إشكالات الحبكة في رواية «سماء قريبة من بيتنا»

مشهدية الرواية تغطي عشرة بلدات

شهلا العجيلي.. وفي الإطار غلاف الرواية
شهلا العجيلي.. وفي الإطار غلاف الرواية
TT

إشكالات الحبكة في رواية «سماء قريبة من بيتنا»

شهلا العجيلي.. وفي الإطار غلاف الرواية
شهلا العجيلي.. وفي الإطار غلاف الرواية

تكتظ رواية «سماء قريبة من بيتنا» لشهلا العُجيلي بالشخصيات والوقائع والأحداث، كما تحتشد بالثيمات الرئيسية والثانوية، لكنها تفتقر في الوقت ذاته إلى الحَبْكة التي تُنظِّم إيقاع الرواية الداخلي وتُنسِّق أحداثها المتسلسلة أو المتداخلة على وفق «مبدأ السببية»، كما يذهب الناقد والروائي الإنجليزي فورستر. فليس بالضرورة أن تتوسّع مشهدية الرواية لتغطّي عشرة بلدان في أقل تقدير. المهم أن تكون البنية المعمارية رصينة ومحبوكة حَبْكًا جيدًا، لا يتيح للترهّل أن يتسلل إلى أنساقها السردية، فالزيادة قد تضرّ أكثر من النقصان أحيانًا. ورواية شهلا آنفة الذكر مترهلة، وتحتاج إلى تشذيب يحرِّرها من وطأة الشخصيات الفائضة عن الحاجة، وينقذها من تفجّر الوحدات الأرسطية الثلاث «الزمان والمكان والحدث» إلى أكثر مما تحتاج إليه اشتراطات النص الروائي الناجح.
كان بإمكان شهلا العُجيلي أن تكتفي بثيمتين أساسيتين لبناء هذا النص السردي، وهما مرض السرطان الذي أصاب بطلة النص وراويته الدكتورة جُمان بدران واحتلال «داعش» مدينة الرقّة السورية التي تعيش فيها أسرتها المكونة من أبيها المهندس سهيل بدران وأختيها سلمى وجُود الذين تركتهم في مثلث الخطر والمعاناة والإرهاب. أما الثيمات الفرعية فهي كثيرة بمكان وكافية لإضاءة طريقة تفكير الشخصيتين الأساسيتين اللتين تناصفتا البطولة وهما د. جُمان وحبيبها ناصر العامري. غير أن شهلا لم تترك أحدًا من خالات جُمان وعمّاتها إلا وزجّته بطريقة ما في الأنساق السردية للرواية. فما الذي أضافه زواج عمّتها «لمياء» من حسن شرّاد، صاحب إحدى أشهر صالات السينما في شارع السعدون ببغداد، إلى حَبكة النص؟ أو ما الذي أحدثه هروب عمتها «ليلى» مع مدلّكها «صادق» من تغيير في بنية الرواية التي تسير في اتجاهين مُحددين وهما المرض والإرهاب؟
لا بد من الإقرار بأن العجيلي قد وُفقت في اختيار الشخصيتين الرئيسيتين اللتين أسندت لهما دور البطولة. فجُمان بدران دكتورة متخصصة في الأنثروبولوجيا الثقافية، وقد شاركت في بعض المؤتمرات العالمية في عدد من العواصم العربية. وفي واحدة من سفراتها تعرّفت على الدكتور ناصر العامري، الخبير الدولي في المناخ والجفاف الذي جاء إلى عمّان بسبب وفاة والدته. تتعاطف معه جُمان وتعطيه رقم هاتفها النقّال على أمل اللقاء في الأيام المقبلة. ثم تتكشّف لنا أعماق الشخصيتين تباعًا. جُمان لم تتزوج بعد، لكنها كانت متربطة بصديقها «سامي» الذي أدخل البهجة إلى قلبها، لكنها انسحبت من حياته، لأنه ببساطة لم يكن ذكيًا، ولم يقرأ أي كتاب غير كتبه المدرسية، وقد قُتل في مواجهة مسلّحة بين الجيش النظامي والحرّ في ريف حمص. ثم تعود بنا إلى طفولتها حينما كان أهلها يتحدثون عن حرب في بلادٍ بعيدة يتفاقم فيها القتل والتنكيل والإذلال، ولم تكن تتصوّر أبدا أن تلك البلاد البعيدة سوف تكون بلدها ذات يوم. ثم تنعطف أكثر لتضعنا في صُلب الحدث الروائي لتقول بأن الحكومة السورية تخلت عن «الرقّة»، وسلّمتها إلى جماعات متطرفة «كما تُسلّم عَظمة إلى كلب»، وأنها لا تفرّق بين هذه الجماعات الوحشية المتطرفة، لأنهم جميعًا يساوون الخراب بالنسبة إليها مع أن الفروقات واضحة وكبيرة بين أهداف الجيش الحرّ، وجماعة النصرة، و«داعش»!
أما ناصر العامري فهو فلسطيني لا مدينة له. وقد مضى على خروج جده وأبيه من حيفا نحو ستين عامًا حيث لجأوا إلى بيروت ثم انتقلوا إلى عمّان. درس ناصر في جامعة سانت بربارا بكاليفورنيا، وتزوج من «كورين»، عالمة سلاحف أنجبت له ثلاثة أطفال ثم طلبت منه الطلاق لأنهما مُختلفان وأنّ فروقهما ماثلة في العقل. وعلى الرغم من هشاشة سبب الطلاق يترك أميركا كلها وينتقل إلى مركز الدراسات الجغرافية في دبي التي يشعر بها مدينته الآن، لأنها توفر له العيش الكريم.
بدأ ناصر يحبها، لأنّ رأسها مليء بالأشياء الجميلة، كما بدأت تميل إليه على الرغم من سنواته الخمسين ووقوفه على عتبة الكهولة. تلتقي جُمان في واحدة من زياراتها إلى مخيّم «الزعتري» في الأردن بضاربة الوَدَع التي تقرأ لها طالعها وتكشف مصيرها الشخصي برمته حين تقول لها: «ستُصابين بمرض خطير، وإن نجوتِ منه، فستعيشين طويلا» (ص134)، وبعد عدة أيام ينتابها السُعال فتقلق، وحينما تذهب إلى الطبيب يكتشف أنها مُصابة بسرطان الغُدة اللمفاوية الذي يتطلب علاجًا كيماويًا سوف يستمر لثمانية عشر شهرًا قبل أن تطوي صفحته وتشفى منه نهائيًا. وفي أثناء هذه المرحلة العصيبة لا تجد بجوارها إلا ناصر الذي يتخلى عن كل شيء، لينام معها في البيت، ويرافقها في جلسات العلاج ويحْلِق ما تبقى من شعر رأسها المتساقط، لأنه اكتشف فيها «غِلمة بدائية توقظ الشهوات المستغرقة في نومها، غِلمة (غايا) الأرض» (ص191).
يتيح هذا المرض المخيف لخالقة النص أن تغوص في أعماق شخصية جُمان التي تُرسِّخ لدى القارئ أفكارًا كثيرة أهمها «الوحدة والنأي عن الأهل والوطن». إن الاشتغال على هذه الفكرة وسواها من الأفكار المؤازرة كان بإمكانه أن ينقذ الرواية من استطالاتها الزائدة التي أربكت الحَبْكة، وشوهت بنيتها الداخلية العميقة بقصص وحكايات جانبية كانت أشبه بالأدغال الضارة في جُنينة ورود جميلة ومنسّقة.
تحفل الرواية باستعادات ذهنية كثيرة بعضها يصبُّ في خدمة البنية الروائية، وبعضها الآخر يثقل كاهل النص غير المشذّب. فالدكتور يعقوب الذي كان سببا في شفاء كثير من المرضى تعرفه جُمان في طفولته، لكنها لم تواجهه بهذه الحقيقة، وظلت تتابع أخباره بواسطة مريضة أخرى تُدعى هانوي أو «هانية» التي ستقع في غرامه وتغيظ جُمان من دون أن تتقصد ذلك. تتناسل هذه الاستعادات الذهنية لنتعرّف على الرفيق الفلسطيني أيمن ثابت الذي أحبّ «يان»، وتزوج بها بعد المعركة النهائية لتحرير فيتنام عام 1973 لتنجب له «هانية» التي تشفى من السرطان أيضًا، لكنها تموت في حادث مفجع.
كان بإمكان شهلا أن تشذب قصة سلمى، شقيقة جُمان، التي سافرت إلى مسقط، وخاضت مغامرة حُب إبراهيم، لكنها تزوجت بالمهندس الزراعي «نسيب» الذي قرر الهجرة إلى السويد، لكنه مات غرقًا قبالة سواحل ميندوزا وطرحت من خلالهما أكثر من فكرة تتعلق بالبقاء أو اللجوء، وكيفية تعامل السلطة مع اللاجئين مستقبلاً. أما الشقيقة الصغرى جود فقد أحبّت معلّم الموسيقى «هاني»، لكنها لم تستطع الاقتران به، لأنه عاد إلى طرطوس ليقتل زوجة أخيه ويُحكَم عليه بالإعدام. ثم نفاجأ بـ«جود» التي ترتبط بالإرهابي الأفغاني «روح الأمين»، ليبكيها الوالد أكثر مما بكى في أثناء وفاة زوجته أو في مرض ابنته جُمان، أو في غرق صهره «نسيب» في مياه المتوسط، لأنه كان يعلم علم اليقين بأنه لن يرى «جود» ثانية.
اختطاف الأب سهيل بدران من قبل جماعة إرهابية خطيرة، ومطالبتهم بفدية مالية كبيرة وإخلاء سبيله بعد بضعة أيام يخدم طبيعة النص وفضاء الإرهاب الذي خيّم على مدينة «الرقّة»، وكان يستوجب من الروائية شهلا العُجيلي أن تطوّره وتوسّع مداراته بدلاً من التشظيات اللامجدية لشخصيات وأحداث ثانوية ما كان لها أن تؤثر لو حذفناها من الأنساق السردية في هذا النص الروائي الذي وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لعام 2016!



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.