تواجه الحكومة اللبنانية العتيدة كثيرًا من الملفات الشائكة، المفترض أن تتصدّى لها من الآن حتى موعد استحقاق الانتخابات البرلمانية في شهر مايو (أيار) المقبل. وتتراوح هذه الملفات بين ضخّ الحياة في شرايين المؤسسات الدستورية المعطلة من سنتين وأكثر، إلى النهوض بالوضع الاقتصادي، ومعالجة أزمة اللجوء السوري، وصولاً إلى مواجهة المخاطر الأمنية المحدقة بالبلد سواء في الداخل، أم على الحدود. إلا أن الامتحان السياسي الأصعب لحكومة العهد الأولى المرشّح أن يرأسها زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري - بحسب الاستشارات القائمة حاليًا - هو قانون الانتخابات البرلمانية، الذي تُجمع القوى السياسية على ضرورة إنجاز قانون عصري يراعي صحة التمثيل لكل المكونات والطوائف، وتتضارب التوقعات حول قدرة الحكومة والبرلمان على هكذا قانون خلال فترة وجيزة.
وما دام أن كل القوانين التي أجريت على أساسها الانتخابات منذ إقرار «وثيقة الوفاق الوطني» التي أقرها «اتفاق الطائف»، جاءت من خارج ما نصّ عليه هذا الاتفاق، فإن راعي «الطائف» رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، يرى أن «الوقت متاح لإنجاز قانون جديد خلال فترة وجيزة، إذا توافرت الإرادة لذلك». لكن الحسيني أشار في تصريح له لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «كل طرف سياسي يحاول الآن فرض قانون على قياسه ويتجاهل إرادة الشعب الذي يبقى مصدر كل السلطات». واعتبر الحسيني أن «الطبقة السياسية الموجودة حاليًا في السلطة، سواءً في المجلس النيابي أو في الحكومة غير دستورية، لأنها مدّدت لنفسها خلافًا للدستور، وخلافًا لرأي رئيس الجمهورية (السابق ميشال سليمان) الذي طعن أمام المجلس الدستوري بقرار التمديد للبرلمان، إلا أن هذه الطبقة قائمة بحكم الواقع».
من جانبه، أوضح وزير الداخلية السابق مروان شربل، الذي سبق له أن قدّم مشروع قانون للانتخابات في عام 2011 أن «الوقت لم يعد يسمح بإجراء انتخابات في شهر أيار (مايو) المقبل على أساس قانون نسبي». وأكد شربل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «أي قانون يقوم على النسبية، يحتاج إلى سنة كاملة للتحضير له قانونيًا ولوجيستيًا». ثم أوضح «لا خيار أمام اللبنانيين الآن سوى إجراء الانتخابات على أساس قانون الـ60. أو إقرار قانون النسبية، وتأجيل الانتخابات لسنة جديدة، لأن هذا القانون يحتاج إلى شرح مفصل للناخب وللمرشح، ويحتاج لتدريب رؤساء الأقلام ولجان القيد عليه، وكيف يحتسب رئيس القلم المرشح الفائز». وأبدى الوزير السابق اعتقاده بأن «الطبقة السياسية الحالية، لا تتوافر لديها النية لإنجاز قانون عصري يراعي صحة التمثيل، وإلا لكانت أقرت هكذا قانون منذ سنتين». ثم تساءل «كيف نستطيع إقرار هكذا قانون في غضون أشهر قليلة، ونحن مقبلون على الانتخابات في أيار (مايو) المقبل؟».
وعلى قاعدة التمسّك بثوابت «الطائف»، قال الحسيني: «لا شيء يؤمن تطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده، إلا قانون انتخابي قائم على النسبية مع الصوت التفضيلي، الذي تقدّم به الوزير السابق مروان شربل، وهذا المشروع دستوري مائة في المائة». وشدّد رئيس مجلس النواب السابق على «ضرورة أن تخضع السلطة للدستور، لا أن يخضع الدستور لإرادة السلطة، خلافًا لما هو سائد منذ عام 1992 وحتى الآن، وهو ما حملهم على اعتماد قانون عام 1960 في الانتخابات السابقة». ورأى أن «الفريق السياسي الآن أمام امتحان الخضوع للدستور، أو الانقلاب عليه»، قبل أن يتابع: «لو لم يأتوا بقانون وفق الدستور، فسوف يكونون قد تخطوا الدستور، وخالفوا خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي شدد على تطبيق وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف من دون انتقائية».
ولا يجد رئيس البرلمان اللبناني السابق، خروجًا من الأزمة في قانون المختلط الذي يجري بحثه اليوم، قائلا: «القانون المختلط الذي يوازن بين النسبي والأكثري، يجوز اعتماده في الدول ذات النظام الفيدرالي، أما في دولة موحدة لا يجوز أن يكون نائبا بسمنة وآخر بزيت». ويؤكد الحسيني أن هذا الطرح «يضرب مبدأ المساواة، والمجلس الدستوري أصدر قرارًا في عام 1997 أبطل فيه قانونًا مماثلاً لم يحفظ مبدأ المساواة». وباعتقاده فإن «الفترة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات كافية للتوصل إلى قانون انتخابي عصري ودستوري، ويراعي حق تمثيل جميع الفئات في البرلمان، وإذا توفرت الإرادة نستطيع إنجاز هذا القانون خلال يومين».
من جهته، قدم الوزير السابق شربل اقتراحًا جديدًا لقانون الانتخابات قد يكون أفضل تمثيلاً من القانون الحالي، معتبرًا أنه «يمكن أن تنتخب كل طائفة ممثليها على مستوى القضاء في دورة أولى، وكل من ينال أكثر 30 في المائة من الأصوات، يترشّح للدورة الثانية على مستوى المحافظة، من ضمن لائحة وينتخب من كل الطوائف، وعندها يكون ممثلاً لطائفته ولكل المواطنين».
مما يذكر أن البرلمان اللبناني مدد لنفسه مرتين، وكل مرّة كان يجد أسبابا موجبة، وهي عدم توفر الظروف الأمنية لإجراء الانتخابات، وتعذر الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، وهو ما حمل أكثر من طرف على الطعن بالتمديد للانتخابات، غير أن المجلس الدستوري لم يبت بهذه الطعون، بسبب التعطيل السياسي للمجلس الدستوري.
لبنان: الحكومة العتيدة تواجه الملفات الشائكة وقانون الانتخاب امتحانها الأصعب
الوقت الضاغط يجعلها أمام حتمية قانون الـ60 أو التمديد التقني لسنة
لبنان: الحكومة العتيدة تواجه الملفات الشائكة وقانون الانتخاب امتحانها الأصعب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة