إلى أي مدى يظهر التشابه ما بين النازية وتنظيم داعش؟ ما بين النازية التي تستخدم ميثيولوجيا متطرفة قائمة على العرق الآري، وتنظيم داعش الذي يستقطب مناصرين باسم الدين. وهو ما تطرق إليه محمد الشيمي، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة حلوان في كتابه حول «التمويل الدولي لتنظيم (داعش)»، إذ عقد مقارنة ما بين النازية من حيث اعتبارها العرق الآري هو الوحيد الذي يستحق الحياة بعيدًا عن أي محاكمة على النسق الثقافي والسياسي الأوروبي، وما بين اعتبار «داعش» الدين «على الطريقة الداعشية» وحده الدين الصحيح، وقد تشكل التنظيم على قالب يناسب البيئة الشرقية التي من السهل أن يتم استقطاب شبابها عبر شعارات دينية وامتيازات جاذبة.
الواقع أنه ظهرت أخيرًا خطابات وتصريحات من سياسيين وعسكريين عدة تشي فيها إلى وجود خصائص متشابهة ما بين النازية وتنظيم داعش سواء على الصعيد الآيديولوجي أو الاستراتيجي. إذ ذكر اللواء المتقاعد بالجيش الأميركي أنطوني تاتا: «أن ما يقوم به (داعش) هو استغلال قوة المعلومات، وهو ينجح من خلال ذلك بتجنيد عناصر من بريطانيا والولايات المتحدة وتدريب الأطفال على السلاح، وما يخطر في ذهني هنا هو ما كانت تفعله ألمانيا النازية، وقد تعلم التنظيم من كل (أشرار التاريخ) وهو يحاول تكرار أفعالهم». بينما اعتبر عضو البرلمان البريطاني من حزب العمل دان جارفيز تنظيم داعش بأنهم «فاشيو زمننا هذا». وفي سياق آخر يظهر سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تشكيل تحالف كبير بين الدول لمحاربة تنظيم داعش، كالذي شكل خلال الحرب العالمية الثانية لإلحاق الهزيمة بالزعيم النازي الألماني أدولف هتلر، كما ذكر في تصريحه، ليعزز تلك المقاربة ما بين النازية وتنظيم داعش لا سيما في حاجة العالم للقضاء على آفة تتغلغل وتنشر الدمار والقتل، ليصبح الصراع الجديد ما بين العالم والتنظيمات الإرهابية.
* خصائص نازية لدى «داعش»
تتدرج الخصائص المتشابهة ما بين النازية وتنظيم داعش بدءًا بتفاصيل بسيطة تظهر تأثرًا بالنازية، ويظهر من جهة أخرى تشابه في معالجة الآيديولوجيات المتطرفة وإقناع الآخرين بها عبر التلقين وعبر وسائل إعلامية مؤثرة. وقد ظهر في أكثر من مقطع تسجيل مرئي تابع للمكتب الإعلامي لـ«ولاية الفرات في العراق» أعضاء لتنظيم داعش وهم يرتدون زيًا عسكريًا ويقومون بإلقاء التحية النازية أو ما تسمى بتحية هتلر، وهي التحية الرسمية في فترة ألمانيا النازية وهي عبارة عن مد الذراع اليمنى إلى أعلى بشكل مستقيم بهدف إظهار الطاعة والولاء للزعيم وتمجيد النازية. إلا أنه يظهر وجود ارتباط بالأعراف والتقاليد الرومانية فيما قبل ذلك. كذلك تظهر أحداث غريبة غير مرتبطة تقاطعًا ما بين النازية والداعشية. إذ أشار الجيش المصري إلى أن مسلحين ينتمون لتنظيم داعش استعملوا ألغامًا ألمانية قديمة في هجماتهم المستهدفة مصر، وذلك إثر العثور على مخزون أسلحة دفن في فترة ألمانيا النازية، وإن كان ذك قد لا يظهر إلا توجهًا ميكافيلليًا للتنظيم في الحصول على أي موارد بغض النظر عن مصدرها في سبيل تحقيق الأهداف. ولقد ظهرت عدة تقارير تعقد مقاربة ما بين النازية و«داعش» في تقرير للباحث فرانسيسكو خوسيه هيرنانديز، من معهد إسبانيا للدراسات الاستراتيجية، الذي أشار إلى أوجه الشبه فيما يخص تعظيم القائد للتأثير على الآخرين، وتضخيم الأهداف المرجوة واستخدام نظم دعائية قوية تسعى إلى التغلغل القوي.
* القائد والتطهير العرقي
والمعروف أن النازية حرصت على تعظيم هتلر وتصويره وكأنه المنقذ الوحيد لألمانيا وأيضًا يقابل ذلك تضخيم شخصية أبو بكر البغدادي واعتباره يمثل «خليفة» الدولة الإسلامية المزعومة، له مطلق السمع والطاعة، ليستسلم الأعضاء إلى الخضوع التام في كل من النازية والداعشية للسلطة والقيادة العليا التي تأتي بدور الخلاص والمنقذ الوحيد من عالم يخالف قيمهم ولا بد من القضاء عليه.
ثم هناك تعظيم المواطن المثالي الذي ينتمي للعرق الآري وشيطنة كل من يخالف ذلك كاليهود والغجر، يقابل ذلك اعتبار من يؤمن بالتعاليم الشرعية المتطرفة لـ«داعش» وحده المسلم الحقيقي، وشيطنة كل من يخالف ذلك كالشيعة والمسيحيين واليهود. وتجريم الآخر سواء من يخالف العرق الآري أو التوجهات الدينية لـ«داعش» يؤدي إلى محاكمة وحشية وعدم التورع عن القتل والتعذيب دون أي تعاطف مع الآخرين، وقد يكون ذلك نتيجة الاستمرار في إقناع أفراد التنظيم بأن الوحشية والقتل أمر طبيعي، فالآخر يستحق ذلك، كما أن تلك العمليات هي من أجل تحقيق الغاية المرجوة، وإن تطلب ذلك قتل النفس بحزام ناسف.
وبالطبع أدى التضخم النرجسي العرقي أو الديني والرغبة في إيجاد «المواطن المثالي» أو «المجاهد الشجاع» إلى الوصول إلى مراحل متقدمة من التجرد من الإنسانية، الأمر الذي أدى إلى ظهور عملية التطهير العرقي بهدف التخلص من أعباء المسؤولية تجاه المعاقين سواء عقليًا أو بدنيًا. وكان شاع لدى الحركة النازية حقن ذوي الإعاقة بعقاقير وانتظار نتائج ذلك مع إبقاء للأشدّاء والأصحاء بدنيًا وعقليًا. وتجاوز عدد الأطفال الذين قتلوا في حقبة هتلر 5 آلاف طفل ما دون السادسة عشرة من ذوي الإعاقة العقلية أو البدنية تحت مسمى «الموت الرحيم».
ويظهر التوجه ذاته لدى تنظيم داعش عبر فتوى أصدرها «أبو سعيد الجزراوي» تقضي بقتل الأطفال المصابين بأي إعاقة كمتلازمة داون، ويتضمن ذلك المواليد الجدد والرضع من تنظيم داعش. وقد نتج عن تلك الفتوى فور إطلاقها قتل 38 من الرضع تتراوح أعمارهم ما بين أسبوع إلى 3 أشهر عبر حقنهم بمواد قاتلة أو خنقهم، وهم نفسهم أبناء للمقاتلين في التنظيم. فكيف بإمكان تنظيم القدرة على إقناع أعضائه بالتصرف بكل تلك الوحشية وعدم التورع بقتل أطفالهم هم؟ يظهر دور الحملات الدعائية الشرسة التي تسعى للاستقطاب، وفي حال تم التجنيد هناك عملية تلقين قوية تستهدف الأطفال وفئة الشباب.
* سطوة النظم الدعائية
اعتبر استغلال ما يسمى بالـ«Propaganda» الدعائية النازية، عبر وسائل إعلامية حديثة في ذلك الوقت من أقوى الأسلحة التي تسببت بانتشار النازية، بالأخص عبر المنهجية والنظم الدعائية التي ابتكرها وزير الدعاية الألماني جوزيف غوبلز، التي استخدم من خلالها الحرب النفسية وكل ما هو صادم ومؤثر عبر آليات جديدة، سواء عبر التلفاز والإذاعة أو حتى المنشورات. ونقل رسائل هتلر والقادة النازيين، وقد تم إعداد أفلام وثائقية عن هتلر، ويعد استخدام البث التلفزيوني أسلوبًا جديدًا في ذلك الوقت كبث حضور هتلر في الأولمبياد في برلين لعام 1936، مما اعتبر من الوسائل المبتكرة للتعزيز من تبجيله وهيبته. ويقابل ذلك ما تميز به تنظيم داعش وتفوق فيه عن بقية التنظيمات المتطرفة، أي في قدرته على التغلغل واستغلال العالم الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي في استقطاب مناصرين والقدرة على التجنيد إلكترونيًا والتواصل مع أي شخص في العالم، واستخدام مقاطع مرئية بتقنيات متقدمات وبلغات مختلفة وأساليب تختلف حسب جنسية الشخص الذي يتم استقطابه أو فئته العمرية أو جنسه.
* تلقين الأطفال والشباب
وتظهر تقنيات أكثر تعمقًا في التأثير النفسي في حال انضمام الأعضاء إلى التنظيم، بالأخص في مراحل التدريب في المعسكرات الداعشية، كوضع شاشات كبيرة تحوي مشاهد مختلفة عنيفة للقتل والوحشية. وقد استحوذ «داعش» على نظام التعليم في العراق وسوريا في محاولة لإعداد جيل جديد من المجاهدين الذين تربوا على نهجٍ قاسٍ مؤدلج بتلقين قائم على التطرف من أجل إنشاء إرهابيين أكثر عنفًا في المستقبل. عملية التلقين استخدمت المدارس من جهة ومن جهة أخرى معسكرات التدريب التي تجعل من عملية حمل السلاح والقتل الوحشي للآخرين والعنف والتطرف أمرًا اعتياديًا يوميًا.
واليوم، من الصعب حصر عدد الأطفال المجندين من قبل «داعش»، إلا أنه يقدر عدد الأطفال الذين تم خطفهم في مدينة الموصل وحدها ما بين 800 إلى 900 طفل في عام 2015، فيما يزيد عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم من قبل «داعش» في الربع الأول من عام 2016 فقط إلى 400 طفل. ويقدر عدد الأطفال الإيزيديين المجندين 700 طفل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 فقط، تم تجنيدهم في معسكرات تدريب للأطفال في مدن من ضمنها تل أبيض والرقة في سوريا. أحد أبرز الأمثلة على ذلك الأخوان المجندان راغب وإياد اللذان تلقيا تدريبًا في معسكر الفاروق وقد تضمن ذلك الدخول في حلقات عسكرية مختصة كالاشتباك وطرق تفجير الأحزمة الناسفة وذبح الرهائن بالسكاكين.
ولقد اشتهر ما يسمى بـ«المنظومات» ومن ضمنها منظومة أشبال الخلافة، التي تستقطب الأطفال وتغريهم بالمال وحمل السلاح وقيادة السيارات.
وتنقسم الدورات التعليمية للأطفال المجندين حسب الفئة العمرية، فما بين 5 إلى 10 سنوات يتجهون إلى مخيمات لتلقي التلقين الشرعي، فيما من 10 إلى 15 فإلى مخيمات تدريب عسكري. ويتوقع أن يكون الأطفال المجندون منذ سن صغيرة أشد بطشًا، لا سيما وأنهم تأسسوا على التوحش والعنف.
ويأتي كل ذلك على غرار النازية في استهدافها الأطفال والشباب للانضمام ببرامج متخصصة تبدأ من مرحلة الشعبي الصغير في سن العاشرة، لينتقل الطفل فيما بعد في سن أكبر إلى جماعة شباب هتلر لمدة أربع سنوات. ويتم خلال ذلك الوقت التلقين بالنظرية النازية وتفوق العرق الآري وزرع المقت ومحاكمة كل من يختلف عنهم كاليهود والمثليين. كما يتم خلق الوعي بأهمية الطاعة والتضحية من أجل الوطن والقضية. وقد حرصت النازية كذلك بالتحكم بجميع المناهج المدرسية والتوجيهية وإخضاعها من أجل خدمة الحركة والفهرر والدولة وقد تم حرق والتخلص من أي كتب مغايرة في تلك الفترة.
* تصاعد خطاب الكراهية
النازية لم تختفِ مطلقًا، فهي تمثل خطاب الكراهية وليس فقط إقصاء الآخر وإنما القضاء عليه وعدم الرغبة بوجوده. وذلك يتصاعد في الآونة الأخيرة مع اشتداد المآزق السياسية والأزمات الاقتصادية العالمية. تظهر الجماعات المتطرفة وكأنها أشبه بتضخيم لصدام الحضارات حسب المفكر السياسي صموئيل هنتينغتون بأبشع صوره، وتصوير للعالم بأنه نزاع آيديولوجي يضخم من خطاب الضغينة واتساع الفجوة ما بين الحضارات. فإلى جانب الجماعات المتطرفة في المجتمعات الشرق الأوسطية، ظهرت حركات أخرى كحركة النازيين الجدد في أوروبا، تتمحور مبادئها حول معاداة كل من ليس أبيض البشرة، وذلك مع تصاعد المهاجرين إلى أوروبا واعتبارهم أن ذلك يعدد مجتمعاتهم. ويقابلها جماعة «كوكلوكس كلان» العنصرية الأميركية، التي تدعو إلى تفوق الرجل الأبيض ومعاداة الأقليات ومحاولة القضاء عليها. حتى وإن كانت هذه التوجهات تمثل النقيض للتنظيمات الدينية المتطرفة كـ«داعش»، إلا أنها جميعًا تتفق في كراهية كل من يختلف عنهم سواء كعرق أو دين، وتسعى إلى التخلص منهم والاكتفاء بمن يتوافق مع لونهم أو معتقدهم.
«داعش»: خصائص واستراتيجيات نازية
آيديولوجيات قائمة على الكراهية
«داعش»: خصائص واستراتيجيات نازية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة