اجتماع باريس.. تمثيل ضعيف بحضور إيران.. ومطالب بـ«ضمانات» لما بعد تحرير الموصل

فرنسا تصر على استكمال الحرب على «داعش» بتحرير الرقة تخوفًا من مخططات أميركية

مدرعة لمليشا الحشد الشعبي تحمل شعارات طائفية خلال حملة تحرير الموصل من قبضة «داعش» أمس (أ.ف.ب)
مدرعة لمليشا الحشد الشعبي تحمل شعارات طائفية خلال حملة تحرير الموصل من قبضة «داعش» أمس (أ.ف.ب)
TT

اجتماع باريس.. تمثيل ضعيف بحضور إيران.. ومطالب بـ«ضمانات» لما بعد تحرير الموصل

مدرعة لمليشا الحشد الشعبي تحمل شعارات طائفية خلال حملة تحرير الموصل من قبضة «داعش» أمس (أ.ف.ب)
مدرعة لمليشا الحشد الشعبي تحمل شعارات طائفية خلال حملة تحرير الموصل من قبضة «داعش» أمس (أ.ف.ب)

23 دولة وثلاث منظمات إقليمية ودولية، (الجامعة العربي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة)، شاركت أمس في الاجتماع الدولي الذي دعت إليه فرنسا، وترأسته إلى جانب العراق ممثلا بوزير خارجيته إبراهيم الجعفري في بادرة «استباقية» لما يمكن أن يحصل في الموصل التي تسعى القوات العراقية والكردية وميليشيا «الحشد الشعبي» والحشد الوطني لتحريرها من «داعش» الموجودة فيها منذ يونيو (حزيران) من عام 2014. ولإظهار الاهتمام الكبير الذي توليه باريس لهذه المسألة، فقد حرص الرئيس فرنسوا هولاند على افتتاح أعمال الاجتماع، فيما بعث رئيس الوزراء العراقي برسالة فيديو للمؤتمرين.
الاجتماع جاء واسعا بحضوره، لكن مستوى التمثيل بدا ضعيفا، إذ لم يحضر من الوزراء المدعوين سوى ستة وزراء (أربعة عرب: الأردن وقطر والبحرين والكويت) ووزيران غربيان (بريطانيا وهولندا)، فيما جاء تمثيل الدول الأخرى متقلبا ما بين وزير دولة أو سفير معتمد في باريس. ومن بين الدول التي حضرت إيران التي أعلن وزير الخارجية الفرنسي سابقا عدم دعوتها، حيث أفاد أمس في المؤتمر الصحافي المشترك مع الجعفري بأنه «تشاور» مع الوزير العراقي، وتم الاتفاق على دعوة الجميع، خصوصا أن إيران «بلد كبير في المنطقة ومن المفيد أن يحضر الجميع». وكانت مصادر فرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» سابقا، إن الشروط الضرورية لدعوة إيران «لم تكن متوافرة». وشرحت مصادر أخرى معنى هذه العبارة بقولها إنه «ظهر اعتراض» من دول خليجية على حضور إيران، لكن في النهاية سويت المسألة. ومثل إيران سفيرها في باريس علي آهاني. أما ضعف التمثيل فقد عزته مصادر دبلوماسية فرنسية إلى «ضيق الوقت» و«سرعة التحضير». لكن ذلك لم يقلل من أهمية الاجتماع الذي سيتلوه يوم الثلاثاء المقبل اجتماع لـ12 وزير دفاع غربيا في مقر وزارة الدفاع الفرنسية لمتابعة المسائل العسكرية ومواكبة تقدم معركة الموصل. أما اجتماع الأمس، فقد ركز على المسائل الإنسانية والسياسية: الإنسانية بالدرجة الأولى، لأن همَّ المجتمعين ذهب أولا لكيفية التعاطي مع المدنيين الذين سيتدفقون من الموصل إلى المخيمات والمناطق القريبة بمئات الآلاف. أما الجانب السياسي فكان محوره حاجة المؤتمرين إلى التعرف على خطط الحكومة العراقية في موضوع التعامل مع الموصل بعد تحريرها، بغرض تلافي التجاوزات التي حصلت في مناطق ومدن أخرى حررت من «داعش». وقالت مصادر رسمية حضرت الاجتماع، إن كثيرا من المؤتمرين توجهوا إلى وزير الخارجية العراقي، مطالبين إياه بـ«ضمانات» لمرحلة ما بعد التحرير.
ثمة نقطة رئيسية ما فتئت باريس تشدد عليها منذ أن انطلقت معركة الموصل، وهي تعكس في العمق المخاوف الفرنسية بالدرجة الأولى. وعنوان القلق الفرنسي هو مدينة الرقة التي تتخوف فرنسا من أن تكون وجهة مقاتلي «داعش» الذين سيتركون العراق إلى سوريا. ولا تريد فرنسا أن تتحول الرقة إلى «موصل جديدة». وسبب الخوف «الحذر» الفرنسي من الخطط الأميركية، حيث إن واشنطن «لا تنظر إلى الرقة بالأهمية نفسها التي تنظر فيها إلى الموصل»، وفق مصدر دبلوماسي واسع الاطلاع. وفي أي حال، لا تعتبر باريس أن تحرير الرقة سيكون في عهد الإدارة الأميركية الحالية. فضلا عن ذلك، تبدو باريس متيقنة من أن ضرب الرقة أولوية فرنسية، ليس فقط بسبب انسحاب مقاتلي «داعش» إليها، لكن أيضا لأن الفرنسيين المنضمين إلى «داعش»، بحسب معلومات المخابرات، موجودون في الرقة التي فيها خطط للعمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا في الأشهر العشرين الأخيرة.
وفي الكلمة التي ألقاها في افتتاح الاجتماع، شدد الرئيس هولاند على أهمية معركة الموصل التي وصفها بـ«الحاسمة»، لأنها تضرب «قلب عرين (داعش)». لكن هولاند رأى أن هزيمة «داعش» في الموصل على أهميتها لن تكون كافية، إذ يتعين «ملاحقة الإرهابيين الذين يتركون الموصل للذهاب إلى الرقة». وأضاف الرئيس الفرنسي، أن أمرا مثل هذا «لا يمكن أن يكون مقبولا بحيث (يتبخر) الذين يفورن من الموصل إلى أماكن أخرى». أما وزير الخارجية الفرنسي فقد دعا إلى «استكمال» معركة الموصل في الرقة والقضاء على «داعش» في سوريا وليبيا ومحاربة تمويله، والوقوف بوجهه آيديولوجيا. ومن جانبه، اعتبر الجعفري أنه «من الخطأ» تصور نهاية «داعش» مع سقوط الموصل، بل يتعين الاستمرار في محاربته أينما وجد، «لأنه خطر عالمي»، ولأن الإرهاب «كل لا يتجزأ»، وهو «لا يميز بين بلد وآخر».
لم تثر الجوانب الأمنية أي «تساؤلات» أو نقاشات داخل الاجتماع الذي دام أربع ساعات. ولم يشر إليها البيان الصادر عن المجتمعين إلا بفقرة واحدة، جاء فيها أنهم «شددوا على عزمهم على أن تضمن عمليات تحرير الموصل التي تولى العراق تخطيطها وقيادتها بمساندة المجتمع الدولي، القضاء على الإرهابيين بأكبر قدر من الفعالية». كذلك لم تثر مسألة توفير المساعدات الإنسانية للمدنيين الفارين أو الذين سيفرون من الموصل ومنطقتها والذين اعتبر الوزير الفرنسي أن عددهم قد يصل إلى المليون، أي إشكاليات، باعتبار أن الجميع «واع» لخطورة المسألة. وتولى ممثل الأمم المتحدة شرح الخطوات والتدابير التي اتخذتها المنظمة الدولية لاستباق ومواجهة الوضع الناشئ الذي سيتطلب إمكانيات مادية ولوجيستية بالغة الضخامة. وقد حصل العراق على تأكيدات من الدول الحاضرة بتوفير الدعم له، ولكن من غير الخوض في أرقام المساعدات. وبحسب مصدر حضر الاجتماع، فإنه تم التأكيد من الدول المانحة على توفير مبلغ 1.5 مليار دولار الذي صدرت بشأنه وعود في اجتماع نيويورك في شهر يوليو (تموز) الماضي. وجاء في البيان أن المشاركين «أعربوا عن تضامنهم وحشد جهودهم لمساعدة العراقيين، نظرا لحجم حاجاتهم الإنسانية».
تبقى المسألة الأصعب، وهي تتمثل فيما سيحصل في الموصل بعد تحريرها. وفي هذا الصدد، انصبت المداخلات على الحاجة إلى «إرساء الاستقرار الفوري». وقال الرئيس هولاند إنه يتعين أن «تنصب جميع الجهود على توفير الحماية للسكان الذين يستخدمهم (داعش) دروعا بشرية»، مشددا على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحق الإنساني الدولي، فيما ربط الوزير إيرولت مصير العراق بما سيحصل في الموصل التي أبدى بشأنها كثير من المتدخلين المخاوف من أن تشهد ما سبق أن شهدته مناطق عراقية أخرى عقب تحريرها من «داعش». وجاء البيان على هذا المسألة بلغة واضحة وقوية، إذ أشار إلى أن المشاركين «شددوا على الأولوية الاستراتيجية والإنسانية المتمثلة في إرساء الاستقرار في الموصل وضواحيها وفي المناطق المحررة من تنظيم داعش، بغية تمكين ملايين النازحين من العودة الطوعية والدائمة والكريمة والآمنة إلى ديارهم». كذلك طالب المجتمعون بـ«عقد اتفاق سياسي شامل بين السلطات الوطنية العراقية والجهات الفاعلة المحلية، من أجل تعزيز الحوكمة في الموصل وضواحيها، على أن تحترم التنوع السكاني وتكفل التعايش السلمي بين مختلف السكان». وتقبل إيرولت مسألة تفتيش اللاجئين والفارين قبل قبولهم في المخيمات المخصصة لاستقبالهم.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.