هل هناك حالة من الخلط في مفهوم الثقافة حتى في أوساط المثقفين، والتباس أيضا في مفهوم الأدب في عصرنا الحالي نتيجة التحولات التكنولوجية وثورة المعلومات، ووسائل الاتصال الاجتماعي والكتابة الإلكترونية؟ هنا آراء بعض المثقفين المصريين:
«لا أستوعب حالة السيولة في التعريف التي يمكن أن تتسبب فيها هذه الجائزة» هكذا عبر الأديب منير عتيبة، المسؤول عن مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، ورئيس تحرير سلسلة «كتابات جديدة». يقول: «عندما تركز الجوائز الأدبية على النوع الأدبي تزيد درجة صدقها وقدرتها الجيدة على الاختيار، وبالتالي مصداقيتها، أما عندما تكون العوامل السياسية أو الاجتماعية أو التوازنات الدولية محددا في الاختيار لجائزة هي أدبية بالأساس، يصبح هذا مثارا للجدل. لقد فهمت وتقبلت فوز الصحافية البيلاروسية سيفتلانا ألكسيفيتش بجائزة نوبل العام الماضي، فهي في النهاية تكتب سردا يمكن أن نطلق عليه سرد الحياة وتستفيد من تقنية التحقيق الصحافي بشكل ما، لكنها تظل في الإطار العام لما يمكن أن يكون كتابة أدبية.
أما فوز المغني وكاتب الأغاني بوب ديلان هذا العام بجائزة نوبل، فهو محير بالنسبة لي، قد يكون هذا الرجل عظيما وأسطورة في مجاله وصاحب مواقف سياسية واجتماعية مهمة، لكنه يعمل في مجال آخر من الصعب تقبل أن يندرج تحت المسمى العام للأدب كما نعرفه». «يمكن للجائزة أن تستحدث فرعا للفن. شخصيا لا أحب التعليق على الجوائز، فلا بد أن تفاصيل كثيرة لا أعرفها، لكني أيضا لا أستطيع أن أمنع نفسي من الحيرة».
فيما يرى الشاعر والناقد السيد العيسوي، المسؤول عن الصالون الثقافي بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقي بالقاهرة، أن قرار لجنة نوبل فيما يخص نوبل للآداب «إنما يحيلنا إلى الأدب بمفهومه الأول باعتباره أسلوبا إنشائيا جميلا، قد يوجد في القصة أو الشعر أو الرواية أو أي فنون أخرى». ويقول: «الأدب أصبح نصا، والنص ذاته أصبح منفتحا لكل التيارات الأدبية. لقد أصبح النص واسعا جدا يشمل الحياة. فإذا كان الكاتب الصحافي يقدم في كتابته ابتكارا في كتاباته ويعالج الزاوية الإنسانية، فيمكن أن يندرج ذلك تحت مظلة الأدب».
ويلفت إلى أن «وسائل الكتابة الإلكترونية الحديثة غيرت أيضا من مفهومنا للكتابة، فلم تعد الكتابة لصيقة الورقة والقلم، بل أصبحت ملازمة للصوت والصورة، ووظفت لغة العصر بشكل مبتكر بديع، وينطبق الأمر على مجالات كثيرة كالصحافة والتاريخ وغيرها».
وهو يرى أن «الأدب أصبح نصا منفتحا على الحياة بكل وسائلها الحديثة والمعاصرة، وأصبح الكاتب يمتلك ذخيرة جيدة ومتنوعة، له الحق في توظيف كل ما يمكنه من وسائل ووسائط في الكتابة، فالأدب أصبح فرعا من فروع الكتابة».
كما يرى الناقد الأدبي الدكتور رضا عطية، أن فوز ديلان بنوبل تكريس للأدب الشعبي وإعلاء لـ«ثقافة الفرعية»، ويقول بهذا الصدد: «هذا يدفعنا نحن لإعادة تقييم معاييرنا وتوسيع نظرتنا نحن للأدب. فنحن العرب لدينا، في خطابنا الثقافي عموما والنقدي خصوصا، نوع من الانفصام وعدم استيعاب الأجناس الجديدة أو التيارات الطليعية أو تقبلها بسهولة».
ويحيل إلى بعض المعارك الأدبية التي سادت في القرن الماضي بين الأدباء العرب، قائلا: «مثلا العقاد وقف ضد القصة انتصارا للشعر، معتبرا الشعر غذاء الصفوة أما القصة فهي طعام الدهماء. كذلك فقصيدة الشعر التفعيلي نفسها لاقت هجوما من العقاد في ستينات القرن الماضي، كما أنها لم تحظ باعتراف طه حسين، على الرغم من أنه لم يهاجمها كالعقاد. ثم نالت قصيدة النثر أو الشعر اللا تفعيلي قدرا وافرا من هجوم أصحاب الشعر التفعيلي أنفسهم».
ويضيف عطية قائلا: «لدينا مشكلة تعكس انفصاما حادا، أننا نتكلم بالعامية ولدينا تراث شعبي لكننا في دراساتنا النقدية نتعالى على عاميتنا. دعونا نتساءل: كم دراسة نقدية رصينة في شعر العامية أو في شعر الأبنودي وصلاح جاهين وبيرم التونسي، وغيرهم من شعراء العامية، في مقابل فيض من الدراسات عن مجايليهم من شعراء الفصحى؟ لدينا مشكلة أكبر في (الأكاديميا النقدية) هي هيمنة الاتجاهات المحافظة في فرض أسماء كلاسيكية موضوعات للأبحاث، وإيصاد الأبواب أمام الإبداع الطليعي مما يوقعنا في شرك التكرار والتقليد».
وردًّا على سؤالنا حول إمكانية أن تذهب نوبل يوما لكاتب قصة «تويترية»، باعتبار أنها تمثل ثقافة الإنترنت كثقافة فرعية تدور في فلك الثقافة بمعناها الأنثروبولوجي، قال: «بالنسبة للوسائل المرقمنة في بث الرسالة الإبداعية، هي مجرد أدوات أو قنوات توصيلية لا يمكن بأي حال أن نعدها مظهرا لا للثقافة الفرعية أو الثقافة الرسمية».
كتاب مصريون: علينا إعادة تقييم معاييرنا
كتاب مصريون: علينا إعادة تقييم معاييرنا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة