فيما ردت قوات البيشمركة الكردية العراقية مقاتلي تنظيم داعش أمس، من بلدة بعشيقة الاستراتيجية القريبة من مدينة الموصل العراقية، ولكن حذروا السكان الذين فروا من البلدة من التسرع في العودة إليها، لأن الطرق والمنازل قد تكون مفخخة. وطردت قوة قوامها ألفا مقاتل من المتشددين من البلدة التي تقع في سهول نينوى على بعد نحو 15 كيلومترا من الموصل.
حررت قوات مكافحة الإرهاب والجيش العراقي، قضاء الحمدانية (قرقوش) الذي يقع على بعد نحو 27 كيلومترًا جنوب شرقي مدينة الموصل،في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إطار عملية «قادمون يا نينوى» لتحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش الذي يسيطر عليه منذ أكثر من عامين وأربعة أشهر.
وقد تجول مراسل «الشرق الأوسط» في الحمدانية التي أصبحت مدينة شبه مدمرة، فتنظيم داعش دمر أسواقها ومبانيها الحكومية وغير الحكومية، وحول غالبية الأبنية في هذه المدينة بعبواته الناسفة ومتفجراته إلى رماد، وأحرق كنائسها ومنازل سكانها بعد أن نهب ما فيها من محتويات ثمينة.
قوات شرطة محافظة نينوى هي القوة التي تمسك الأرض في المناطق المحررة من الموصل، بعد تحريرها من قبل قوات الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب، فيما تواصل فرق الهندسة العسكرية عملية تطهير هذه المناطق من العبوات الناسفة والمتفجرات التي فخخ بها التنظيم كل جزء من أجزاء هذه المناطق، قبل الفرار منها.
رافقنا في جولتنا محمد، أحد أفراد قوات شرطة نينوى، الذي طالبنا بالتحرك بحذر تجنبا للتعرض إلى انفجار ما بسبب عبوات «داعش» الناسفة، وأبلغنا بتتبع خطواته حيث بدأ يسير أمامنا ونحن خلفه، وشرح لنا حجم الدمار الذي لحق بمدينته، وكيف كانت قبل احتلالها من قبل التنظيم، وكيف تحولت إلى «خرابة».
وفي أثناء التجوال في الحمدانية، لم أجد منزلاً واحدًا سليمًا، فكل المنازل تعرضت للحرق والتدمير من قبل مسلحي «داعش» الذين فروا منها إلى داخل حي الانتصار، أحد أحياء الموصل التي حررت قبل أيام من قبل القوات العراقية.
المدينة التي كان يسكنها قبل أن يحتلها «داعش» غالبية مسيحية، إلى جانب بعض المكونات الأخرى، أصبحت اليوم خالية من سكانها الذين يجدون صعوبة في العودة إليها، لانعدام الخدمات الرئيسية فيها، ولاستمرار عملية تطهيرها من المتفجرات، فقد دمر التنظيم الإرهابي البنية التحتية في المدينة، بحسب كلام المسؤولين العراقيين في الحمدانية.
شعارات تنظيم داعش وأسماء قادته وأمرائه تغطي غالبية جدران مباني المدينة؛ شعارات تحث على العنف والإرهاب والطائفية، وأخرى تظهر سيطرة كل قائد من «داعش» على حي من أحياء الحمدانية، وكتابة اسمه على جدرانه كدليل على أن هذا الشارع ملك له.
وعن سبب وجود أسماء قادة التنظيم على هذه الجدران، كشف لنا أفراد القوات الأمنية العراقية عن أن كل قيادي محلي من «داعش» يعطي مبلغًا ماليًا كبيرًا لأحد قادة التنظيم البارزين مقابل امتلاك حي من الأحياء الخاضعة للتنظيم التي يوجد فيها ذلك القيادي المحلي الذي يبدأ بعد نيل الموافقة من مسؤوله بنهب كل منازل ومحلات ذلك الحي بالكامل وبيعه.
والحمدانية حالها حال المدن العراقية الأخرى المحررة من «داعش» لم تخل من الأنفاق التي يحفرها التنظيم بشكل مكثف تحت المنازل. وأبرز هذه الأنفاق أنفاق طويلة لها كثير من المداخل والمخارج، وتنتهي في مناطق خاضعة للتنظيم في الموصل، الذي هيأها بحيث يمكنه الاختباء فيها لوقت طويل تجنبًا لغارات التحالف الدولي وقصف القوات العراقية، وأصبحت غالبية منازل هذه المدن تقع على شبكة من الأنفاق التي حفرها التنظيم بمحركات خاصة بحفرها.
ويعتمد التنظيم بشكل رئيسي في معاركه مع القوات العراقية على العبوات الناسفة، ويستخدم في صناعتها تقنيات متنوعة، إضافة إلى العجلات المفخخة والقناصين، وهو يتحصن داخل الأنفاق التي حفرها في المناطق الخاضعة له. وبحسب الجنود العراقيين، فإن غالبية هذه الأنفاق أنفاق طويلة وعريضة بحيث يتسع البعض منها لمرور العجلات.
قائمقام قضاء الحمدانية، نيسان كرومي رزوقي، الذي كان موجودا في وسط القضاء في أثناء تجولنا فيه، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن أوضاع القضاء وعملية تحريره، قائلا: «ما زالت هناك بعض الأماكن داخل الحمدانية غير منظفة حتى الآن. وبسبب الأنفاق التي حفرها التنظيم في هذه المدينة، قد يكون هناك إرهابيون مختبئون فيها، لكن القوات الأمنية تواصل عملية تمشيط وتطهير هذه المدينة من العبوات الناسفة، وما زالت هناك أحياء لم تصل إليها الفرق الهندسية بعد لكبر مساحة القضاء».
وشدد رزوقي على أن عودة سكان الحمدانية إلى مناطقهم تحتاج إلى وقت طويل، إذا لم يكن هناك دعم من الحكومة الاتحادية والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية، مضيفًا أنه «لحقت بالحمدانية أضرار كبيرة جدًا، حيث دمر التنظيم جميع المؤسسات الحكومية والدور السكنية والمحلات التجارية والكنائس والأديرة، حتى أن نسبة الدمار في المدينة تصل إلى نحو 80 في المائة»، لافتا إلى أن «أول خطوة نخطوها بعد التحرير هي إزالة مخلفات الحرب، ومن ثم توثيق الأضرار التي لحقت بالقضاء والمناطق الخاضعة له».
ودعا قائمقام الحمدانية إلى اعتبار الحمدانية والمناطق التابعة لها مناطق منكوبة، وإيصال المساعدات إليها، مع العمل على تأهيلها وإعادة الحياة إليها، بما يتناسب مع حجم الأضرار.
مدينة الحمدانية مدمرة وخالية من السكان بعد «داعش»
«الشرق الأوسط» تجولت في شوارعها * {البيشمركة} تستعيد السيطرة على بعشيقة وتحذر الأهالي من الطرق المفخخة
مدينة الحمدانية مدمرة وخالية من السكان بعد «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة