استأنف الجيش العراقي، أمس، عملياته القتالية في الساحل الأيسر لمدينة الموصل بعد انسحاب مؤقت وصفه قائد عسكري عراقي لـ«الشرق الأوسط»، طالبا بعدم الإشارة إلى اسمه أو موقعه، بأنه «تراجع تكتيكي تتطلبه في كثير من الأحيان ظروف المعركة التي دخلت الآن مرحلة المواجهة المباشرة بيننا وبين العدو».
وكانت القوات العراقية قد انسحبت من بعض الأحياء التي تمت السيطرة عليها، وأهمها حي الكرامة بالساحل الأيسر، بالإضافة إلى بعض الأحياء الأخرى، نتيجة للمقاومة الشرسة التي يبديها تنظيم داعش، ومن أجل أن نتجنب الخسائر في الأرواح، حسب القائد العسكري. وأوضح أن «ذلك بالقدر الذي يؤخر من مسار المعركة، لكنه يجعلنا نحتفظ بقوتنا العسكرية لا سيما البشرية منها، لشدة حرصنا على عدم سفك الدماء، خصوصا أن تنظيم داعش وبعد توصيات زعيمه أبو بكر البغدادي لم يعد مهما له أن يقدم مزيدا من الخسائر بعد أن قسم عناصره إلى ثلاثة مستويات وهم الانتحاريون والانغماسيون والاقتحاميون، وبالتالي صار واضحا أنه يريد أن يجرنا إلى معركة تمثل بالنسبة له انتحارا، لكنها بالنسبة لنا معركة تحرير أرضنا، ولا بد أن تمر عبر الصيغ العسكرية الصحيحة، بما في ذلك المحافظة على الأرواح وعدم تقديم تضحيات مجانية، لمجرد أن العدو يريد الاصطدام وإرسال مزيد من الانتحاريين يضاف إليهم هذه المرة الانغماسيون والاقتحاميون، وهم الحلقة الأخطر من عناصره».
وكشف القائد العسكري العراقي، أن «العدو يراهن على الليل، وذلك من خلال وجود الأنفاق التي حفرها والتي يعرف مساراتها، وبالتالي فإننا في الوقت الذي نحقق فيه تقدما جيدا خلال النهار فإننا نواجه في الغالب هذه المشكلة بالليل، حيث يرسل انتحاريين من هذه الأنفاق يفجرون أحزمة ناسفة، وهو ما جعل مسار المعركة يتخذ بعدا آخر بعد هذا التوقف التكتيكي، لكي نتجنب مثل هذه الأمور، ونضع الخطط المناسبة للتغلب عليها»، مبينا أن «حي الكرامة والشقق وحي الخضراء هي التي شملها الانسحاب وإعادة الترتيب».
وقسّم القائد العسكري طبيعة المعارك الدائرة حاليا بأنها «تتمحور في ثلاثة سياقات وهي: معارك التحرير، في أحياء القدس والسماح والانتصار، ومعارك كر وفر، في منطقة الشقق وحيي الزهور والكرامة، واشتباكات تجري في حيي كركوكلي وعدن». وأوضح أن «العدو يستخدم أسلوب المفارز في القتال، حيث تتكون كل مفرزة من 5 إلى 7 أشخاص، وكل مفرزة تتكون من حزام ناسف وقناص وسلاح (بي كي سي) وقاذفة واثنين تكتيكيين، وهو ما يتطلب معالجة هذا الأمر من خلال خطة مناسبة له».
ويأتي استئناف عمليات الموصل في الساحل الأيسر بالتزامن مع وصول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى قيادة العمليات الخاصة بمعركة نينوى، بهدف الاطلاع على سير المعارك، وهي الزيارة الثانية له منذ بدء عملية تحرير الموصل قبل عشرين يومًا.
وبالتزامن مع وصول العبادي إلى برطلة، أعلن الفريق رائد شاكر جودت، قائد الشرطة الاتحادية، عن «تحرير» ناحية حمام العليل جنوب الموصل بالكامل من سيطرة «داعش». وقال قائد الشرطة الاتحادية، في تصريح صحافي: «تم اليوم تحرير ناحية حمام العليل بالكامل ورفع العلم العراقي فوق أبنيتها الحكومية». وبتحريرها يكون «داعش» فقد آخر بلدة تحت سيطرته جنوب الموصل.
من جهته، أكد الخبير الأمني والمتخصص في شؤون الجماعات المسلحة، الدكتور هشام الهاشمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «سلاح الجو ورغم أهميته الفائقة في معركة الموصل، فإنه في بعض الجوانب الخاصة بالاشتباكات في أحياء الساحل الأيسر من الموصل لا يستطيع التدخل، لأنه يدخل فيما يسمى المسافة الصفرية، حيث ليس بوسع الطيران التفريق بين العدو والصديق»، مبينا أن «تنظيم داعش الذي هيأ نفسه لهذا النوع من المواجهات يستفيد من عدم وجود غطاء جوي حتى يتخلص من الضربات الجوية التي تستهدفه ويوقع بالمقابل خسائر في صفوف القوات العراقية».
وردا على سؤال حول الكيفية التي يمكن بموجبها القتال في الساحل الأيمن من الموصل الذي هو أكثر صعوبة وتعقيدا، في وقت توجد فيه صعوبات حالية في الساحل الأيسر، يقول الهاشمي إن «القوات العراقية تراهن على انكسار رأس الحربة لدى تنظيم داعش، حيث إنه يحاول الآن من خلال هذه العمليات هنا، وهناك في الساحل الأيسر، إضعاف معنويات القوات العراقية، وإظهار أنه يمتلك القوة والقدرة على المواجهة وامتلاك تكتيكات جديدة وظهور جيل جديد من الانتحاريين لديه، لكن كل هذه الأمور تمثل الآن رأس الحربة بالنسبة لهم وفي حال انكسرت هذه الحربة، وهي مرشحة للانكسار في أي لحظة، فإن المعركة سوف تأخذ مسارا آخر يتمثل في انهيار التنظيم، مما يمكن أن يجعل معركة الساحل الأيمن، على صعوبتها المتوقعة، تأخذ مسارا آخر».
إلى ذلك، أكد عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، فارس البريكفاني، أن «مستقبل نينوى أصبح على المحك، والمشهد مأساوي، بسبب ما ارتكبه الدواعش من جرائم بشعة بحق المدنيين»، داعيا الأهالي إلى «البقاء في بيوتهم للحفاظ على سلامتهم». وقال البريفكاني، في مؤتمر صحافي في مبنى البرلمان أمس، إن «من الضروري الاهتمام بالمواطنين والتمسك بالأرض في المناطق المحررة من قبل الشرطة المحلية». وأكد البريفكاني أن «الجانب الأيسر من الموصل سقط عسكريا، وأصبح مطوقا من جميع الجهات، والقوات الأمنية تتوغل بنجاح في هذا الجانب»، داعيا إلى «قطع الإمدادات العسكرية بين إرهابيي (داعش)». وفيما تخوض القوات العراقية قتالا شرسا وحرب شوارع في أحياء الساحل الأيسر وبعضه من بيت إلى بيت، فقد أكد مبعوث الرئيس الأميركي للتحالف الدولي ضد «داعش»، جون آلن، أن هدف التحالف الدولي الأساس استعادة مدينة الموصل بأسرع وقت ممكن. وقال آلن في مؤتمر صحافي أمس، إن «هدف التحالف الدولي الأساس استعادة مدينة الموصل وتحرير سكانها، كون تنظيم داعش الإرهابي يستخدمهم دروعا بشرية وغطاء خوفًا من الغارات الجوية»، مؤكدًا أن «محاربة التنظيم في العراق ستأخذ وقتًا طويلاً، لكننا سنقضي عليه في النهاية». وأضاف، أن «التحالف الدولي قادر على محاربة (داعش) في العراق وسوريا في وقت واحد»، لافتا إلى أن «التحالف يعمل على تدمير البنية التحتية لـ(داعش) واستهداف قادته في كلا البلدين». وتابع آلن، أن «(قوات سوريا الديمقراطية) ستساهم في محاصرة (داعش) في مدينة الرقة».
الجيش العراقي يتراجع «تكتيكيًا» في الساحل الأيسر للموصل
يعوّل على انكسار رأس حربة «داعش».. والتنظيم يستثمر الليل والأنفاق
الجيش العراقي يتراجع «تكتيكيًا» في الساحل الأيسر للموصل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة