في خطوة يبدو أنها تهدف إلى تحقيق أكثر مما هو معلن بكثير قررت موسكو يوم أمس وقف الغارات الجوية التي تشنها قواتها الجوية ومقاتلات النظام السوري على شرق مدينة حلب، عاصمة شمال سوريا وثاني كبرى مدنها، غير أن المسؤولين الروس ربطوا قرار وقف الغارات بمحادثات ستجرى في جنيف لبحث اقتراح الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا حول خروج مقاتلي «جبهة النصرة» من حلب. مع هذا، يرى مراقبون أن تصريحات المسؤولين الروس لا تدع مجالا للشك في أن روسيا تحاول إزاحة اقتراح دي ميستورا عن مساره واستغلاله لتحقيق أهداف مشتركة مع النظام السوري بخروج كل المقاتلين - بمن فيهم مسلحو المعارضة المعتدلة - من حلب.
جاء الإعلان عن وقف عمليات القصف الجوي على شرق حلب على لسان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في تصريحات له يوم أمس ربط فيها الخطوة الجديدة بمحادثات ستجرى في جنيف على مستوى خبراء من الدول التي شاركت في «لقاء لوزان»، بسويسرا، وذلك لبحث آليات الفصل بين مجموعات المعارضة و«جبهة النصرة». وقال شويغو بهذا الصدد إن «روسيا تتوقع أن تساهم مبادرتها (وقف القصف الجوي) في نجاح عمل الخبراء العسكريين في جنيف»، موضحا أن الخبراء الروس قد اتجهوا إلى جنيف وأن «العمل هناك سيركز بالدرجة الأولى على فصل الإرهابيين عن المعارضين المعتدلين، وخروجهم من الأجزاء الشرقية من حلب».
ويبدو أن الأمر بالنسبة لروسيا لا يقتصر على الاتفاق بشأن خروج «جبهة النصرة»، بل إن المطلوب على ما يبدو خروج المعارضة وتسليم المدينة دون قتال للنظام. وما يشير إلى ذلك مطالبة وزير الدفاع الروسي في تصريحاته يوم أمس «القيادات في الدول التي لها تأثير على قادة المجموعات المسلحة بإقناع المقاتلين بالكف عن المقاومة والخروج من حلب»، حسب قوله، داعيا الأطراف المهتمة بعودة الوضع إلى طبيعته في حلب بـ«الابتعاد عن الديماغوجية السياسية» والانتقال للقيام بخطوات عملية. وحرص شويغو على طمأنه من يقرر الانسحاب من حلب، مؤكدا أن قوات النظام السوري ستنسحب من المنطقة خلال «الهدنة الإنسانية» كي يتمكن المقاتلون من الخروج عبر ممرّين تم تخصيصهما لذلك، ومشددا في الوقت ذاته على أن وقف القصف الجوي سيسمح للمدنيين بالخروج من مدينة حلب.
الكرملين يرى في قرار وقف القصف الجوي على حلب فرصة للأطراف الأخرى المنخرطة في الشأن السوري كي تبادر إلى القيام بخطوات محددة. وحسب قول ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، فإن «موسكو تنتظر الآن الجهود من جانب الشركاء في التسوية السورية، بأن يتسلموا أخيرا الراية، وأن يساهموا كذلك في العملية الإنسانية، وأن يدفعوا كي يغادر المجرمون مدينة حلب، وأن تبدأ عملية الفصل بين ما يسمى المعارضة المعتدلة والمجموعات الإرهابية». وفي حين لم يتمكن بيسكوف من الإجابة على سؤال حول الفترة التي سيبقى ساريا خلالها العمل بقرار وقف الضربات الجوية أشار المتحدث الرسمي باسم الرئاسة إلى أن «الأمر رهن بعوامل عدة. أولا: نجاح العملية الإنسانية. ثانيا: قدرة من له تأثير على أولئك المجرمين بأن يدفعهم للخروج من المدينة، والبدء بعد ذلك بعملية الفصل بين المجرمين وغير المجرمين»، دون أن يوضح كيف يريد خروج «المجرمين» أولا ومن ثم البدء بعملية فصلهم عن «غير المجرمين».
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فلقد وصف قرار وقف القصف الجوي على حلب بأنه «بادرة حسن نية»، موضحا في تصريحات له يوم أمس أن روسيا أقدمت على تلك المبادرة على أمل أن يتم استخدامها للفصل أخيرا بين «جبهة النصرة»، واشباهها من «المجموعات المسلحة»، التي تتلقى الدعم والسلاح والعتاد من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية ودول المنطقة».
وإذ تحاول موسكو من خلال ربط قرارها بوقف الضربات الجوية مع المحادثات التي ستجرى في جنيف بشأن آليات الفصل بين «النصرة» والمعارضة بالإيحاء بأن القرار جاء لخلق أجواء إيجابية بالتزامن مع تلك المحادثات، يرى مراقبون أن موسكو أقدمت على «مبادرة وقف الضربات الجوية» مضطرة، نظرا لعوامل عدة في مقدمتها فشل قوات النظام السوري ومعها قوات إيرانية وميليشيا ما يُسمى «حزب الله» وعشرات المجموعات الطائفية مدعومة بغطاء جوي روسي مسبوق، فشلها كلها في حسم معركة حلب بالسرعة التي ربما كان يأملها الروس وتعهدت بها دمشق وطهران. أما العامل الثاني فهو الضغط الدولي المتزايد على روسيا نتيجة الوضع الكارثي الذي خلفه استمرار العملية العسكرية في حلب.
موسكو تعلن وقف القصف على حلب.. وتدعو إلى لقاء لبحث آليات الفصل بين قوات المعارضة
قالت إنها مبادرة لإنجاح محادثات جنيف حول اقتراح دي ميستورا
موسكو تعلن وقف القصف على حلب.. وتدعو إلى لقاء لبحث آليات الفصل بين قوات المعارضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة