يقضي سكان المدن كل لحظة من كل يوم تقريبًا غارقين في إشارات «الواي - فاي». وتنشر الشوارع، والشركات، والمباني الإدارية الإشارات السلكية في كل اتجاه ممكن لصالح الهواتف، وأجهزة الكومبيوتر اللوحي (تابلت)، والكومبيوترات المحمولة، والأجهزة الملبوسة، وغيرها من الأجهزة ذات الصلة.
مراقبة المستخدمين
عندما تتصل هذه الأجهزة بجهاز توجيه الإشارة router، ترسل طلبات للحصول على المعلومات مثل: توقعات الطقس، وآخر الأخبار الرياضية، ومقالات الأخبار. وفي المقابل، تستقبل الأجهزة تلك البيانات، وكل ذلك عبر الأجواء. وأثناء الاتصال مع الأجهزة، يقوم جهاز التوجيه أيضًا بجمع المعلومات حول كيفية انتقال الإشارات عبر الأجواء، وما إذا كانت تتعرض للتعطيل أو العقبات أو التدخلات. ومن خلال تلك البيانات، يمكن لجهاز التوجيه تنفيذ بعض التعديلات للاتصال بصورة أكثر موثوقية مع الأجهزة المتصل بها.
ولكن يمكن استخدام جهاز التوجيه أيضًا في مراقبة البشر - وبطريقة مفصلة مثيرة للاستغراب والدهشة.
أثناء انتقال الناس مع إشارة «الواي - فاي»، فإن أجسادهم تؤثر عليه، وتستوعب بعض الموجات وتعكس موجات أخرى في اتجاهات مختلفة. ومن خلال تحليل الطرق الصحيحة التي يتم بها تبديل إشارة «الواي - فاي»، عندما يتحرك الإنسان خلالها، يمكن للباحثين «رؤية» ما يكتبه شخص ما بأصبعه في الهواء، وتحديد شخص معين من خلال الطريقة التي يمشي بها، وحتى قراءة شفاه الشخص بدقة مذهلة - وفي بعض الحالات حتى إذا كان جهاز التوجيه ليس موجودًا في الغرفة نفسها التي يقوم فيها الشخص بهذه التصرفات.
تحديد هوية الأشخاص
ركزت كثير من التجارب الأخيرة على استخدام إشارات «الواي - فاي» في تحديد الأشخاص، إما على أساس شكل الجسم أو الطريقة المعينة التي يتحرك بها. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أرسلت مجموعة من الباحثين في علوم الكومبيوتر من جامعة نورث ويسترن للفنون التطبيقية في الصين ورقة بحثية للنشر في أرشيف إنترنتي للأبحاث العلمية، تحدثت عن نظام يمكنه، وعلى وجه الدقة، التعرف على الأشخاص أثناء مشيهم عبر أحد الأبواب في تسع من أصل عشر مرات.
إلا أنه يجب تدريب النظام أولا، إذ يجب عليه معرفة أشكال أجسام الأشخاص حتى يمكنه التعرف عليها في وقت لاحق. وبعد تذكّر أشكال أجسام الأشخاص، يراقب النظام، الذي أطلق الباحثون عليه اسم «فري سينس» FreeSense، الأشخاص أثناء عبورهم خط الرؤية. ثم يخبر الباحثون النظام أن الشخص العابر التالي لخط الرؤية سوف يكون شخصًا من اثنين، ويمكن للنظام تحديد أي الشخصين هو الصحيح بنسبة دقة تصل إلى 95 في المائة. أما إذا ما تخير النظام بين ستة أشخاص، فإنه يحدد الشخص الصحيح بنسبة 89 في المائة.
واقترح الباحثون استخدام التكنولوجيا في الإعدادات الذكية للمنازل الحديثة: إذا ما استشعر جهاز التوجيه دخول أحد الأشخاص إلى الغرفة، فيمكنه الاتصال بأجهزة أخرى متصلة بجهاز التوجيه - مثل المصابيح، والأجهزة المنزلية، وستائر النوافذ - لتهيئة الغرفة حسب أفضليات هذا الشخص.
ويماثل نظام «فري سينس» نظام تحديد آخر يعتمد على شبكة «الواي - فاي»، وهو ذلك الذي عرضته مجموعة من الباحثين من أستراليا والمملكة المتحدة في مؤتمر عقد في وقت سابق من هذا العام. ونظامهم المعروض للتعريف بالهوية، وهو باسم «واي - فاي آي دي» Wi - Fi ID، يركز على المشي كطريقة لتحديد الأشخاص من بين مجموعة صغيرة. وحقق ذلك النظام دقة بنسبة 93 في المائة عند الاختيار بين شخصين اثنين، ونسبة 77 في المائة من الدقة عند الاختيار بين ستة أشخاص. وفي نهاية المطاف، كما كتب الباحثون، يمكن للنظام أن يتمتع بالدقة الكافية حتى إنه يصدر صوت إنذار إذا ما تسلل شخص غريب إلى الداخل.
رصد خلف الجدران
وكان اثنان من الباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قد ذكرا في عام 2013 أنهما يمكنهما استخدام جهاز التوجيه في كشف عدد من الأشخاص داخل غرفة، وتحديد حركات الأذرع الأساسية لهم، وحتى من خلال وجود جدار فاصل بينهم وبين الجهاز. ويمكنهما القول كم عدد الأشخاص داخل الغرفة من وراء باب خشبي صلب، وجدار بسمك 6 بوصات (15 سم) مدعوم بقضبان فولاذية، أو جدار من الإسمنت بسمك 8 بوصات (20 سم)، والكشف عن الرسائل المرسلة عبر الأجواء من مسافة 5 أمتار (مع وجود الجهاز في غرفة أخرى)، ولكن بدقة تصل إلى 100 في المائة.
وعن طريق استخدام مجسات أكثر دقة، واصل الباحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تطوير النظم التي يمكنها التمييز بين مختلف الأشخاص الواقفين وراء الجدران، ورصد معدلات التنفس وضربات القلب عن بُعد مع دقة تبلغ 99 في المائة. وحصل الرئيس أوباما على لمحة من التكنولوجيا الأخيرة أثناء يوم تجريبي في البيت الأبيض خلال العام الماضي في صورة جهاز «ايميرالد» (Emerald)، وهو جهاز مخصص لكبار السن ويمكنه رصد النشاط البدني الذي يتم في جميع أنحاء المنزل. ويحاول الجهاز توقع سقوط الشخص الكبير في السن حتى قبل أن يقع فعلاً عن طريق مراقبة أنماط حركة الشخص.
ولما وراء تحديد الأشخاص والتعرف على الإيماءات العامة، يمكن استخدام إشارات «الواي - فاي» في التمييز بين أدنى قدر ممكن من الحركات بدقة متناهية.
مراقبة الأعمال
هناك نظام يسمى «واي كي» تم عرضه في مؤتمر العام الماضي يمكنه أن يحدد أي مفتاح يضغط عليه المستخدم على لوحة المفاتيح، من خلال مراقبة حركات الأصابع الدقيقة. وبمجرد تدريب النظام، يمكنه التعرف على الجملة التي كتبت بنسبة دقة تبلغ 93.5 في المائة - ولا يستخدم في ذلك سوى جهاز التوجيه التجاري العادي والمتاح، وبعض من الرموز البرمجية المخصصة التي كتبها الباحثون.
وهناك أيضًا مجموعة من الباحثين، تحت قيادة طالب دراسات عليا للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا فرع بيركلي، قدمت تكنولوجيا في مؤتمر عقد في عام 2014 يمكنها الاستماع لما يقوله الناس من خلال تحليل الانحرافات والانعكاسات في إشارات «الواي - فاي» والناجمة عن حركات الأفواه أثناء الكلام. ويمكن للنظام تحديد الكلمات المنطوقة من خلال قائمة من مفردات الشفاه المقروءة بنسبة دقة تبلغ 91 في المائة عندما يكون المتحدث شخصًا واحدًا، وبنسبة دقة تبلغ 74 في المائة عندما يكون المتحدثون هم ثلاثة أشخاص في الوقت ذاته.
وقد قدم كثير من الباحثين تقنيات الاستشعار عبر «الواي - فاي» الخاصة بهم، كوسيلة للمحافظة على الخصوصية في الوقت الذي كانوا لا يزالون يجمعون فيه البيانات المهمة. وبدلاً من استخدام الكاميرات في مراقبة المجال، وتسجيل وحفظ كل ما يجري بالتفصيل، فإن النظام القائم على جهاز التوجيه يمكنه الكشف عن الحركات أو التصرفات من دون المزيد من التدخل أو التسلل، كما يقولون.
وعن سؤال حول ما إذا كان بمقدور تقنية نظام «واي كي»WiKey أن تستخدم في السرقة الخفية للبيانات الحساسة عن الأشخاص، يقول قمران على الباحث الرئيسي وراءها أن النظام لا يعمل إلا في البيئات الخاضعة للتحكم، ويعمل من خلال تدريب صارم للغاية كذلك. وكتب علي، وهو طالب الدراسات العليا لدرجة الدكتوراه في جامعة ولاية ميتشيغان، مضيفًا: «لذلك، لا تعتبر هذه التقنية من مصادر القلق الكبير بالنسبة للخصوصية حتى الآن، فلا داعي للقلق منها».
ولكن مع تطور الرؤية التقنية الخاصة بتقنيات «الواي - فاي»، فإن تلك النظم قد تصبح أكثر قدرة على التكيف وتحتاج إلى القليل من التدريب. وإذا ما تمكن أحد القراصنة من الوصول إلى جهاز التوجيه وتثبيت برنامج مثل حزمة «واي - كي»، أو يخدع المستخدم للاتصال بجهاز توجيه متطفل، فيمكنه حينئذ التنصت على ما يتم كتابته عن قرب من دون أن يعلم المستخدم عن ذلك. وإذ إن كل هذه الأفكار تتجمع عبر واحدة من أكثر الإشارات السلكية انتشارا، فإنها تكون جاهزة للتوزيع على نطاق كبير بمجرد تنقيحها، ومن دون الحاجة إلى أية معدات جديدة أو غالية. ويمكن لأجهزة التوجيه في القريب المحافظة على الأطفال وكبار السن في أمان، وتسجيل الأنشطة اليومية، أو أن تجعل المنزل الذكي يعمل بسلاسة أكبر، ولكن، إذا تعرض للهجوم من جانب متسلل خبيث، فقد تتحول إلى مراكز متطورة للغاية للرصد والمراقبة.
تقنيات «واي فاي» للاتصالات قادرة على التجسس عليك
باحثون نجحوا في توظيف أجهزة توجيه الإشارة لرصد الهوية الشخصية ومراقبة الأعمال
تقنيات «واي فاي» للاتصالات قادرة على التجسس عليك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة