النظام يستكمل قضم الغوطة الغربية.. ويعزل خان الشيح {الفلسطيني} عن محيطه

اتفاق بين الفرقة الرابعة ووجهاء معضمية الشام يخرج مسلحيها إلى إدلب

قدسيا بريف دمشق الغربي كما بدت أمس بعد إخراج المقاتلين وعائلاتهم إلى إدلب شمال سوريا في أعقاب حصار من النظام وقصف بالطيران (إ.ب.أ)
قدسيا بريف دمشق الغربي كما بدت أمس بعد إخراج المقاتلين وعائلاتهم إلى إدلب شمال سوريا في أعقاب حصار من النظام وقصف بالطيران (إ.ب.أ)
TT

النظام يستكمل قضم الغوطة الغربية.. ويعزل خان الشيح {الفلسطيني} عن محيطه

قدسيا بريف دمشق الغربي كما بدت أمس بعد إخراج المقاتلين وعائلاتهم إلى إدلب شمال سوريا في أعقاب حصار من النظام وقصف بالطيران (إ.ب.أ)
قدسيا بريف دمشق الغربي كما بدت أمس بعد إخراج المقاتلين وعائلاتهم إلى إدلب شمال سوريا في أعقاب حصار من النظام وقصف بالطيران (إ.ب.أ)

لم يتوقف النظام السوري عن اعتماد سياسة القضم التدريجي للبلدات الواقعة في ريف دمشق، خصوصًا تلك القريبة من العاصمة، سواء بتكتيك العمليات العسكرية أو بالاتفاقات التي تفضي إلى إخلاء هذه المناطق من مسلحيها، لإحكام سيطرته عليها وتأمين الخواصر الرخوة التي تشكّل في مرحلة لاحقة تهديدًا محتملاً للعاصمة، وذلك بالتزامن مع ما أعلن عن اتفاق توصل إليه النظام مع وجهاء معضمية الشام قضى بإخراج المسلحين منها.
وفيما يختار النظام التفاوض في مكان، يلجأ إلى القوّة العسكرية في مكان آخر، وهذا ما حصل في بلدة خان الشيح الواقعة في الغوطة الغربية، حيث قصف الطيران المروحي البلدة بالبراميل المتفجرة، كما قصفت المدفعية بلدتي زاكية والمقيلبية القريبة من خان الشيح، ممهدًا لهجوم بري ومحاولة السيطرة عليها.
ويأتي القصف الجوي والمدفعي على خان الشيح التي يقطنها أكثر من عشرة آلاف لاجئ فلسطيني، بعدما دخل حصارها أسبوعه الثالث، ومعه بدأت تتكشّف أزمة إنسانية، جراء نفاد السلع والمواد الأساسية من الأسواق والمنازل، ولا سيما الخبز والطحين والخضار والمواد التموينية كالسكر والبرغل والشاي والمعلبات.
مصدر عسكري معارض في ريف دمشق الغربي، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بعد سيطرة النظام على بلدة الديرخبية، يحاول الآن عزل المدن والقرى الواقعة تحت سيطرة الثوار عن بعضها البعض». وأشار إلى أن النظام «يعمد الآن إلى فصل خان الشيح عن بلدتي زاكي والمقيلبية، بالنار، سواء بالقصف الجوي أو المدفعي، ومن ثمّ بإنهاك هذه المناطق بالقصف على أحيائها». وقال: «هذه ترجمة لعمليات قضم متدرجة تمكنه لاحقًا من فرض هدن على هذه المناطق وفق شروطه»، كاشفًا أن طائرات النظام «ألقت أمس (الأول) منشورات على مدينة التل التي تمثّل آخر معاقل المعارضة في جبال القلمون الشرقية المتاخمة لدمشق، يدعو فيها المسلحين لمغادرة المدينة». وشدد المصدر العسكري على «ضرورة أن تعي الفصائل أهمية السعي إلى مجلس عسكري موحّد، يوقف هذا الزحف وفرض خيار الأسد وعصاباته على الناس».
من جهته، رأى الناشط المعارض في الغوطة ضياء الحسيني، أن النظام «اتخذ من داريا نموذجًا مناسبًا لتطبيقه على كل مدن وقرى الغوطة الغربية، وهذا ما فعله في قدسيا والهامة قبل أيام». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهدف الرئيسي للنظام هو تأمين دمشق، عبر إفراغ كل المناطق المحيطة بها، ولذلك لا يتوانى عن استراتيجيته العسكرية واعتماد سياسة الأرض المحروقة التي تدفع الناس إلى توسل الهدنة أو القبول بعروض الترحيل، وهو ما تشهده الآن بلدة خان الشيح».
أما تراجع المواجهات على الأرض، فأعلن الناشط الحسيني، أن «هذا الأسلوب له ما يبرره، فالنظام يتجنّب الآن عمليات الاقتحام البري لتلافي خسائره البشرية، ولذلك يكتفي بالقصف الجوي والقصف المدفعي العشوائي الذي يستهدف الإبادة، مستفيدًا من صمت العالم والأمم المتحدة عن هذه الجرائم»، متوقعًا أن تواصل قوات الأسد سياسة القضم الممنهج، وحذّر من أنه «بعد السيطرة على خان الشيح سيأتي دور مخيم اليرموك ومخيم فلسطين ويلدا وبابيلا ويكمل زحفه إلى وادي بردى، من دون أن ننسى مخططه لتطهير أحياء دمشق الخارجة عن سيطرته مثل القابون وبرزة وجوبر».
وفي مقابل التصعيد العسكري كشف عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني، عن «اتفاق أبرم بين النظام وفاعليات معضمية الشام، قضى بإخراج مقاتلي المعارضة من المدينة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الاتفاق «وقّعه مسؤول الفرقة الرابعة في ريف دمشق العميد غسان بلال وهو مدير مكتب ماهر الأسد، مع وجهاء المعضمية الموجودين في داخل المدينة وخارجها، ويقضي بخروج جميع المسلحين من المدينة، وكذلك خروج المسلحين من منطقة المزّة وكفرسوسة، الذين يرفضون تسوية أوضاعهم، إلى ريف إدلب مع أسلحتهم الخفيفة خلال يومين فقط».
وعمّا إذا كان ثمة تخوف من أن يعمد النظام في مرحلة لاحقة إلى أفراع المعضمية من سكانها المدنيين، على غرار ما فعل في داريا، أوضح الداراني، أن «هذا الاحتمال مستبعد أقله في هذه المرحلة، لأن المعضمية تختلف عن داريا التي كانت مدمّرة كليًا وفيها 8 آلاف مدني، في حين أن المعضمية غير مدمرة وفيها 100 ألف مدني نصفهم موظفون في مؤسسات الدولة».
أما في الغوطة الشرقية، فقد نفذت طائرات حربية صباح أمس 4 غارات على أطراف تل كردي وبلدة الريحان، وسط تجدد الاشتباكات في المحورين بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المعارضة المسلحة من جهة أخرى.
وإذا كان الخوف قائمًا من تمدد مسلسل التهجير إلى الغوطة الشرقية، أكد الناشط ضياء الحسيني أن «الميزان العسكري في الغوطة الشرقية مختلف عن الغوطة الغربية». وقال: إن النظام يواجه معضلة أساسية في الغوطة الشرقية، فقد حاول أول من أمس التقدم باتجاه بلدة الريحان «لكن جيش الإسلام تصدى له، وكبده خسائر كبيرة في الأرواح وغنم أسلحة وآليات وذخائر».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».