معلم ومعلومة: برج لندن.. ماض مرعب وحاضر بهيج

برج لندن.. ماض مرعب وحاضر بهيج

لقطة لبرج لندن أثناء الليل (تصوير : جيمس حنا)
لقطة لبرج لندن أثناء الليل (تصوير : جيمس حنا)
TT

معلم ومعلومة: برج لندن.. ماض مرعب وحاضر بهيج

لقطة لبرج لندن أثناء الليل (تصوير : جيمس حنا)
لقطة لبرج لندن أثناء الليل (تصوير : جيمس حنا)

يعتبر برج لندن أحد أفضل معالم العاصمة البريطانية وأشهرها، حيث يرتاده الآلاف كل عام من جميع أنحاء العالم.
البرج الأبيض هو أقدم أجزاء المجمع، حيث يعود تاريخ بنائه إلى القرن الحادي عشر، في عهد الملك ويليام الفاتح. وعلى مدار سنوات، استخدم البرج قلعةً ومقرّ إقامة ملكيًا، وسجنًا عموميًا، بيد أنه اليوم أصبح قاعة عرض لمجموعة لا تقدر بثمن من جواهر التاج البريطاني.
في السابق، كان البرج مكانًا لتنفيذ أحكام الإعدام في عدد من المشاهير، منهم زوجتا الملك هنري الثامن (آن بولين وكاثرين هوارد) والجاسوس الألماني جوزيف جاكوبز، الذي جرى إعدامه بواسطة فرقة إطلاق النار عام 1941. وفي مسرحية شكسبير «هنري الثالث» تفاصيل كثيرة عن احداث جرت في هذا البرج.
يحظى برج لندن بشعبية كبيرة بين مرتاديه، ودائمًا ترى الزوار متراصين في صفوف طويلة للدخول إليه ومشاهدة محتوياته. وإذا لم تكن ممن يتوقون لمشاهدة مجوهرات التاج، فإن نزهة حول المكان من الخارج ستكون كافية لأغلب الناس. كذلك هناك كثير من الأماكن الأخرى القريبة التي تستحق الزيارة.
وفي الطريق المؤدية للبرج ستشاهد النصب التذكاري للبحارة التجاريين، الذي بُني إحياء لذكرى 12 ألف بحار تجاري ماتوا في الحرب العالمية الأولى، ونحو 24 ألفًا في الحرب العالمية الثانية. جرى استكمال بناء الحجارة البيضاء عام 1928 من تصميم أشهر مهندسي القرن العشرين سير إدوارد ليتينز، الذي كان أيضًا مهندس النصب التذكاري الرئيسي للحرب في لندن المسمى «وايتهول».
إن بحثت بعناية، ستجد غرب النصب التذكاري، الحجارة البيضاء، ستجد ميدانا حجريا صغيرا تتوسطه لوحة نحاسية تشير لميدان الإعدام العام، أغلبها قطع للرؤوس، منها عملية إعدام السير توماس مور الذي رفض مساعدة هنري الثامن في الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (كي يحصل على الطلاق من زوجته الأولى).
يتوجه كثير من زوار المنطقة لزيارة جسر البرج الذي اكتمل بناؤه عام 1894. فقد بني هذا الجسر الرائع من الحديد الصلب، إذ إن الحجارة الخارجية ليست سوى كسوة، وليست جزءا من بنائه الأساسي. يمكن للزائر الدخول للبرج والصعود للطوابق العليا للاستمتاع بمنظر رائع للنهر في الأسفل.
سفينة «إتش إم إس بيلفاست» هي أحد أجمل الأماكن للزيارة، وستجدها أمام برج لندن في الضفة الشمالية. تعتبر السفينة التي اكتمل بناؤها عام 1939 أكبر سفينة حربية بريطانية موجودة حتى الآن منذ الحرب العالمية الثانية، وشاركت السفينة في إغراق السفينة الحربية النازية «ذا شارنهورست» عام 1943. يمكنك زيارة جميع الأماكن في السفينة بدءًا من غرفة الغليان إلى أبراج إطلاق النار الكبرى.
السفينة مزودة بمدافع عيار 150 ملّي، وتتمتع بسرعة فائقة تتعدى 60 كيلومترا في الساعة.
وإذا عدنا للنهر، تحديدا إلى جوار البرج، ستجد مرسى القوارب سانت كاترين، الذي يأوي كثيرا من القوارب واليخوت الحديثة والقديمة. يحوي المكان أيضا كثيرا من المقاهي والكافيتريات، وفندق «ديكينز إن» الخشبي الشهير، حيث تستطيع الحصول على قسط من الراحة في نهاية جولة في تلك المنطقة الرائعة.

*كاتب انجليزي مهتم بالتراث



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».