نيلسون وميدان الطرف الأغر

معلم ومعلومة

نيلسون وميدان الطرف الأغر
TT

نيلسون وميدان الطرف الأغر

نيلسون وميدان الطرف الأغر

أي زائر لمدينة لندن لا بد أن ينجذب لميدان الطرف الأغر ونوافيره الأربع الكبيرة وإلى «المعرض الوطني» في الجزء الشمالي من العاصمة. وتقاس المسافات من لندن من محطة «شيرنغ كروس» القريبة، ولذلك فإن ميدان الطرف الأغر يعتبر في وسط العاصمة لندن بالضبط.
وغالبا ما يسأل الزوار عن سبب تسمية الميدان بهذا الاسم، وعن هوية صاحب التمثال المثبت أعلى العمود. الإجابة ببساطة هي أن الميدان بني تخليدا لانتصار الأسطول البحري البريطاني على الأسطول الفرنسي الإسباني المشترك عام 1805، في إسبانيا وبالتحديد في ساحل مدينة غادِش. كما ينبغي لفت الانتباه إلى ان التسمية الإسبانية وردت هكذا Cabo Trafalgar، والتي هي في الواقع تسمية عربية وتعني الطرف الأغر أو بالأحرى الأبيض. والتمثال المثبت أعلى العمود هو للأدميرال هوراتيو نيلسون الذي قاد الأسطول البريطاني قبل أن يقتل في المعركة ذاتها.
شكلت الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789، وبعد ذلك تنصيب نابليون بونابرت إمبراطورا لفرنسا مصدر قلق لغيرها من الدول الأوروبية القوية. فبريطانيا العظمى، على وجه التحديد، كانت تخشى غزوا فرنسيا من البحر. وكدولة تتكون من عدة جزر، اعتمدت بريطانيا على أسطولها البحري لضمان استقلالها، وربما كانت معركة الطرف الأغر أهم انتصارات أسطولها. فقد واجه الأسطول البريطاني الذي يتكون من 33 قطعة بحرية أسطولا مشتركا يتكون من 41 قطعة من الأسطولين الفرنسي والإسباني. جرت المعركة بالقرب من الطرف الأغر بإسبانيا، وقتل في المعركة 1208 جنود من الأسطول البريطاني و3200 جندي من الأسطول الفرنسي الإسباني المشترك، واستولى البريطانيون على 21 قطعة بحرية من الأسطولين.
ولد هوراتيو نيلسون عام 1758 بقرية نورفولك، شرق لندن، وكان ابنا لكاهن. التحق بالأسطول البحري في سن الثالثة عشرة عام 1771. وأبلى بلاء حسنا ليرتقي من جندي بحري إلى نائب أدميرال. كان ملما باستراتيجيات المعارك، وكان تواقا لتجربة تكتيكات الحرب غير التقليدية مما جعل منه قائدا فذا. كان نيلسون قائدا ملهما ويحظى بشعبية كبيرة بين ضباطه وجنوده، وخلال معاركه فقد إحدى ساقيه وفقد إحدى عينيه، وعانى من نوبات الملاريا.
كانت حياة نيلسون الخاصة معقدة وغير عادية وقتها وحتى بمقاييس زماننا الحالي. ورغم زواجه، فقد ارتبط بعلاقة خارج إطار الزواج مع إيما هاميلتون، زوجة اللورد هاميلتون، وأنجبت له بنتا سمتها هوراتيا.
تلقى نيلسون رصاصة من قناص فرنسي أثناء معركة الطرف الأغر، ومات متأثرا بجراحه بعدها بساعات. وضع جسده في برميل من البراندي (نوع من الخمور) لمنعه من التحلل، وأعيد إلى لندن حيث أجريت له مراسم جنائزية رسمية ودفن في كاتدرائية سانت باول عام 1805. توفيت زوجته عام 1831، في حين توفيت خليلته إيما هاميلتون عام 1815 بعدما عاشت في فقر مدقع في مدينة كاليس. تزوجت ابنته هوراتيا من كاهن ورزقت بعشرة أطفال، وكانت تحصل على 100 جنيه إسترليني كمعاش سنوي من الدولة وماتت في سن الثمانين. جرى حفظ السفينة التي استخدمها نيلسون أثناء معركة الطرف الأغر في حوض لبناء السفن في مدينة بورتسماوث، ويستطيع الزوار مشاهدة المكان الذي تلقى فيه نيلسون الرصاصة القاتلة على متن السفينة، وكذلك مشاهدة القمرة الخاصة به.
*كاتب إنجليزي



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».