جازان.. وجهة الحالمين بالطبيعة والبحر

320 مليون دولار لتطوير جزر فرسان

أهالي جازان وزوارها على الكورنيش الرئيسي ({الشرق الأوسط})
أهالي جازان وزوارها على الكورنيش الرئيسي ({الشرق الأوسط})
TT

جازان.. وجهة الحالمين بالطبيعة والبحر

أهالي جازان وزوارها على الكورنيش الرئيسي ({الشرق الأوسط})
أهالي جازان وزوارها على الكورنيش الرئيسي ({الشرق الأوسط})

كل الخيارات متاحة في جازان، هي إجابة مسؤول السياحة في المنطقة الواقعة في الشق الجنوبي الغربي من السعودية، والتي توقعت أن تكون كذلك من باب الترويج السياحي وللمنصب الذي يشغله، إلى أن زرت المنطقة فشاهدت ما لم يسمع عنه البشر، من اندماج الطبيعة «بحر، وزرع» وشواطئ بكر فاستحقت أن تكون لؤلؤة السياحة ووجهة الحالمين بالطبيعة والبحر.
هي كذلك، وصدق مسؤول السياحة فيما ذهب إليه من حديث، وتساءلت حينها، كيف لهذه المنطقة التي تضم ذلك، والعيون الكبريتية «الحارة» أن تغيب عن المشهد العام في خريطة السياحة المحلية والعالمية، وتكون على أقل تقدير الوجهة الأولى للسعوديين وأبناء منطقة الخليج، رغم ما حققته من نسب جيدة في استقبال السياح للعام الماضي بنحو 350 ألف سائح للمنطقة، بخلاف نحو 600 ألف زائر للأهل والأصدقاء، إلا أنها تستحق وبامتياز أن تستحوذ على النسبة الأكبر من الأرقام المعلنة والتي تتجاوز الملايين لسفر السعوديين خارج بلادهم.
وجازان التي تتمتع بالتنوع المناخي والطبيعي، لا يمكن اختزالها في تقرير أو حديث عابر، فمقوماتها السياحية، والدعم الذي تحظى به المنطقة من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، يجعل منها أنموذجا في صناعة السياحة ومخرجاتها، والتي تتوافق مع الرؤية السعودية 2030، والتحول الوطني في كافة الأنشطة.
ويبدو أن هناك إشكالية لدى عموم السعوديين، الحريصين بالبحث عن تاريخ وآثار دولة ما، والاستمتاع بطبيعتها، وحقه في ذلك، بينما يعجز في الوصول إلى معلومة سياحية أو تاريخية في الداخل، وربما تكون «عقدة الخواجة» بمفهومها الشمولي، ليتخطى التقمص والتقليد، للانبهار بما في محيطهم من مساحات خضراء أو قلاع أثرية، ناسيا إرثا وتاريخا ضرب في جذور بلاده قبل آلاف السنين من الشمال إلى الجنوب.
وبالعودة إلى حديث المسؤول، الذي سجلته في ذاكرتي، ذهبت برفقة أحد الأصدقاء لأتجول في فرسان، التي تحتضن قرابة 150 جزيرة، مختلفة المساحة، وتتمتع بشواطئ تذكرك بما كنت ترصده في مشهد فيلم سينمائي، أو إعلان منتج في إحدى القنوات من احتضان الموج لشاطئ ذهبي، وتمني النفس أن تكون أنت من يسير فوق تلك الرمال ويستلقي على شواطئها.
وقبل الذهاب إلى الجزر وأنت خارجا من قلب المدينة، لزاما عليك أن تسير بين غابات المانغروف، والبيوت والمباني التاريخية، مرورا بقرية القصار التي تعد أكبر واحة نخيل بفرسان، ولا تتوقف الرحلة هنا فأنت تمتلك الخيارات كلها من الطبيعة والبحر، إلى زيارة المواقع الأثرية منها زيارة المسجد النجدي المعروف بنقوشه وزخارفه الإسلامية، لتقف بعد ذلك أمام القلعة العثمانية ذات الجدران الحجرية وسقفها المصنوع من جريد النخيل.
وفي كل زيارة لهذه المواقع هناك قصة تحكي تاريخ سكان هذه المنطقة الغارقة في الجمال والطبيعة، من غابة القندل الملفوفة بالأشجار ويتخللها ممرات خلجان مائية، لتذهب بعيدا في هذا العالم وأنت تتوجه نحو رأس القرن، والتي يقال عنها مرآة، إذ تشاهد جسمك وأنت تسبح من شدة صفاء المياه والرمال الناعمة، وإن كنت من المحظوظين وتوافق موعد قدومك للمدينة في شهر أبريل (نيسان) فإنك ستحظى بفرصة الاستمتاع بتراث سكان المدينة وسباقهم الكبير، في صيد سمك الحريد.
وتحتضن جازان جبال فيفا التي تشكل مجموعة الجبال الملتفة حول بعضها الواقعة شرقي منطقة جازان، وترتفع عن سطح البحر بنحو 12 ألف قدم، وتبهرك بمنظرها وأنت قادم من الشمال بتوشحها اللون الأخضر المتدرج، كما تحتضن المنطقة العين الحارة بالخوبة، وهي من أهم العيون الحارة العلاجية وتحتوي على 14 عنصرًا كيميائيًا وأشعة غاما وألفا لعلاج الأمراض الجلدية والروماتيزم، كذلك العين الحارة في بني مالك.
يقول رستم الكبيسي، مدير عام فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في جازان، وأمين عام مجلس التنمية السياحية لـ«الشرق الأوسط» إن منطقة جازان تعيش نموا متسارعا في جميع القطاعات الاقتصادية، كما تشهد المنطقة نهضة صناعية بانتشار الكثير من المصانع في المدينة الاقتصادية.
وأضاف الكبيسي أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تعمل مع مجلس التنمية السياحية وأمانة منطقة جازان على تلمس احتياج السياح، وإعادة تأهيل المواقع التي يقصدها السائح بشكل كبير وملحوظ، لافتا أن هذا التعاون نتج عنه الكثير من الأعمال الهامة في القطاع والتي منها تطوير الكثير من المراكز، مثل النزهة البحرية التي تشتهر بها منطقة جازان، وهناك نقاط لانطلاق السياح للجزر القريبة، وجزيرة فرسان، كذلك في فرسان لانطلاق السياح للجزر القريبة منها.
واستطرد الكبيسي أن من الأعمال التي نفذت إنشاء قرية تراثية ضمت جميع مباني التراث العمراني، وذلك بهدف فتح المجال أمام الزائر أن يرى تراث جازان في مكان واحد، إضافة إلى ترميم وتأهيل إحدى أهم القلاع، وستصبح من أحد أهم المواقع السياحية، كما رممت قرية القصار التراثية في فرسان، وأصبحت نقطة جذب سياحي.
وسيطرح خلال الأيام المقبلة أمام المستثمرين، وفقا للكبيسي، أحد المنتجعات التي عملت الهيئة ومجلس السياحة بالتعاون مع أمانة المنطقة على إيجاد النواة الرئيسية لهذا المنتجع وإيصال الخدمات الأساسية، فيما عملت الهيئة على تطوير «العيون الحارة» الكبريتية والتي تشتهر بها منطقة جازان، وإنشاء منتجع في هذه المواقع يضم الكثير من المراكز والعلاج الطبيعي.
وأشار مدير عام فرع الهيئة العامة للسياحة أنه ضمن برنامج التحول الوطني، طرحت الهيئة مبادرة تطوير جزر فرسان، ورصدت لهذه المبادرة نحو 1.24 مليار ريال (320 مليون دولار)، ومع إكمال هذا المشروع ستتحول فرسان تحولا كاملا وستصبح وجهة سياحية.
وشدد الكبيسي أن الهيئة العامة للسياحة تعمل، حسب استراتيجية التنمية السياحية والخطط التنفيذية، على رفع عدد الزوار للمنطقة بنهاية عام 2018 وأن يلامس الرقم قرابة 1.2 مليون سائح، موضحا أن عدد السياح الذين زاروا جازان قرابة 980 ألف سائح، 60 في المائة ممن قام بالزيارة الأهل والأصدقاء.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».