مستقبل الترجمة.. آلات في مواجهة البشر

٢٣ خبيرًا وباحثًا في الدورة الأولى لمؤتمر دبي للترجمة

أهداف سويف (وسط) تدير إحدى الجلسات  ({الشرق الأوسط}) - شعار المؤتمر
أهداف سويف (وسط) تدير إحدى الجلسات ({الشرق الأوسط}) - شعار المؤتمر
TT

مستقبل الترجمة.. آلات في مواجهة البشر

أهداف سويف (وسط) تدير إحدى الجلسات  ({الشرق الأوسط}) - شعار المؤتمر
أهداف سويف (وسط) تدير إحدى الجلسات ({الشرق الأوسط}) - شعار المؤتمر

يعد مؤتمر دبي للترجمة الذي افتتح أعماله في مقر جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، في مدينة دبي الطبية، في العشرين من الشهر الحالي، والذي انتهت أعماله أمس، أول مؤتمر دولي للترجمة في المنطقة. وقد احتضن المؤتمر الذي نظمته مؤسسة الإمارات للآداب بالشراكة مع المجلس التنفيذي لإمارة دبي، بالتزامن مع إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2016 عامًا للقراءة، وإطلاق السياسة الوطنية للقراءة، مجموعة مترجمين وأدباء ومختصين قادمين من جامعات ومؤسسات أكاديمية دولية. واتسمت فعالياته بالشمولية والتنوع، عبر جلسات قدمها 23 خبيرا وباحثا، على شكل محاضرات مركزة وورش عمل متخصصة، لإثراء الحراك المعرفي للترجمة، ورفع سوية هذه الصنعة الحضارية.
وفي افتتاح المؤتمر، أكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة وتنمية المعرفة، على أهمية الترجمة في حياتنا العربية، واعتبرها من أهم أسس نهضة العرب، كما استعرض تاريخ الترجمة في الثقافة العربية منذ هارون الرشيد والمأمون وبيت الحكمة إلى وقتنا الحاضر، وأشار إلى تقدم العرب والمسلمين في هذا المجال، وقيامهم بالترجمة من اللاتينية والفارسية والتركية والسنسكريتية والعبرية وغيرها.
وقالت الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة الدولة للتسامح: «إنَّ الترجمة هي سبيلُنا لفهمِ ومعرفةِ الآخر، تفاعلاً مع ثقافتِهِ وحضارته، وإثراءً لتواصلنا الإنساني والمعرفي، كما تُعيننا التّرجمةُ على تعزيزِ قيمِ التّسامُحِ والحوارِ والتّفاهمِ وقبولِ الآخر.
أما عبد الله الشيباني، أمين عام المجلس التنفيذي لإمارة دبي، فألقى كلمة قال فيها: «وإذ أُمعن النظر، فإنني أدركُ أنَّ ذلك الجيلَ لم يكن ليعيشَ قلقَ (هاملت) وأسئلتَه الكبرى ذات يوم، أو تمزقَ (الملك لير) وندمَه، أو سذاجَة (عُطَيْل) وغيرتَه، أو طموحَ (مَكبِث) ونهايتَهُ، لولا النصوصُ الرائعةُ التي قدمها له جبرا إبراهيم جبرا في (المآسي الكبرى) لشكسبير. كما أن ذلك الجيلَ الحالم لم يكن ليجولَ في شوارعِ وأزقةِ (سان بطرسبرغ) في روسيا القيصرية بصحبةَ (غوغول) و(تشيخوف) و(ديستوفسكي) وغيرَهم، لولا العملُ الدؤوبُ لأبي بكر يوسف وسامي الدروبي. أما (ماكوندو)، تلك القريةُ المنعزلةُ في ثنايا غابات الأمازون، فقد كان سامي الجندي هو أول من رسم له خريطتَها، وأرشدَه إلى دربِها، بصحبةِ (ماركيز)».
وفي هذا الشأن، قالت السيدة إيزابيل أبو الهول، الرئيسة التنفيذية وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإمارات للآداب، ومديرة مهرجان طيران الإمارات للآداب: «لقد حرصنا على وضع برنامج شامل وتثقيفي، يتناول قضايا الترجمة بشكل محفز وممتع في الوقت ذاته»، مضيفة: «غالبًا ما يُنظر إلى الترجمة باعتبارها موضوعًا مملاً، ولكننا نأمل أن يُلقي هذا المؤتمر الضوء على مكانة الترجمة الحقيقية، وأهميتها التي تزداد بشكل خاص في مجال الأدب والأعمال الروائية، إذ تفتح الترجمة للقرّاء عوالم جديدة، وتوسع مداركهم، وتزيد من اطلاعهم على الثقافات ووجهات النظر المختلفة»، لافتة إلى أنه على الرغم من وجود 22 دولة ناطقة بالعربية، فإن العربية لا تزال متراجعة عن اللغات الأخرى، من حيث عدد الكتب التي تتم ترجمتها ونشرها سنويا، ومؤكدة على أن النصوص المترجمة تشكل مصدرًا أساسيًا وغنيًا، ووسيلة ناجعة لنقل العلم والمعرفة.
وقد شارك في المؤتمر مجموعة من الكتّاب والأدباء والمترجمين والمثقفين، منهم: أهداف سويف،، واليازية خليفة، وكريستينا حايك، وكلايف هوبز، وفراس الشاعر، وغانم السامرائي، وهيمفري ديفيز، وإيمان شيبة، وليزلي ماكلوكلين، ومايكل كوبرسون، ومحسن الموسوي، ونانسي روبرتس، ونوره النومان، ونجوم الغانم، وفيليب كيندي، وغيرهم.
وعُقدت في اليوم الأول من المؤتمر أربع جلسات: تناولت أولاها «رحلة الترجمة عبر تاريخ الأدب العربي»، واشترك فيها كل من محسن الموسوي، وكلايف هولز، وتتبعت الجلسة المراحل التاريخية للترجمات من العربية إلى الإنجليزية التي بدأت بترجمة القرآن منذ العهد العثماني، وتواصلت إلى اليوم، وتظهر كثرة الترجمات التي حظي بها القرآن على مدى تلك القرون الأهمية التي أولتها المجتمعات الأخرى لهذا النص المقدس الذي هو مفتاح فهم الإسلام والشعوب المسلمة، كما تطرقت الجلسة أيضًا إلى ترجمة الأدب العربي، والأهمية التي اكتسبها في العصر الحديث.
وأما الجلسة الثانية، فكانت بعنوان «عامل الإبهار.. الترجمة من العربية إلى الإنجليزية»، وقد تحدثت فيها أهداف سويف، وهيمفري ديفيز، ودارت حول المعايير التي يجب اعتمادها في اختيار الكتب لترجمتها. وجاءت الجلسة الثالثة تحت عنوان «الترجمة التجارية.. هل هي اتجاه مستمر؟»، بمشاركة مايا كسرواني ومحسن الموسوي ومحمد حماد، ودارت حول سلبيات التهافت على أكثر الكتب مبيعا والكتب التجارية وأفلام الرعب في الوطن العربي. وانعقدت الجلسة الرابعة تحت عنوان «ما يستعصي على الترجمة»، وتحدث فيها كل من فراس الشاعر، وليزلي ماكلوكلين، وكلايف هولز، ومايكل كوبرسون، ودارت حول كيفية استيعاب الترجمة للكلمات الأجنبية والمصطلحات التي تستحدث.
ومن المواضيع التي ناقشها المؤتمر: «أثر انتشار الترجمة التجارية على جودة النصوص الأدبية»، و«الدبلوماسية الأدبية.. تغيير التوجهات ومناطق الخطر في الترجمة»، و«الترجمة الآلية.. ما لها وما عليها». كما قدم المؤتمر فرصة للاستماع لآراء المؤلفين والمترجمين ووجهات نظرهم.
وفي اليوم الثاني، قدمت جلسات متنوعة أخرى، مثل: جلسة «أي نوع من المترجمين أنت؟»، نظرة متعمقة في صناعة الترجمة. وقد تحدث فيها محسن الموسوي وكلايف هولز عن دور المترجم في الارتقاء بالنص الأصلي، ومدى الاقتراب من النص الأصلي، والمبادئ التوجيهية الأساسية في صناعة الترجمة، وكذلك تدريب المترجمين على أفضل الممارسات.
وفي جلسة «الطلب على المترجمين.. آفاق مهنة الترجمة»، تحدث كل من غانم السامرائي وهيمفري ديفيز واليازية خليفة، وتطرقوا إلى آفاق الترجمة الواسعة في ميادين الإعلان والصحافة والدوائر الحكومية والآداب والطب والترجمة الفورية وترجمة السينما والتلفزيون، كما تطرقوا للتدريب الأكاديمي الحالي، وما يحتاجه المترجم من مهارات، وكذلك تناولوا التخصص في الترجمة وتقييم المترجمين، وتقدير أجورهم وأتعابهم نظرًا لهذا التقييم.
وفي جلسة «من كاتب إلى مترجم.. ومن مترجم إلى كاتب»، تحدث كل من أهداف سويف وليزلي ماكلوكلين ونورة النومان عن هل يمكن أن يكون الكتّاب أهم المترجمين؟ وهل بمقدور المترجم أن يتقمّص شخصية الكاتب وأسلوبه؟ وهل يظل الناشر صاحب الكلمة الأخيرة؟ وتناول فراس الشاعر ومحمد حماد ونجوم الغانم موضوع بعث الحياة في الأعمال الأجنبية من جديد، من خلال الترجمة التي تظهر على الشاشة عندما نشاهد الأفلام والبرامج التلفزيونية، وهل سيمكن الارتقاء بمستوى الترجمة؟ وتحدث هيمفري دسيفيز وفيليب كينيدي عن الدبلوماسية الأدبية، وتغيير التوجهات ومكامن الخطر في الترجمة، وتوسيع قراءات المترجمين، وكيفية مساهمة ذلك في مّد جسور التفاهم بين الأمم وكسر الحواجز، كما تحدثت أهداف سويف عن كتبها التي كتبتها باللغة الإنجليزية، وهي من بين الأكثر مبيعًا.
وفي جلسات اليوم الثالث، تحدث كل من غانم السامرائي واليازية خليفة ومحمد حماد وكريستينا حايك عن تأثير أجهزة الكومبيوتر والإنترنت والهواتف المحمولة والتواصل العالمي في الترجمة، والفرق بين القاموس الورقي والقاموس الإلكتروني، والتكيّف مع المستقبل دون إغفال قيمة المساهمة البشرية.
وتحدث محسن الموسوي وفراس الشاعر ونانسي روبرتس في «فرخ البط عوّام.. لذا لا تضع كل بيضك في سلة واحدة»، وهي جلسة مخصصة للمقارنة بين الأمثال والأقوال المأثورة والتعابير الاصطلاحية في الترجمة، وكيفية تجنّب الأخطاء الشائعة، وضمان إيصال المعنى للمتلقي على وجه الدقة، ومواكبة التعابير الجديدة، واستخدام اللغة.
وفي جلسة «التمكن من العربية.. إتقان العربية وخوض غمار التجربة»، تحدث كل من كلايف هولز وليزلي ماكلوكلين ومايكل كوبرسون عن أن اللغة العربية من أصعب اللغات في الترجمة من اللغات الأخرى.
وفي الجلسة الختامية «مستقبل الترجمة.. آلات في مواجهة البشر»، تحدث كل من فيليب كينيدي وغانم السامرائي ونانسي روبرتس عن الأجهزة ومدى قدرتها على مضاهاة قدرة الإنسان على ترجمة اللغات في السنوات المقبلة، واتفق المشاركون على أن العنصر الإنساني ضرورة قصوى في إتقان الترجمة الحقيقة الفاعلة الدقيقة.
وتعامل المشاركون في مؤتمر دبي للترجمة مع الترجمة باعتبارها جسرًا مفتوحًا باتجاهين يعبر المسافات بين الشعوب والثقافات.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.