لم ينتظر كثير من اللاجئين السوريين الذين قذفت بهم الحرب المستعرة في بلادهم إلى تركيا المجاورة اللحظة التي يتحولون فيها إلى أرقام في دفاتر سجلات لجان الأمم المتحدة لتسجيلهم في دفاتر اللاجئين، انتظارًا لتلقي المعونات، بل تحولوا إلى طاقة عمل وإنتاج وإثراء لاقتصاد تركيا ونموها.
وتمكن كثير من أصحاب الأعمال والحرفيين السوريين من تحويل مأساتهم إلى فرصة جديدة للعمل والاستثمار في تركيا، التي أصبحت نقطة عودة إلى بلادهم عندما تتحرر مناطقهم.
ومن بوابة السوريين الذين نزحوا إلى تركيا بسبب الحرب وفقدان ديارهم، عادت الصناعات والخدمات المنتجة في تركيا إلى المدن المحررة مع ارتفاع أعداد الشركات التي يمتلكها السوريون أو التي يشاركون فيها مواطنين أتراكًا.
وكشفت دراسة حديثة حول أوضاع السوريين في تركيا انتعاش الصادرات التركية إلى سوريا من جديد، على الرغم من قطع العلاقات رسميا مع النظام السوري بعد اندلاع الثورة في مارس (آذار) 2011. وبدأت أرقام حجم البضائع التركية، التي تفيض بها الأسواق السورية في المناطق المحررة من «داعش» على حدود تركيا، تقترب من أرقام التبادل التجاري بين تركيا وسوريا قبل الأزمة.
وقدم احتضان الاقتصاد التركي لآلاف الحرفيين والصناعيين السوريين فرصة للطرفين بفضل البنية التحتية للاقتصاد المحلي رغم الصعوبات التي تواجهها جميع الدول المستضيفة للاجئين.
ويعد عامل السن للاجئين السوريين أبرز الفرص التي يشكلها دمجهم في السوق التركية، حيث يشكل الشباب القادر على العمل نسبة مرتفعة تصل إلى أكثر من 60 في المائة، أي مليونًا و637 ألفًا، من أصل مليونين و725 ألف سوري في تركيا.
ونجحت تركيا في استغلال ما عجزت عنه كثير من دول أوروبا، في تحويل أزمة اللاجئين إلى عامل إيجابي ومنتج وإلى إضافة جديدة للاقتصاد المحلي بحسب الدراسة. ومن إجمالي اللاجئين السوريين في تركيا، كان نحو 73 في المائة من الذكور يمارسون العمل في بلادهم قبل الحرب، وهناك أيضًا 14 في المائة من الإناث ممن هم في نطاق سن العمل.
ويوجد 763 ألف سوري مؤهل وقادر على العمل في السوق التركية حاليًا.
وتشير إحصاءات إلى أن نسبة حَمَلة المؤهلات الجامعية من بين اللاجئين السوريين، الذين سلكوا طرق الهجرة نحو أوروبا، بلغت 30 في المائة، أي أكثر من معدل الجامعيين في كثير من الدول الغربية مثل ألمانيا.
وأعطت هذه الإحصاءات مؤشرا للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته فتحدثوا في أكثر من مناسبة عن منح الجنسية التركية للسوريين من ذوي الكفاءات حتى لا يغادروا إلى دول أخرى، خصوصًا إلى دول أوروبا. وكان صندوق النقد الدولي طالب الدول الأوروبية المستضيفة للاجئين السوريين كألمانيا بضرورة دمجهم في سوق العمل.
وأشار الصندوق في تقرير حول الاقتصاد الألماني، في أبريل (نيسان) الماضي إلى أن الشيخوخة تؤثر سلبًا على الاقتصاد الألماني وسوق العامل، داعيًا لضرورة دمج اللاجئين والاستفادة من شبابهم. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أصدرت الحكومة التركية قرارًا بتسهيل عملية دخول العمالة السورية إلى السوق المحلية. وانعكس القرار إيجابًا على أعداد الحاصلين على أذون العمل، رغم الإبقاء على عدد من التحفظات في القرار.
وفي الفترة بين 2011 إلى 2015، حصل 7700 سوري على إذن عمل في تركيا، في حين حصل 5500 على الإذن منذ إصدار القرار الأخير في يناير وحتى سبتمبر (أيلول) الماضيين.
ويقدم الوجود السوري في تركيا دعمًا كبيرًا لحجم الطلب في السوق التركية، مما يعني ارتفاعًا في الاستهلاك والطلب، وأسهم السوريون في تحريك عجلة الاقتصاد من خلال نقل وإنشاء الشركات في تركيا. ولا يشكل الأمر نقلاً لرؤوس الأموال، وعاملاً لإعادة الصادرات التركية إلى سوريا فحسب، بل يمثل نقلاً لشبكات العلاقات التجارية أيضًا.
ويعد تعلُّم السوريين اللغة التركية واحدًا من أبرز التحديات التي تواجه عملية الدمج وسعت السلطات التركية حثيثا لتعليم اللاجئين السوريين، إلا أن المخرجات كانت أقل من المأمول. ففي أحد مخيمات اللاجئين تمكن 39 شخصًا فقط من اجتياز اختبار الكفاءة الأدنى في اللغة التركية من أصل 25 ألف نسمة.
ويعد نقص المعلومات عن اللاجئين تحديًا آخر، وشهدت البلاد موجات كبيرة من اللجوء، فلم تمنح السلطات الوقت الكافي لجمع كل البيانات المطلوبة عن كل لاجئ، الأمر الذي سيتطلب تداركه وقتًا وجهدًا كبيرين. وتحدثت الدراسة عن تحديات أمنية وقانونية وتمويلية، علاوة على المعارضة التي تبديها أطراف سياسية في تركيا للعملية برمتها، وأبرزها حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، الذي ينظر إلى سياسة تركيا في سوريا والشرق الأوسط على أنها خاطئة من البداية.
في الوقت نفسه، فإن ضعف الأداء الدولي في التعامل مع الأزمة والتباطؤ في تحقيق الوعود المقدمة للاجئين أو لتركيا، تسبب بتفاقم الأزمة وتأخر القيام بخطوات عملية لمعالجته. ودعت الدراسة إلى ضرورة عدم التعامل مع السوريين على أنهم لاجئون مؤقتون، لأن ذلك سيسهم في تفاقم الأزمة الإنسانية بالنسبة لهم، والاقتصادية بالنسبة لتركيا.
ويحقق السوريون المقيمون في تركيا بسبب ظروف الحرب في بلادهم عائدات تبلغ 5 ملايين دولار يوميا من البضائع التركية التي يقومون بإدخالها إلى سوريا.
ويصدر السوريون المنتجات الغذائية بشكل خاص من تركيا عبر بوابتي أونجو بينار وجيلفاجوزو الحدوديتين بين تركيا وسوريا.
ويقول طاهر أحمد قاسم رئيس غرفة التجارة والصناعة السورية في تركيا إننا نعمل على زيادة كمية الصادرات من تركيا يوميا، وبالتالي زيادة مساهمتنا في إدخال العملة الأجنبية إلى تركيا، لافتا إلى أن غرفة التجارة والصناعة السورية في تركيا أنشئت منذ نحو عامين في بلدة ريحانلي (الريحانية) في محافظة هطاي جنوب تركيا المتاخمة للحدود السورية، ويبلغ عدد أعضائها الآن 600 عضو، وهم يخططون لافتتاح فروع لها في محافظتي مرسين وغازي عنتاب جنوب تركيا أيضًا.
وتقدمت الغرفة السورية بالأوراق المطلوبة للسلطات التركية من أجل الموافقة على تصدير السكر إلى سوريا كما تسعى لتوسيع نشاطها في تصدير الحاصلات والمنتجات الزراعية إلى المناطق القريبة من الحدود التركية، مثل إدلب وغيرها، وجلب بضائع من سوريا إلى داخل تركيا مثل العدس والقطن والفول والكمون.
أما بالنسبة للشركات السورية في تركيا ففد باتت الشركات التي يتم افتتاحها سنويا في تركيا تشكل نسبة الربع من 50 ألف شركة تفتتح كل عام.
وبلغ عدد الشركات الجديدة التي تم افتتاحها في تركيا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي ألفين و786 شركة مشتركة بين أتراك وأجانب، وبحسب إحصاءات صادرة عن اتحاد الغرف التجارية والبورصات التركي بلغ عدد الشركات المشتركة مع السوريين من هذا الرقم ألفًا و102 شركة، مقابل 177 شركة مع شركاء من العراق وألمانيا.
كما شكل وجود اللاجئين السوريين في تركيا أحد أسباب الارتفاع المفاجئ في معدل نمو الاقتصاد التركي خلال الربع الثالث من العام الماضي 2015.
ويشكل السوريون أكبر تجمع للاجئين في العالم، وتركوا أثرًا إيجابيًا على الاقتصاد في تركيا يتمثل في البداية بمساهمة اللاجئين السوريين في جلب بضائع كالثلاجات والمواقد بالإضافة لزيت الطهي والخبز والدقيق ومواد البناء إلى تركيا منذ خمس سنوات.
وعلى الرغم من أن اللاجئين السوريين في تركيا والبالغ عددهم نحو 2.7 مليون شخص يشكلون ضغطًا على المساكن والوظائف لكنهم في الوقت نفسه يحفزون النمو الاقتصادي، وعدم حصول كثير منهم على تصاريح عمل دفعهم إلى العمل بطريقة غير قانونية، في حين أسهم المال الذي ينفقونه في تغذية الاقتصاد ودعموا النمو من خلال الإنفاق الاستهلاكي.
وبحسب الخبراء، من الصعب التوصل لأرقام عن مساهمات اللاجئين السوريين الذين يقيمون خارج مخيمات اللجوء، لأن بعض إنفاقهم يتركز في قطاعات اقتصادية غير رسمية.
على الجانب الآخر، أسهم تدفق اللاجئين السوريين في زيادة الأسعار، خصوصًا أسعار الغذاء وإيجارات المساكن في مناطق بها كثافة عالية من اللاجئين، في حين قالت الحكومة التركية أيضًا في وقت سابق إنها أنفقت منذ بداية الصراع في سوريا أكثر من 10 مليارات دولار على معسكرات اللاجئين وضخّت مزيدًا من المال على البضائع والخدمات.
وارتفعت الأسعار الاستهلاكية السنوية إلى 9.48 في المائة في يناير في عموم تركيا لكن المعدلات بلغت 10.67 في المائة في مناطق حدودية مثل غازي عنتاب وأديامان وكيليس.
وكان السوريون قبل التعديلات الجديدة الخاصة بتصاريح العمل في تركيا يوضعون في خانة المستهلكين فقط حتى الفترة الأخيرة، مما تسبّب في زيادة التضخم لكن بعد حصولهم على حق العمل سيسهم هذا في الحد من التضخم، لكنه في الوقت نفسه سيتسبّب في زيادة البطالة لدخولهم في دورة الإنتاج.
كيف جعل السوريون تركيا تنظر إليهم كفرصة؟
تفكر في تجنيسهم بعدما أعطوا دفعة لاقتصادها
كيف جعل السوريون تركيا تنظر إليهم كفرصة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة