أكسفورد وقصر بلينهايم.. في يوم سياحي واحد
الرحلة إلى مدينة أكسفورد بالسيارة لا تستغرق أكثر من سبعين دقيقة بالسيارة أو ساعة بالقطار من لندن. كما يمكن السفر إلى أكسفورد بالأوتوبيس من لندن، وهو أيضا يستغرق نحو الساعة وربع الساعة. ولا تزيد المسافة الجغرافية من لندن على 57 ميلا (92 كيلومترا)، وفي أكسفورد يمكن قضاء يوم سياحي ممتع ما بين شوارع قديمة كانت مخصصة للخيول قبل اختراع السيارات وجامعة تعد من أقدم جامعات العالم وقصر أرستقراطي مفتوح للزيارة اسمه قصر بلينهايم.
وتعد أكسفورد مدينة متوسطة الحجم، حيث لا يقطنها أكثر من 160 ألف نسمة، وهي في المركز 52 بين أكبر المدن البريطانية. لكنها من الأسرع نموا، كما أن بها تنوعا عرقيا فريدا، لأنها تستقبل طلابا من كل أنحاء العالم للدراسة في جامعتها.
وتقول مصادر تاريخية إن جامعة أكسفورد هي الأقدم في العالم المتحدث باللغة الإنجليزية. ويشهد معمار مدينة أكسفورد حتى الآن على كل أساليب المعمار التاريخية منذ العصر السكسوني.
وهي مع ذلك مدينة تعيش حاضرها، ولا تعتمد على ماضيها وبها الآن مصنع سيارات حديث ينتج سيارات «ميني». كما تزدهر بها مطابع الكتب وصناعة النشر الأكاديمي وكثير من الصناعات الإلكترونية وتقنيات المعلومات والمختبرات العلمية.
ويمكن زيارة كثير من المتاحف والمسارح وقاعات الموسيقى في أكسفورد، لعل أهمها هو متحف أشموليان التابع للجامعة، وهو أقدم متحف بريطاني. وهناك أيضا متحف الأحياء الطبيعية ويشتهر بهياكل الديناصورات. كما يوجد متحف «بت ريفرز» القريب وبه نصف مليون قطعة أثرية ثم متحف تاريخ العلوم في شارع برود ستريت القريب. ومتاح للزيارة أيضا مسرح شيلدونيان وحدائق أكسفورد النباتية.
وهناك بعض الطرائف من تاريخ أكسفورد الطويل الذي يمتد إلى العصر السكسوني في عام 900 بعد الميلاد، حيث كانت تعرف في ذلك الحين باسم «أكسينفوردا»، وكان يعني معبر الثيران على النهر. ثم تحولت المدينة إلى قاعدة عسكرية بين مملكتين في القرن العاشر وفي فترة لاحقة غزاها الدنماركيون.
وخلال الغزو النورماندي في عام 1066 تعرضت المدينة إلى كثير من الدمار، ثم أمر محافظ المدينة ببناء قلعة أكسفورد التي ما زالت آثارها باقية حتى اليوم. ولم تدخل القلعة في أي صراع عسكري في تاريخها. وفي عام 1191 منح الملك هنري الثاني أكسفورد ميثاقا يحصل من خلاله مواطنو المدينة على جميع حقوق وامتيازات سكان عاصمة المملكة. ويحمل شارع بومونت ستريت في المدينة لوحة تعلن أن ولدي الملك هنري الثاني، ريتشارد الأول وجون، ولدا في قصر بومونت في المدينة في عامي 1157 و1166.
أما جامعة أكسفورد فقد جاء ذكرها الأول في القرن الحادي عشر. وما زالت قاعة سان إدموند قائمة حتى الآن منذ عام 1225. وتحولت القاعات بعد ذلك إلى كليات وكانت أول كلية هي يونفيرسيتي كوليدج في عام 1249، ثم بوليول 1263، ثم ميرتون 1264. وفي الوقت الذي تأسست فيه هذه الكليات كانت أوروبا تترجم الفلسفة اليونانية وتدخل تدريجيا إلى عصر النهضة بعيدا عن سيطرة الكهنة على العلوم والآداب. ولم تكن العلاقة بين الكنيسة والجامعة سهلة، وشهدت سنوات العصور الوسطى كثيرا من المظاهرات العنيفة التي قتل فيها كثيرون. وتعرضت مدينة أكسفورد إلى وباء في عام 1517 قضى على نصف سكانها.
وفي القرن الثامن عشر تم وصل أكسفورد بنهر التيمز عبر عدة قنوات وبعدها بنحو قرن آخر امتد الخط الحديدي ليربط أكسفورد ولندن، وذلك في عام 1844. وفي موقع مجلس المدينة التاريخي الذي يعود إلى عام 1292 تم بناء المجلس المحلي الجديد لمدينة أكسفورد في عام 1897، وافتتحه الملك إدوارد السابع. وما زال هذا المبنى قائما حتى الآن وهو مجلس المدينة الحالي.
أثناء الحرب العالمية الأولى تحولت أكسفورد إلى معسكر تدريب حربي، وأصبحت جامعتها مستشفى لإيواء الجرحى والمصابين من الجنود العائدين من الجبهة. وبعد الحرب تم توسعة حدود مقاطعة أكسفوردشير ودخلتها صناعة السيارات وتطورت الجامعة.
ومن حسن حظ أكسفورد أن الألمان أغفلوها خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك لعدم وجود صناعات ثقيلة في المدينة. ولكنها عانت من شح المواد التموينية ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من المدن الأخرى المتضررة. وخدمت الجامعة خلال الحرب كمركز لتدريب الجنود.
وعلى ملعب قريب من الجامعة اخترق الطالب روجر بانيستر حاجز الدقائق الأربع في قطع سباق الميل عدوا للمرة الأولى، وسطرت قصته في فيلم «تشاريوتس أوف فاير».
ومن يذهب إلى بعض نواحي أكسفورد اليوم يرى أحياء آسيوية ودولية في مناطق كاولي رود هيدنغتون، حيث تنتشر مطاعم ومقاه تنتمي إلى جنسيات وعرقيات مختلفة. وتنتمي نسبة 27 في المائة من تعداد المدينة إلى أصول أجنبية. وسجلت المدينة زيادة قدرها عشرة آلاف نسمة من المهاجرين الأوروبيين الجدد في عام 2006 - 2007 وحدهما.
قصر بلينهايم
الزائر إلى مدينة أكسفورد عليه ألا ينسى المرور بقصر بلينهايم القريب. وتم بناء هذا القصر بالقرب من أكسفورد في القرن الثامن عشر للاحتفال بالنصر على الفرنسيين في حرب التاج الإسباني. وكان القصر هدية ملكية لدوق مارلبورو الأول جون تشرشل القائد العسكري الذي انتصر في معركة بلينهايم في عام 1704 التي استسلم بعدها الفرنسيون. ومنحته الملكة آن مقاطعة بلينهايم ومنطقة وودستوك. وما زال آخر أحفاد الدوق الأول يسكن في القصر ويستقبل زواره، وهو الدوق رقم 12 في سلسلة أحفاد تشرشل.
مما يذكر أن ونستون تشرشل الذي رأس الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية ولد في قصر بلينهايم في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1874. كما تزوح تشرشل في القصر أيضا.
وفي عام 1950 فتح القصر أبوابه لزيارة العامة للمرة الأولى في تاريخه، وبعد ذلك بسبع سنوات تم تصنيفه بناء تراثيا لا يمكن المساس بمعماره. ثم صنفته منظمة اليونيسكو بعد ذلك تراثا إنسانيا، وذلك في عام 1987. ويوجد القصر في منطقة وودستوك التي تقع على مقربة 20 دقيقة بالسيارة من مركز مدينة أكسفورد ونحو ساعة ونصف الساعة من لندن أو برمنغهام. وبالقصر مطعم كبير تم تجديده مؤخرا اسمة «أورانجري» وثلاثة كافيتريات ومقاه. كما يمكن التسوق من القصر من محل الهدايا التذكارية التي يقتصر بعضها على قصر بلينهايم. كما يبيع متجر الحديقة كثيرا من الزهور والنباتات التي يمكن زراعتها في الحدائق الخاصة. ولحملة بطاقات بريفيلج تقدم منافذ قصر بلينهايم تخفيضات تصل إلى 15 في المائة من قيمة المشتريات والوجبات.
ويمكن للزائر أن يفصل زيارته وفق الوقت المتاح له من ساعتين إلى أكثر من أربع ساعات. وإذا كان للزائر متسع من الوقت فعليه أن يشارك في زيارة مع مرشد لتفقد معالم القصر من الداخل ودخول غرف لم تكن متاحة للعامة من قبل. ثم بعد ذلك يمكن حضور عرض سينمائي عن تاريخ القصر. وبعد نهاية الزيارة يخرج الزائر إلى الحدائق المنمقة التي تحيط ببحيرة خاصة وعليها جسر صغير بين المدخل والقصر.
ويمكن المشي في الحدائق أو استئجار عربة كهربائية، كما يمكن قضاء بعض الوقت في المتاهة الخضراء، وهي مجموعة متشابكة من الأشجار التي تكون فيما بينها متاهة للأطفال والكبار على السواء. وهناك قطار مصغر للزوار وحديقة للفراشات ومعرض لتاريخ بلينهايم. ويمكن في نهاية الزيارة استبدال التذكرة اليومية بتذكرة سنوية مجانا. كما يمكن الاستفادة من شبكة الواي فاي في القصر لإرسال الصور ومشاركة آخرين في التجربة.
وبالإضافة إلى معالم القصر نفسه يمكن مشاهدة كثير من الأحداث التي تنظم دوريا داخل حدائق القصر. فحتى نهاية العام الجاري يقام معرض لبعض أعمال مايكل أنجلو. ويعقد القصر في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) مهرجان الأدب والفيلم والموسيقى. وفي يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) يقام سباق العدو لمسافة عشرة كيلومترات الذي ينظمه نادي الروتاري، ويبدأ العدو من حديقة القصر. ثم يقيم القصر احتفالا في نهاية الشهر بمناسبة نهاية فصل الخريف.
وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) تقام معارض الحرف اليدوية وبرامج التسلية واستعدادات الاحتفال بعيد رأس السنة.
* بعض الحقائق الغريبة عن أكسفورد وجامعتها
- تقول الوثائق التاريخية إن جامعة أكسفورد أقدم من حضارة الأزتيك في أميركا الجنوبية التي نشأت عام 1325 في المكسيك، حيث يعود تاريخ الجامعة إلى عام 1096.
- تسبق الدراسة في جامعة أكسفورد اكتشاف القارة الأميركية في عام 1492.
- الدراسة في جامعة أكسفورد تسبق اختراع الطباعة التي بدأت في عام 1436
- أحد المشاهير الذين درسوا في جامعة أكسفورد كان تي آي لورنس أو لورنس العرب.
- تم تصوير بعض مشاهد فيلم هاري بوتر في أكسفورد.
- ظهرت أكسفورد في كثير من الأفلام السينمائية مثل فيلم جيمس بوند «غدا لن يموت أبدا» و«إكس من» و«102 دالميشن».
- يشارك فريق من جامعة أكسفورد في سباق نهري سنوي ضد جامعة كامبريدج.
- أكسفورد بها ثاني أكبر نسبة من المواطنين في بريطانيا الذين يستخدمون الدراجات الهوائية في التنقل.
- تنتشر حول المدينة خمسة مواقف للسيارات مع نصيحة لترك السيارة خارج المدينة وركوب الأوتوبيس إلى داخلها. وسرعان ما يعرف الزائر أن المدينة متشددة للغاية مع السيارات، وتفرض غرامات باهظة على صف السيارات في غير أماكنها الصحيحة. كما أنها متشددة في فرض السرعات القانونية داخل المدينة الزاخرة بكاميرات المراقبة.