تحاول شركة «روس نفط» الروسية العملاقة وضع يدها على مجمع قصر «روبشا» التاريخي، في مدينة بطرسبورغ، الذي يعود لسلالة رومانوف القيصرية التي حكمت روسيا منذ مطلع القرن السابع عشر حتى عام 1917، حين تنازل القيصر نيقولاي الثاني عن العرش إبان الثورة الشيوعية.
كان إيغور سيتشين، المدير التنفيذي العام لشركة «روس نفط»، ومعه وزير الثقافة الروسي فلاديمير ميدينسكي، قد وجها خطابا للرئيس فلاديمير بوتين يطلبان فيه الموافقة على منح شركة النفط الروسية حق استئجار مجمع قصر وحدائق «روبشا» لفترة طويلة الأمد. ونظرا لأن القصر يقف اليوم بحالة مزرية جدا، يكاد يكون مجرد أطلال قصر، فإن ترميمه يتطلب مبالغ كبيرة لا تتوفر في ميزانية «محمية متاحف بيترهوف» في بطرسبورغ التي يقع قصر «روبشا» تحت إدارتها وإشرافها حاليًا.
ويبدأ تاريخ مجمع قصر وحدائق عزبة «روبشا» مع فترة حكم القيصر الروسي بيوتر الأول (بطرس الأول) الذي شيد في تلك المنطقة الواقعة جنوب غربي مدينة بطرسبورغ عزبة صغيرة أبنيتها خشبية، وأقام فيها حدائق، وكل ذلك للاستفادة من نبع المياه المعدنية في تلك المنطقة، واستخدامه كمنتجع للنقاهة والاستجمام والعلاج.
وفي عام 1714، منح بيوتر الأول العزبة هدية لفيودور رومودانوفسكي، الشخص الثاني في الحكم بعد بيوتر، الذي كان يدير شؤون روسيا في غياب القيصر. ومن ثم تنقل مجمع قصر وحدائق «روبشا» من مالك لآخر بالتوريث، إلى أن وضعت الدولة يدها عليه مجددا، واستعادت الخزينة القيصرية ملكيتها له في عهد الإمبراطورة إليزابيث بيتروفنا التي قدمته هدية لولي العهد بيوتر فيودوروفيتش، المعروف لاحقا باسم «بيوتر الثالث»، زوج الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية، وكانت حادثة وفاته في ظروف غامضة من أهم الأحداث التاريخية التي عرفها مجمع قصر «روبشا». وكان نيقولاي الثاني آخر قيصر من عائلة رومانوف استخدم ذلك القصر وحدائقه، حيث كان يمضي بعض الوقت هناك، لا سيما في أثناء رحلات الصيد.
مأساة مجمع قصر «روبشا» بدأت مع ظهور الحكم الشيوعي في روسيا، حيث أعلنت الحكومة تأميم ذلك المجمع، وأقامت عليه مزرعة أسماك وجمعية زراعية. وفي الثلاثينات من القرن الماضي، تمت مصادرة كل محتوياته، من أثاث ولوحات وغيره، التي أودعت في مستودعات مؤسسة أملاك الدولة بهدف بيعها لاحقا عبر المزاد. وفي أثناء الحرب العالمية، سيطرت القوات النازية على المجمع، وجعلت منه مقرا لها، وعند انسحابها عام 1944 قامت بسرقة ما بقي فيه من محتويات أثرية، ومن ثم أشعلت فيه النيران.
وبعد تلك الحرب، بقيت أراضي المجمع منطقة عسكرية تمركزت فيها قوات سوفياتية، قامت بدورها بتخريب في القصر، وأزالت الأبواب والنوافذ، حتى الأرضيات الخشبية تم اقتلاعها. وجاءت الضربة الأكثر إيلاما للقصر عندما شب فيه حريق عام 1990 لم يبقِ منه سوى أطلال تنتظر من يعيد رفعها، وإحياء ذلك المجمع المدرج على قائمة التراث العالمي لليونيسكو من جديد.
منذ ذلك الحين، لم يخضع القصر لأية أعمال ترميم وبقي مهملا، مما أدى إلى سقوط سقفه عام 2015، في الوقت الذي عكف فيه المهندسون على وضع خطط الترميم. وأخيرا قالت يلينا كالنيتسكايا، مديرة مجمع قصور «بترهوف»، إن عملية إعادة بناء قصر «روبشا» قد لا تتم، ويبدو أن ذلك بسبب التكلفة الباهظة التي تقدر بنحو 5 مليارات روبل روسي. إلا أن عملاق النفط العالمي «روس نفط» قد لا يجد صعوبة في تخصيص مبلغ كهذا على مدار عدة سنوات لإحياء ذلك الصرح التاريخي، واستخدامه لاحقا ربما لعقد مؤتمرات أو اجتماعات هامة، وقد تترك أبوابه مفتوحة أمام السياح وعشاق التاريخ.
قصر «روبشا».. من قياصرة روسيا إلى «روس نفط»
قصر «روبشا».. من قياصرة روسيا إلى «روس نفط»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة