع المعارضة وحماية ديمقراطيتها، واصفًا التطورات الأخيرة في البلاد بأنها «مقلقة للغاية».
وقال بيان أصدرته مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، إن «الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يجددون إدانتهم لمحاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو، وعلى الرغم من اعترافهم بحاجة تركيا إلى اتخاذ إجراء متناسب، فإنهم يدعون تركيا إلى حماية ديمقراطيتها البرلمانية بما في ذلك احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والحريات الأساسية وحق الجميع في محاكمة عادلة، وأيضًا بما يتفق مع التزاماتها بوصفها دولة مرشحة» لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وأضاف البيان: «في هذا الصدد سيواصل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، متابعة وتقييم الوضع عن كثب، وهم مستعدون لمواصلة الحوار السياسي مع تركيا على كل المستويات في نطاق الإطار القائم».
كما طالب رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز السلطات التركية بالعودة إلى طريق الديمقراطية قبل فوات الأوان.
ووجه شولتز كلمة إلى إردوغان من العاصمة الألمانية برلين، قال فيها: «أدعو السلطات التركية إلى العدول عن الطريق الذي يمضون فيه والإمساك باليد التي تمدها أوروبا للحوار من أجل تدعيم الديمقراطية».
كما طالب شولتز بإنهاء الحملات القمعية التي تستهدف المعارضة، داعيًا إلى إصلاح العلاقات مع الغرب.
وأشار شولتز إلى أن الإرهاب والمواجهات المسلحة لا تبرر ملاحقة المعارضة علانية، مؤكدًا أن الإجراءات المتخذة ضد حرية الصحافة في تركيا مرفوضة ولا يمكن قبولها. وأضاف شولتز: «من يقمع حرية الصحافة يكون بهذا قد قتل الديمقراطية. والأحداث التي تشهدها تركيا حاليًا ليست مقلقة فقط بل مرفوضة في كل الأحوال».
وكان شولتز انتقد اعتقال السلطات التركية نواب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وبينهم رئيسا الحزب صلاح الدين دميرتاش وفيجن يوكسكداغ، قائلا إن الاعتقالات الحالية تبعث على الرعب حول مصير التعددية السياسية في تركيا.
وفي تطور لافت، شارك سفراء كل من بلجيكا والنمسا ولوكسمبورغ ونائب السفير النمساوي وممثل عن سفارة اليونان، ومندوبون عن سفارتي ألمانيا وإسبانيا، بالإضافة إلى مندوب عن سفارة فنلندا ووفد الاتحاد الأوروبي في تركيا في أول اجتماع للمجموعة البرلمانية لحزب الشعوب الديمقراطي بالبرلمان التركي، عقب اعتقال عشرة من نوابه، بينهم رئيسا الحزب المشاركان.
وتم خلال الاجتماع تلاوة رسائل بعث بها النواب الموقوفون من داخل السجون، وقال رئيس الحزب صلاح الدين دميرتاش في رسالته: «من يعتقدون أننا سنستسلم لهذه العتمة ينبغي لهم ألا ينسوا أن شمعة واحدة وعود كبريت واحد يكفيان لإنهاء هذه العتمة. أيا كان المكان الذي نوجد فيه وأيا كانت الظروف سنواصل التوهج مثل الشمعة كي ينعم شعبنا بالسلام في الغد الحر».
وتواصلت تداعيات التصريحات الحادة من جانب وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن الذي دعا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، بسبب التطورات الداخلية الأخيرة التي تشهدها البلاد، واصفا الاعتقالات الواسعة في تركيا بأنها تشبه ممارسات النازية.
وقال المتحدث باسم الخارجية التركية، حسين مفتي أوغلو، في بيان، إن لوكسمبورغ تتصدّر قائمة الدول الأوروبية الداعمة للإرهاب، وإنّ وزير خارجيتها لم يدرك بعد حجم التهديد الإرهابي الذي تواجهه تركيا في الوقت الراهن.
وردت أنقرة بحدة على تصريحات أسيلبورن التي قال فيها إن تعامل الحكومة التركية مع الموظفين الحكوميين المفصولين بسبب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي، تذكره بالأساليب التي استخدمها النازيون، وإن الاتحاد الأوروبي سيضطر إلى الرد على ذلك بفرض عقوبات عاجلاً أم آجلاً.
وقال وزير شؤون الاتحاد الأوروبي كبير المفاوضين الأتراك، عمر جليك، إن وزير خارجية لوكسمبورغ غير مطلع على التاريخ، وإن أفعال أنقرة ينبغي أن تقارن بجهود «حماية الديمقراطية أثناء الحرب ضد النازيين».
ومنذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي، اعتقلت السلطات التركية أو فصلت وأوقفت عن العمل أكثر من 120 ألفا من الموظفين الحكوميين من بينهم عسكريون وقضاة ومعلمون وصحافيون، فيما قال منتقدو الرئيس رجب طيب إردوغان إنها حملة لقمع أشكال المعارضة كافة.
ونُشرت أسماء الذين عزلوا من وظائفهم في الجريدة الرسمية التركية، ما قد يعني صعوبة عثورهم على عمل في أي مكان آخر، وتم إلغاء جوازات سفرهم، وبلغ عدد من تم حبسهم احتياطيا 37 ألف شخص، وسط حديث عن إعادة عقوبة الإعدام للتعامل مع المتهمين بالتورط في محاولة الانقلاب لعدم قدرة السجون على استيعابهم، ولأن الحكومة لا تريد إطعام «الخونة» في السجون.
وقال أسيلبورن إن هناك أشخاصًا جردوا من شهاداتهم الجامعية، وإن كثيرين لم يعد لهم مصدر للدخل. واشتكى بعض المعلمين المفصولين الذين كانوا العائل الوحيد لأسرهم من عجزهم عن إطعام أسرهم.. «أقول بوضوح إن هذه أساليب استخدمت خلال الحقبة النازية، وهذا تطور سيئ جدًا.. لا يمكن للاتحاد الأوروبي قبوله ببساطة».
واقترح فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، مشيرًا إلى أن 50 في المائة من الصادرات التركية تذهب إلى الاتحاد الأوروبي، و60 في المائة من الاستثمارات في تركيا تأتي من الاتحاد. وقال: «في وقت ما، لن يكون لدينا أي خيار سوى تطبيق العقوبات للتصدي للوضع غير المحتمل لحقوق الإنسان».
واتسع نطاق الانتقادات الموجهة إلى تركيا بسبب توقيف نواب حزب الشعوب الديمقراطي، وطالب كبير مستشاري الرئيس العراقي عبد اللطيف جميل رشيد في بيان السلطات التركية بإنهاء اعتقال رئيسي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي صلاح الدين دميرتاش وفيجن يوكسكداغ، والنواب الآخرين، إلى جانب زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان.
وارتفع عدد نواب حزب الشعوب الديمقراطي المعتقلين إلى 10 نواب، بعدما ألقت قوات الأمن القبض على نائب الحزب عن مدينة هكاري، نهاد أيدوغان، بينما أفرجت عن سري ثريا أوندر وضياء بير وإمام تاشتشيار.
ولم تقتصر ردود الفعل على الخارج، بل أثارت التطورات حالة من الانقسام بين أحزاب المعارضة التركية نفسها، واتهم رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة التركية) بلعب دور محامي الدفاع عن نواب حزب الشعوب الديمقراطي الموقوفين على خلفية التحقيقات الجارية معهم في عدد من قضايا الإرهاب، على حد قوله.
وقال بهشلي، أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه بالبرلمان، إن الجميع متساوون أمام القانون، وإن توقيف واعتقال عدد من نواب «الشعوب الديمقراطي» يعد خطوة صحيحة وضمن إطار القانون.
وأضاف: «حزب الشعب الجمهوري الذي يفتخر بتأسيس الجمهورية التركية يتخذ في هذه الفترة مواقف مؤيدة لمن يدعمون الإرهاب ويساندون المنظمات الإرهابية، وإنّ موقفهم هذا سيسجّل في الصفحات السوداء لتاريخنا السياسي، ولا يمكن التماس الأعذار لتبنّي حزب الشعب الجمهوري دور محامي الدفاع عن أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي المتهمين بدعم الإرهاب».
وكان حزب الشعب الجمهوري رفض اعتقال نواب حزب الشعوب الديمقراطي، وقال رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو، إن من جاء بصناديق الانتخاب ينبغي أن يرحل عن طريق صناديق الانتخاب وليس بالحبس والاعتقال.
أزمات داخلية في تركيا تشعل التوتر مع أوروبا
سفراء أوروبيون في اجتماع برلماني لـ«الشعوب الديمقراطي».. واتهامات حادة لألمانيا
أزمات داخلية في تركيا تشعل التوتر مع أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة