السياسة الخارجية.. وعود جديدة

أول تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب وشت بالتغيير

السياسة الخارجية.. وعود جديدة
TT

السياسة الخارجية.. وعود جديدة

السياسة الخارجية.. وعود جديدة

ظل الكثير من المعلقين والسياسيين لما يزيد على العام يصورون دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب، على أنه شخص متمرد يمكن أن يفسد كل شيء في العالم، مثلما تشير الدعابات المتداولة في الاتحاد الأوروبي، وأنه سيقود العالم كما نعرفه نحو الفناء. لقد ظهر الجزء الأكبر من خطاب ترامب في خضم الحملة الانتخابية الساخنة، وتم استخدامه سندًا لمساعدة هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي.
من هذا المنطلق كان جزءا من «الحرب الانتخابية»، مما يجعله مقبولا؛ لكن الآن بعد انقشاع غبار المعركة، بات من الممكن التكهن بسياسة ترامب الخارجية بهدوء، وذهن صافٍ. لقد قدم لنا ترامب مفتاحًا دلاليا خلال خطابه الأول بعد إعلان فوزه مساء الثلاثاء، حين قال: «سوف نتوافق مع كل الدول الأخرى التي ترغب في التوافق معنا». ولهذا التصريح أهمية كبيرة لأنه يشير إلى تحول في سياسة أوباما الخارجية، التي استمرت لثمانية أعوام، والتي كانت تقوم على عكس هذا المبدأ تمامًا، وهو: «إننا نحاول التوافق مع الدول الأخرى التي لم تكن راغبة في التوافق مع الولايات المتحدة الأميركية».
يعد أوباما، نتاج الثقافة السياسية، التي سادت في حقبة الستينات على هامش اليسار، والتي كانت تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها قوة «إمبريالية» حاولت أن تسيطر على العالم، وتسوده لمدة طويلة. وكان أوباما يعتقد أن مهمته هي كبح جماح الغوريلا الأميركية، التي يصل وزنها إلى 800 طن، ويساعد في إصلاح الضرر الذي أوقعته بضحاياها.
وبالنظر إلى ما قام به أوباما من «إعادة» تشكيل للعلاقة مع روسيا، سنجد أنها تمت عام 2009 في وقت أوضح فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا يريد «التوافق مع الولايات المتحدة الأميركية» من خلال تقويض «الجهود المشتركة»، التي أعلنت عنها موسكو وواشنطن، من أجل التوصل إلى حل للنزاع بين روسيا وجورجيا على أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا. وبحسب ما ذكرته هيلاري كلينتون في مذكراتها، أمر أوباما بمنح روسيا «شيئا ما كدليل على حسن النوايا».
وقد اختار بوتين - الذي كان قد انتهز الفرصة وضمّ الجيبين الجورجيين بنفسه - هذا «الشيء». وحتى آنذاك لم يكن عطش موسكو قد ارتوى بعد، لذا قامت بضمّ شبه جزيرة القرم، وصنعت جيبًا في شرق أوكرانيا، وتنمرت على جمهوريات البلطيق، وأقامت محورا مناهضا للولايات المتحدة مع ملالي طهران، وشاركت في الصراع السوري.
ما يعرضه ترامب حاليًا هو «التوافق» بشروط مقبولة من الطرفين، لا تنازلات من طرف واحد كما كان يحدث في سياسة أوباما الخارجية الضارة لأميركا. وكان للتنازلات، التي قدمها أوباما من طرف واحد، أشكال عديدة؛ حيث جاء بعضها على هيئة حضن ودود لهوغو شافيز، الرئيس الفنزويلي آنذاك، في وقت كان يتداعى فيه نظامه «الاشتراكي» تحت ضغط السخط الشعبي، والفشل الاقتصادي. كذلك جاء في هيئة رحلة إلى هافانا لإظهار الاحترام للأخوين كاسترو اللذين لم يقدما أي شيء في المقابل.
أما أبرز تلك التنازلات فكان ما يسمى بالاتفاق النووي الإيراني، والذي يعد أكبر عملية خداع دبلوماسي في التاريخ الحديث، حيث ساعد الملالي في الخروج من مأزقهم دون إلزامهم بتقديم أي شيء ملموس مقابل ذلك. كذلك أرسل أوباما هيلاري كلينتون، التي كانت وزيرة الخارجية حينها، إلى بورما من أجل تصوير ما يحدث على أنه عملية تحول ديمقراطي هي في الحقيقة عملية زائفة عززت من قبضة الحكم العسكري مع الحفاظ على واجهة مدنية هشة. وكانت الطريقة، التي تعاملت بها إدارة أوباما مع ما يسمى «الربيع العربي»، وعواقبه، وتحالفها المتقّطع مع جماعة الإخوان المسلمين، والوضع المأساوي في سوريا، تفوح بالفشل من كل جانب. وكانت كلينتون إما أنها طرف فاعل مشارك، وإما شريك صامت في كل هذه المواقف.
ما الذي يعرضه ترامب بدلا من ذلك؟
أولا يوضح ترامب أنه يتمنى التحول عن سياسة أوباما الخارجية تمامًا، حيث يقول إنه لن يلفّ العالم معتذرًا للجميع في شتى بقاع الأرض عن خطايا أميركا المزعومة؛ ولن يصرّ على تملق أعداء أميركا من الإسلاميين، كما فعل أوباما في خطابيه الكاذبين في كل من إسطنبول، والقاهرة. وربما يعلن ترامب عن أهدافه بوضوح، بينما يحرص أوباما على الغموض، نظرًا لانعدام خبرته الدبلوماسية.
ويقول أوباما إن هدفه هو «احتواء وإذلال» تنظيم داعش، بينما يقول ترامب إنه يريد «تدمير داعش كليًا». وفي حين يقول أوباما إنه يحاول إقناع إيران، وهو في الحقيقة يعني رشوتها، بـ«اتباع نهج معتدل»، يرى ترامب أن هذا سراب، ويقول: «سوف نفكك شبكة إيران العالمية للإرهاب تمامًا». وظل أوباما يردد لمدة سبع سنوات أنه يتعاون مع «شركائنا الصينيين» من أجل إقناع كوريا الشمالية بكبح جماح طموحاتها النووية.
وفي سوريا، أنفق أوباما أموالا هائلة على تدريب وتسليح جماعات متمردة عديدة، مثلما حدث مع المجاهدين الأفغان في الثمانينات، والتي ربما ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح من أعداء الولايات المتحدة الأميركية. في الوقت ذاته، دعا أوباما إلى تغيير النظام في سوريا، رافضًا فكرة عمل ملاجئ آمنة للمدنيين السوريين لحمايتهم من خطر الإبادة. ويتحمل قدرًا كبيرًا من المسؤولية عن معاناة الشعب السوري.
ويقول ترامب إنه سيبدأ باكتشاف «ما يحدث حقًا». وأقرّ قائلا: «نحن لا نعرف من هم حلفاؤنا، ومن هم أعداؤنا». كذلك أكد امتناعه عن «تدريب وتسليح متمردين لا نعرفهم ولا نسيطر عليهم». ويؤيد إنشاء «ملاجئ آمنة» ليمكث بها السوريون النازحون داخل سوريا بدلا من مواجهة الموت من أجل الوصول إلى أوروبا.
وفي الوقت الذي يفضل فيه أوباما التوافق اسمًا فقط مع حلف شمال الأطلسي مع عرقلة تقدمه على الأرض، يدعو ترامب إلى مراجعة نقدية لدور التحالف وموضعه في السياق الدولي الجديد. كذلك يصرّ ترامب على تقاسم العبء بعدالة داخل التحالف، خاصة فيما يتعلق بالتزام كافة الدول الأعضاء بتخصيص اثنين في المائة من إجمالي ناتجها القومي السنوي للدفاع. مع ذلك في الوقت الحالي، لا تقوم بذلك سوى دولتين من الدول الأعضاء البالغ عددها 28، وهما الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا العظمى، رغم أن بعض الدول الأعضاء أغنى منهما. وتدفع الولايات المتحدة الأميركية 75 في المائة من تكلفة عمليات حلف شمال الأطلسي، في حين تدفع كل الدول الأعضاء مجتمعة نسبة الـ25 في المائة المتبقية.
كذلك يقترح ترامب مراجعة شاملة لالتزامات الولايات المتحدة تجاه الدفاع عن 66 دولة حول العالم. وهذا الأمر جدير باهتمام أكبر. في الكثير من الحالات لا تكون هناك حاجة إلى تدخل أميركي، بينما قد يؤدي التدخل الأميركي في حالات أخرى إلى تصعيد حدة التوترات. كذلك من غير المنطقي أن تدفع الولايات المتحدة إيجارًا لقواعد أنشأتها لحماية حلفاء أكثر ثراء منها.
من المؤكد أن أميركا ليست قوة مرتزقة، لكن سيجعل نظام يقوم على تقاسم العبء من الأسهل حصول أميركا على دعم شعبي لدورها القيادي.
وقليلون هم من لا يوافقون على فكرة أن أوباما قد أضرّ كثيرًا بالعلاقات مع الكثير من الحلفاء المقربين، خاصة في الشرق الأوسط. ويقول ترامب: «لقد عامل الرئيس أوباما إسرائيل بشكل فظيع». ويقول إن هذا يصدق أيضا على مصر، وتركيا، ناهيك عن دول الخليج، وبريطانيا، وفرنسا، التي أهان أوباما قادتها علنًا.
ورغم تصويره على أنه قومي متعصب، يقول ترامب إنه يؤيد التطبيع مع كوبا شريطة حصول الشعب الكوبي على المزيد من النظام الذي يحكم بلادهم. كذلك يرى أن القرارات، التي يتخذها حلفاء أميركا، خاصة اليابان، وكوريا الجنوبية، فيما يتعلق بالعقيدة الدفاعية لكل منهما، هي شأنهم وحدهم، لا شأن واشنطن. كذلك يؤكد ترامب أنه قد يفضل أن تتولى الدول الأوروبية الحليفة لأميركا، مثل ألمانيا، القيادة في أي أزمات تؤثر على أوروبا، خاصة أوكرانيا، مع تقديم الولايات المتحدة الدعم الكامل لها.
في خضم الحملة الانتخابية، اتهم معسكر أوباما ترامب بالعمل سرًا مع الكرملين. مع ذلك، تعني العبارة الدلالية «التوافق معنا» إمكانية، بل ووجوب إصلاح العلاقات الأميركية مع روسيا، شريطة التوصل إلى تفاهم بشأن ما هو مقبول. وهذا هو النحو الذي ينبغي أن تكون عليه الدبلوماسية الصحيحة. ومن غير المرجح، على الأقل في ظل إدارة ترامب، أن تطعن الولايات المتحدة الأميركية حلفاءها في ظهورهم من أجل إرضاء أعدائها.
قد تكون عودة الولايات المتحدة كقوة قيادية قادرة وعازمة على الدفاع عن مصالحها المشروعة نبأ سارا للعالم أجمع.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».