تسبب فوز ترامب المفاجئ في صدمة في أوروبا التي تخشى من أن ينفذ الرئيس المنتخب وعده بـ«أميركا أولا» ما يؤدي إلى خفض العلاقات بين واشنطن وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والتي طبعت النظام السياسي الغربي منذ الحرب العالمية الثانية.
وبدأ الاتحاد الأوروبي العمل على تنفيذ خططه بتشكيل جيش أوروبي عقب قرار بريطانيا، البلد الذي يلعب دورا رئيسيا في الدفاع، الخروج من الاتحاد.
وبعد إعلان فوز دونالد ترامب علق الرئيس الفرنسي قائلا إن نجاح ترامب «فتح فترة من عدم اليقين». وقال هولاند في باريس، أمس الخميس، بعد محادثات مع رئيس الوزراء الدنماركي لوك راسموسن: «من المهم جدا أن يستعد الأوروبيون، في ظل هذا الوضع الجديد، للعمل معا بشكل واضح».
وقال هولاند إنه يتعين على أوروبا أن تعمل لتأمين حدودها الداخلية، وتعزيز تدابيرها الدفاعية والأمنية المشتركة. وأصابت نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لعام 2016، وصعود المشاعر المناهضة للمؤسسات في الديمقراطيات الغربية، بالتوتر القادة الأوروبيين مثل هولاند، الذي يكافح من أجل البقاء السياسي قبل انتخابات العام المقبل.
قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إن الاتحاد الأوروبي أصبح «قوة عظمى» لا غنى عنها للسلام العالمي، فيما تدرس أوروبا تبعات انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وأضافت في كلمة في وكالة الدفاع الأوروبية أنه «في الأشهر والأعوام المقبلة، أستطيع أن أقول: إنه في الساعات التي نعيش فيها يتزايد الطلب على أوروبا من جيراننا ومن شركائنا في أنحاء العالم.. ويتزايد الطلب على جهة توفر الأمن العالمي القائم على المبادئ وقوة عظمى تؤمن بالتعددية والتعاون».
وقالت موغيريني إنه «في المشهد العالمي المتغير، فإن أوروبا تصبح قوة لا غنى عنها بشكل متزايد». وأضافت: «هذا هو الوقت المناسب بحسب اعتقادي لتولي مسؤولياتنا والاستجابة للدعوة للأمن.. ولن نتمكن من القيام بذلك إلا إذا كنا وحدة حقيقية».
ودعا رئيس المفوضية الأوروبية جان - كلود يونكر مرارا إلى ضرورة تشكيل «جيش أوروبي» بينما نشرت موغيريني استراتيجية عالمية طموحة لتحويل التعهدات بزيادة التعاون إلى حقيقة.
وأثار انتخاب ترامب رئيسا للقوة الأولى في العالم والركيزة الأساسية للحلف الأطلسي قلق أوروبا، في وقت يعزز فيه هذا التكتل قدراته العسكرية بشكل غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بمواجهة روسيا فلاديمير بوتين.
وخلال حملته الانتخابية، لمح المرشح الجمهوري في تصريحاته إلى أن استمرار الالتزام الأميركي تجاه حلف شمال الأطلسي سيكون ضمن شروط.
وبغية طمأنة جيران روسيا الذين يشعرون بقلق إزاء موقف موسكو منذ بدء النزاع الأوكراني، قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن «لا تستمعوا لهذا الرجل، إنه لا يعرف ماذا يقول. أميركا لن تتوانى مطلقا في واجب الدفاع عن حلفائها».
ويقول فابيان زوليغ من مركز السياسة الأوروبية، وهو معهد أبحاث في بروكسل، إن «إدارة ترامب ستعزز النزعات الانعزالية في الولايات المتحدة» لافتا إلى تراجع قوة واشنطن أصلا بسبب المنافسة من دول ناشئة على غرار الصين.
وكدليل على الصدمة، أدى الإعلان عن فوز ترامب إلى سلسلة من ردود الفعل في أوروبا الأربعاء وتصريحات للأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ.
وقال الأمين العام للحلف «في مواجهة بيئة جديدة صعبة أمنيا (...) تبقى قيادة الولايات المتحدة أكثر أهمية من أي وقت مضى».
من جهته، سارع رئيس بولندا أندريه دودا إلى التذكير بوعود الولايات المتحدة بإرسال مزيد من القوات إلى بلاده لتعزيز الجبهة الشرقية لحلف شمال الأطلسي.
ومن المتوقع أن يقوم الحلفاء مطلع العام 2017 بنشر أربع كتائب كل منها نحو ألف رجل في لاتفيا وليتوانيا واستونيا وبولندا. وتلك التي ستنتشر في بولندا ستكون تحت قيادة الولايات المتحدة.
وبعيدا عن الالتزامات داخل حلف شمال الأطلسي، اعتبر دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي أن واشنطن «ليس لديها بكل بساطة أي خيار آخر» سوى مواصلة التعاون بشكل وثيق مع أوروبا.
وأضاف توسك وهو رئيس وزراء بولندي سابق «لا أعتقد أن بإمكان أي بلد يزعم بأنه قوي البقاء معزولا» في إشارة إلى شعار ترامب الانتخابي «استعادة أميركا عظمتها». ويقول أيان ليسر من معهد صندوق مارشال الألماني في بروكسل، كما جاء في تقرير وكالة الصحافة الفرنسية، إن الرئيس الأميركي الـ45 «ليس انعزاليا أكثر مما هو أحادي الجانب. فالسياسة الخارجية بالنسبة إليه تبدأ بالأمن الداخلي ويتم تطويرها وفقا لذلك».
ويبقى معرفة ماذا سيكون موقفه إزاء موسكو، وإذا كان سيلتزم بوعده خلال حملة الانتخابات إصلاح علاقة تدهورت إلى حد ما منذ بدء النزاع الأوكراني وضم شبه جزيرة القرم في مارس (آذار) 2014.
ولمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ذلك الأربعاء قائلا: «نحن مستعدون للقيام بكل شيء لكي تتطور العلاقات الروسية الأميركية بشكل مستقر (...) ما سيترك تأثيرا إيجابيا في العالم».
ووسط أجواء عدم اليقين هذه، يفضل البعض في الاتحاد الأوروبي (بينهم 22 من 28 دولة في الأطلسي) أن يرى فرصة للمضي قدما في النقاش الدائر حول أمن أوروبي أكثر استقلالية في مجال الدفاع والأمن.
وكان رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أعلن مساء الأربعاء في برلين أن «الولايات المتحدة لن تتولى الاهتمام بأمننا، إنها مسؤولية أوروبا. نحن بحاجة إلى اتحاد أمني». وبرلين إحدى العواصم التي تجري نقاشا بهذا الصدد مع باريس وروما ومدريد.
بدوره، قال دبلوماسي أوروبي إن النتيجة المفاجئة للانتخابات الأميركية من شأنها أن تعمل على تطوير موقف الدول الأكثر ترددا، في شرق أوروبا، حيال فكرة الدفاع الأوروبي. لكن هذه الدول المترددة تخشى أن يتحول ذلك إلى تنافس مع حلف شمال الأطلسي.
أوروبا قلقة من «أميركا أولاً»
عدم وضوح في علاقاتها مع واشنطن لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية

مقاتلات من دول الناتو تقوم بطلعات فوق البلطيق (رويترز)
أوروبا قلقة من «أميركا أولاً»

مقاتلات من دول الناتو تقوم بطلعات فوق البلطيق (رويترز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة