أظهر مطلب جوزيب غوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، من مهاجمه سيرجيو أغويرو بذل المزيد من الجهد لاستعادة الكرة، وتكرار المطلب نفسه من أنطونيو كونتي، مدرب تشيلسي، لهدافه دييغو كوستا، أن دور المهاجم لم يعد مقتصرًا على تسجيل الأهداف.
وهذا يطرح السؤال: ما قلب الهجوم؟ لقد باتت الإجابة عن هذا السؤال الآن أصعب من ذي قبل، فالإيحاء بأن غوارديولا ليس سعيدًا بأداء أغويرو بدا غريبًا للوهلة الأولى. فمنطقيًا، كيف يمكن التشكيك في لاعب بمثل كفاءته وقدرته على التسجيل، بعد أن سجل 109 أهداف في الدوري الإنجليزي في 5 مواسم؟! فبالنسبة لمهاجم عصري، لم يعد تسجيل الأهداف سوى مهمة ضمن كثير من المهام الأخرى.
وبحسب تصريح غوارديولا، الأسبوع الماضي: «القضية ليست في عدد الأهداف التي يسجلها المهاجم، أو بأننا سعداء بما يسجله لنا»، فما يتوقعه غوارديولا من المهاجم هو المساهمة في كثير من المهام. قد يكون غوارديولا مدربًا فريدًا، لكن ما قاله ليس نكتة فريدة. فقد قالها قبل ذلك المدرب الألماني يورغن كلوب صريحة: «الأهداف (ولا يعنى ذلك أننا بتنا غارقين في الأهداف أخيرًا) وحدها ليست كافية كي تبقي على دانييل ستوريدج أساسيًا بفريق ليفربول». ويؤكد كونتي على أنه يتعين على دييغو كوستا العمل على الاستحواذ على الكرة مجددا عندما يفقدها، فهذا هو أحدث صيحات الضغط على الخصم، ولذلك فإن مهمة تسجيل الأهداف وحدها لم تعد كافية.
وطلب ملاحقة المهاجم للخصم والضغط عليه ليس بالجديد، فقد عرفنا منذ بدايات كرة القدم أن هناك رؤى متنوعة لطريقة لعب قلب الهجوم. وحتى في النمسا، في العشرينات من القرن الماضي، ظهر تكنيك عرف لاحقًا باسم المهاجم الخفي، وحرفيًا اللاعب التاسع الخفي، بفضل ذكاء مهاجم منتخبهم ماثيو سيندلار (مع العلم أن قمصان اللاعبين لم تكن تحمل أرقاما في ذلك الحين، ولم يكن هناك قميص يحمل رقم 9 لتكون هناك نسخة خفيه منه). ومنذ ذلك الحين، عرفت الكرة ذلك التكنيك الذي يتطلب جهدًا كبيرًا.
لكن مسألة تحديد قلب الهجوم المفترض أن يكون خط الدفاع الأول كان مستحيلا، غير أن دوره بات ضروريا بعدما تطور تكنيك الضغط على الخصم في حقبة الستينات من القرن الماضي. وقد نفذ اللاعب أنتولي بوزاك ذلك التكنيك في فريق ديناموكييف، ويوهان كرويف بنادي أياكس أمستردام، وروجر هنت بنادي ليفربول. وفي حقبة الثمانينات، انتشر التكنيك وبات مألوفا، وكان من أشهر من أتقنه، على سبيل المثال، اللاعب أيان راش.
ما تغير كليا هو درجة أداء هذا التكنيك، وجزئيا ربما مستوى التطور والتعقيد في تنفيذه. إذ إن الانتشار الكبير لمقاطع الفيديو المصورة في الثمانينات والتسعينات ساعد المحللين في تحديد نقاط ضعف الخصوم بدقة، وتحديد آلياتهم الداخلية. وقد شهدنا ذلك في نفاذ بصيرة المدرب الأرجنتيني مارسيلو بيلسا، حيث كان أول مطلب له عند تولي تدريب فريق فيليز سارسفيلد الأرجنتيني عام 1997، هو إحضار جهاز فيديو وبرنامج لنقل اللقطات إلى جهاز كومبيوتر. والهدف من كل ذلك كان الإجابة عن سؤال كيف يبدأ الخصوم هجومهم؟ إن كانوا يبدأون الهجوم بأن يلعب حارس المرمي الكرة إلى مدافعه الأيمن ليركض بها للاعب خط الوسط الأيمن، فهل بمقدور فريقه اعتراض ذلك؟ ولذلك، فإن الوفرة المتزايدة للبيانات، وتزايد استخدام الكومبيوتر في تحليل نماذج محددة، جعل عملية الضغط أكثر تركيزًا.
وحتى بعدما بلغ عدد الأهداف التي سجلها مايكل أوين للمنتخب الإنجليزي 40 هدفًا، كان اللاعب يشعر وكأنه يعيش في غير زمانه، وأنه تخلف كثيرا عن اللحاق بثورة التغيير في كرة القدم، فقد ولي زمن سارق الأهداف. وكان هذا ما تجلي خلال العقدين الأخيرين، لكن ظهور نمط المدربين الذين يميلون للضغط القوي ساهم في المزيد من الدفع بهذا التكنيك للأمام.
ولفترة من الوقت، شكل الجناحان أقوى عناصر الهجوم بسبب مطاردتهم لظهيري الأجناب في الفريق الخصم. وفي موسم 2008 - 2009، على سبيل المثال، وبعدما كافح مانشستر يونايتد لمواجهة الظهير الأيسر المهاجم علي كيسوخو في مباراتهم أمام بورتو البرتغالي، استخدم المدرب أليكس فيرغسون واين روني كمهاجم جناح، وكريستيانو رونالدو كمهاجم أوسط، وذلك لأن روني كان أكثر اجتهادا في تنفيذ مهامه الدفاعية.
ويبدو أن ذلك قد تغير، فنظرا لطبيعة مركزيهما، فإن اللعب على خط التماس تجاه أيا من الجانبين يجعل من الصعب على المدافعين الصريحين أن يصبحوا صانعي ألعاب، نظرا لأن أقل ضغط سيجعل تحركاتهم محصورة في الداخل. ومن الممكن أن يكون المدافع الأوسط أو لاعب الوسط المتأخر محور ارتكاز - وهو ما شاهدناه في فريق مثل أياكس وبرشلونة في فترة ما. ويعنى هذا أن هناك حاجة لوجود قلب هجوم جاهز لمطاردته.
وهذا هو السبب في أن لاعبا مثل روبرتو فيرمينو يمثل أهمية كبيرة لليفربول. ففي الموسم الحالي، بلغ متوسط مسافة الركض التي يقطعها خلال 90 دقيقة، 11.5 كم بمعدل 78 مرة ركض قصير (سبرنت) خلال 90 دقيقة، وبلغ متوسط مرات منع الكرة عن الخصم «تاكلنغ» 3.0 خلال 90 دقيقة، ومرات اعتراض الكرة (إنترسيبشن) 0.7 خلال 90 دقيقة، لكن حقيقة أنه سجل 4 أهداف، ومرر تمريرة واحدة حاسمة (أسست) لا تمثل سوى إضافة لواجباته. وتتمثل أهمية فيرمينو في أنه هو من يبدأ عملية الضغط.
ومن المفترض أن ما يريده غوارديولا هو أن يفعل أغويرو الشيء نفسه، لكن ما يقدمه أغويرو يتضاءل أمام فيرمينو (ناهيك بالأهداف وما تمثله من أهمية، حيث سجل فيرمينو 7 أهداف في الدوري في الموسم الحالي)، ونفذ أغويرو 64.3 (سبرنت) خلال 90 دقيقة، وقطع خلالها مسافة ركض بلغت 9.9 كم، وهي معدلات أعلى بكثير مما حققه الموسم الماضي الذي نفذ فيه 44 سبرنت، وقطع مسافة 8.9 كم خلال 90 دقيقة.
ويعنى هذا أنه لم ينفذ سوى «تاكلنغ» واحدة، واعتراضين للكرة خلال الموسم، ولذلك لا يزال أغويرو مطالبا بالمزيد من الجهد كي يصبح فيرمينو آخر.
ربما لا يكون هذا عادلا بما يكفي، إذ إن الركض تجاه خصم يمتلك الكرة قد يؤدي إلى تمريرة ضعيفة لا تسجل بالضرورة باعتبارها «تاكلنغ»، لكن الواضح هو أن أداء أغويرو قد تغير تحت قيادة غوارديولا، وأن أداءه قد تغير أيضًا على امتداد الموسم. فعدد مرات الـ«سبرنت» والمسافات المقطوعة قد ارتفعا قليلا بعدما لم يشارك أساسيا منذ بداية لقاء برشلونة.
فالقدرة على إنهاء اللعبة، وخلق مساحات وفرص لزملائك، كلها عناصر ذات أهمية كبيرة، لكن التركيز الجديد على الضغط بالتأكيد غير من المهام المطلوبة من قلب الهجوم.
هل انتهى عصر قلب الهجوم؟!
تسجيل الأهداف ضمن كثير من مهام أخرى أصبحت مفروضة على المهاجم العصري
هل انتهى عصر قلب الهجوم؟!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة