معركة الموصل.. حرب الأجندات المفتوحة والملفات المجهولة

صراع إيراني ـ تركي وإدارة أميركية ضمانًا لتوازن القوى في شمال العراق

رتل عسكري عراقي في طريقه إلى أطراف الموصل استعدادا لمعركة تحريرها (رويترز)
رتل عسكري عراقي في طريقه إلى أطراف الموصل استعدادا لمعركة تحريرها (رويترز)
TT

معركة الموصل.. حرب الأجندات المفتوحة والملفات المجهولة

رتل عسكري عراقي في طريقه إلى أطراف الموصل استعدادا لمعركة تحريرها (رويترز)
رتل عسكري عراقي في طريقه إلى أطراف الموصل استعدادا لمعركة تحريرها (رويترز)

لم تعد للعبارة التي خاطب بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي «الزم حدودك»، حدودًا للكيفية التي يتوقع أن تسير بموجبها الخطط والخرائط الخاصة بمعركة الموصل، تلك المعركة التي كلما طال أمد انتظارها انفتحت على المجهول، لا سيما مع تعدد الأجندات التي باتت خصوصًا حدود الدورين الإيراني والتركي.
وبين ساعة الصفر، التي راح العبادي بوصفه القائد العام للقوات المسلحة يعلنها بالتقسيط، والبدء الفعلي للزحف نحو الموصل باتت تزحف الأهداف والنيات والأجندات بين أطراف متباينة في كل شيء حتى في توصيف من يفترض أنه عدوهم المشترك وهو «داعش». وفي وقت يريد فيه العراقيون تحرير ثاني أكبر مدنهم «الموصل» ومحافظاتهم «نينوى»، وهو ما يعني أيضًا الخلاص من «داعش» كاحتلال مباشر للمدن والأراضي العراقية منذ أكثر من سنتين، فإن الأطراف الأخرى الفاعلة في معادلة هذه المعركة، وهم الأميركيون والإيرانيون والأتراك، أصبحت لهم أهداف متداخلة تستند إلى رغبة الإدارة الأميركية في تحقيق نصر يضمن وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض ثمنه قد يكون رأس زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي مع استمرار ذيول مشكلات ما بعد التحرير. لكن الهدف الأميركي ومع تحديد طبيعة المصالح التي تتحرك بها الإدارة الأميركية الحالية يبدو معقولاً بالقياس إلى الأهداف والنيات الإيرانية والتركية.
وعلى صعيد التوازن العسكري بين هؤلاء الفرقاء، فإنه في وقت يملك فيه الأميركيون أكثر من 5000 مستشار في العراق موزعين على عدة قواعد داخل الأراضي العراقية بالإضافة إلى الطيران وقيادة التحالف الدولي، فإن إيران لديها الجنرال قاسم سليماني وآلاف المستشارين الآخرين، بالإضافة إلى العشرات من ميليشيات «الحشد الشعبي». بينما تملك تركيا نحو 2000 جندي في معسكر بعشيقة وقوات أخرى لا يعرف عددها ومستوى تسليحها موزعة في نحو 9 قواعد في إقليم كردستان، كجزء من اتفاقات قديمة مع الحكومة العراقية على عهد صدام حسين بالإضافة إلى خطة لم يتوانَ الرئيس التركي عن تسميتها بـ«الخطة باء» في حال رفض التحالف الدولي مشاركة قواته البرية في المعركة، وهو ما ترفضه بغداد وتشاطره فيه واشنطن وتستعد لمواجهته إيران.
وفي حين يبدو كل الآخرين بمستشاريهم وقواتهم ودعمهم مقبولاً لدى الحكومة العراقية على أساس كونه جرى بتنسيق معها، فإن تركيا هي وحدها التي أدخلت قوات إلى العراق دون تنسيق كافٍ مع بغداد، مما جعل نظرية المؤامرة هي السائدة في تفسير الوجود التركي على الأرض العراقية.
محافظ نينوى السابق وقائد حرس نينوى الحالي أثيل النجيفي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الإيرانيين والأتراك يبدون أعقل من العراقيين في إدارة الأزمة من منطلق مصالحهم وحدود التعامل مع المستجدات في الميدان». وبشأن الكيفية التي يبدو فيها الجانبان يديران أزمة معقدة في أرض ليست تابعة لهم لكن من خلال ما يملكونه من أدوات على الأرض (إيران لديها الحشد الشعبي الذي تدعمه بقوة بينما تركيا تهدف إلى محاربة حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من الأرض العراقية ميدانًا لتحركه بدعم أطراف داخل العراق)، يقول النجيفي إن «كلاً من الإيرانيين والأتراك يتحركون داخل العراق في أرض تبدو مفتوحة دون اعتراض محلي»، ويجابه هذا التحرك موقف أميركي ينظر إلى الأمور من زاوية مختلفة يفسرها النجيفي بالمقاربة التالية وهي أن «الأميركيين متفقون مع الأتراك على عبور مرحلة السيطرة على الحشد الشعبي المدعوم من قبل إيران والساعي ليس للمشاركة في معركة الموصل فقط بل البحث عن ثأرات قديمة» وهو ما يعني أن الدور التركي المرفوض داخل العراق من أطراف كثيرة مقبول أميركيا وتاليًا خليجيًا لغرض إحداث التوازن الطائفي المطلوب، في معركة تختلف كليًا عن كل المعارك التي خاضها الجيش العراقي في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار.
وبشأن حدود الدور المرسوم للأتراك أميركيًا يرى النجيفي، المتهم من قبل أطراف عراقية بأنه مع شقيقه الأكبر أسامة النجيفي من رجال تركيا في العراق، أن «هناك تنسيقًا عميقًا بين الأتراك والولايات المتحدة الأميركية بشأن الموصل إلى الحد الذي يمكن معه القول إن هذا التنسيق الاستراتيجي يراد منه تصحيح الخطأ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة الأميركية بعدم إشراك تركيا في الحرب التي شنت على العراق عام 2003 مع السماح للاعبين المحليين بمحاولات النجاح والفشل حتى يستقر الوضع الجديد».
ويتوقع النجيفي أن ينتج عن ذلك ما سماه «ضرب أدوات إيران ببعضها، إذ إن من المتوقع أن تبرز الصراعات على أشدها بين كثير من هذه الفصائل بعد الموصل، لا سيما أن الأميركيين باتوا يتحدثون اليوم عن نوعين من الحشد الشعبي.. حشد سيء وحشد جيد».
في مقابل ذلك، فإن السياق الذي ستتخذه معركة الموصل في ظل اختلاف الأدوات والأجندات والمسارات يحدده الخبير الأمني المتخصص بشؤون الإرهاب الدكتور هشام الهاشمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأنه «سيكون على شكل ثلاثة محاور بالتعاون مع البيشمركة ومكافحة الإرهاب والفرقة 16 والفرقة 15 من الجيش العراقي فضلاً عن كتيبتي دبابات وهذا المحور هو محور الكوير بينما سد الموصل والخازر محور لوحده والمحور الجنوبي من جهة المحلبية سيكون لجهاز مكافحة الإرهاب وقوات الرد السريع وكتيبة دبابات»، مبينا أن «هذه المعركة تديرها أميركا، وهي التي توزع الأدوار فيها، لكنها ستعمل كمراقب لتوازن القوى في شمال العراق حيث رسمت لكل فريق خطوطه التي يتوجب عليه عدم تخطيها». في إشارة إلى كل من قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان والحشد الشعبي المدعوم من إيران.
من جهته، يرسم السياسي العراقي المستقل والأكاديمي الدكتور نديم الجابري صورة أخرى لطبيعة وحدود الدور التركي في العراق، خصوصًا بعد أن خلط الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأوراق بقوة في الوقت بدل الضائع من إطلاق صافرة الحكم ليعلن نهاية المشوار مع تنظيم داعش، في ظل خرائط تم رسمها أصلا على رمال متحركة. ويقول الجابري لـ«الشرق الأوسط» إن «دخول تركيا على حيثيات مشكلة الموصل بني على حسابات قومية وأمنية وتاريخية». وفي محاولة لتوضيح سياقات الدور التركي أميركيًا، وبالتوازي مع دور إيراني يبدو غير مسيطر عليه من منطلق ما باتت تعلنه بعض فصائله من إنها ذاهبة إلى الموصل «ثأرًا لمقتل الإمام الحسين من أحفاد يزيد»، طبقًا لما أعلنه بوضوح زعيم «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، مما يمنح المواجهة بعدا طائفيًا، فإن الجابري يرى أن «الأتراك لا يمكن أن يقدموا على احتلال الموصل إلا بإشارة من الإدارة الأميركية». ويحدد الجابري المسارات التالية لاحتمالات التدخل التركي العسكري في العراق خصوصًا أن إردوغان تحدث علنًا عما سماه «الخطة باء» في حال تم رفض مشاركة قواته وهي «أولاً إنشاء الإقليم السني ليكون فاصلاً بين إقليم كردستان العراق وإقليم كردستان سوريا، الذي تشكل كأمر واقع، وذلك للحد من الطموحات القومية لكرد تركيا، وثانيا تقليص مساحة التحرك لحزب العمال الكردستاني، وثالثا توفير ضمانات دولية للمكون التركماني في العراق من خلال تشكيل محافظة خاصة بهم في تلعفر والسعي لإجهاض مشروع الدولة الكردية المستقلة».
وفي الجانب الأمني يرى الجابري أن الطموح التركي يهدف إلى «تقليص أنشطة حزب العمال الكردستاني وإبعاد نشاطات (داعش) عن الأراضي التركية، بالإضافة إلى العقلية الإمبراطورية التي لا تزال تتحكم بالعقل السياسي التركي، وشعور الأتراك بأن الموقف الأميركي منهم يمثل عدم ممانعة إلى حد كبير، بالإضافة إلى أن دخول إيران في ملف محافظة صلاح الدين قد يكون مسوغًا للأتراك للتدخل في ملف الموصل».
في مقابل ذلك، فإن أهالي الموصل وطبقا لما يراه عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري «هدفهم الأول والأساس هو تحرير مدينتهم ومحافظتهم، وإعادة النازحين إلى مدنهم والعمل على منع كل مشاريع التقسيم التي تنفذها أطراف لصالح جهات خارجية». وبينما يهاجم الشمري علنًا محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي بوصفه «ينفذ المخطط التركي الذي يهدف إلى تقسيم نينوى إلى عدة محافظات بحجة الأقاليم وهي مقدمة لتقسيم العراق»، فإنه لا يتطرق إلى الدور الذي يمكن أن يقوم به الحشد الشعبي «من منطلق أن الحشد سبق أن شارك في المعارك السابقة دون أن يحصل تخوف، كالذي يجري الآن في الموصل لأن أهداف التقسيم خارجية وتنفذها أطراف معروفة فضلاً عن الدور الكردي الذي يقوم على سياسة قضم الأرض وضمها إلى إقليم كردستان بحجة عائديتها إلى الإقليم، بينما هي تخضع في الغالب للمادة 140 من الدستور العراقي كونها مناطق متنازعًا عليها».



الحوثيون يزعمون قصف الحاملة «هاري ترومان» للمرة السادسة

مقاتلة تنطلق من على متن حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» (الجيش الأميركي)
مقاتلة تنطلق من على متن حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون يزعمون قصف الحاملة «هاري ترومان» للمرة السادسة

مقاتلة تنطلق من على متن حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» (الجيش الأميركي)
مقاتلة تنطلق من على متن حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» (الجيش الأميركي)

زعمت الجماعة الحوثية، الأربعاء، مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» والقطع الحربية المرافقة لها في شمالي البحر الأحمر، للمرة السادسة، باستخدام الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة، وذلك غداة تبنيها 4 هجمات باتجاه إسرائيل خلال 24 ساعة.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 هجمات ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل تحت مزاعم مناصر الفلسطينيين في غزة.

المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع قال في بيان متلفز إن القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير التابع لجماعته استهدفا حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» وعدداً من القطع الحربية التابعة لها شمالي البحر الأحمر.

وأوضح المتحدث أن العملية الهجومية نفذت بواسطة عدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة، زاعماً أنها المرة السادسة التي يتم فيها مهاجمة الحاملة منذ قدومها إلى البحر الأحمر.

صورة جوية لحاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» والقطع المرافقة لها في البحر الأحمر (الجيش الأميركي)

وتوعدت الجماعة على لسان متحدثها العسكري بالاستمرار في شن الهجمات، وقالت إنها جاهزة لأي تصعيد أميركي أو إسرائيلي، وإن هجماتها لن تتوقف إلا بانتهاء الحرب في قطاع غزة ورفع الحصار عنه.

وسبق أن اعترف الجيش الأميركي بالتصدي لهجمات حوثية مماثلة استهدفت سفناً عسكرية في البحر الأحمر دون حدوث أي أضرار أو إصابات.

وكان المتحدث الحوثي تبنى، الثلاثاء، تنفيذ جماعته أربع هجمات باتجاه إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة خلال 24 ساعة. وأكد الجيش الإسرائيلي، من جهته، اعتراض صاروخين وطائرة مسيرة، في حين أفادت خدمة الإسعاف الإسرائيلية «نجمة داود الحمراء» بوقوع عدد من الإصابات جراء التدافع نحو الملاجئ، بعد تفعيل صفارات الإنذار.

يشار إلى أن الجماعة الحوثية تلقت في 10 يناير (كانون الثاني) الحالي أعنف الضربات الإسرائيلية للمرة الخامسة، بالتزامن مع ضربات أميركية - بريطانية استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء وعمران ومحطة كهرباء جنوب صنعاء وميناءين في الحديدة على البحر الأحمر غرباً.

ألف غارة

أدّت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر خلال 14 شهراً إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

ورداً على هذا التصعيد استقبلت الجماعة نحو ألف غارة جوية وقصف بحري، خلال عام من التدخل الأميركي الذي بدأ في 12 يناير 2024، وأدى ذلك إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين. وفق ما أقر به الحوثيون.

وكانت الولايات المتحدة أنشأت في ديسمبر (كانون الأول) 2023 تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير 2024، بمشاركة بريطانيا في عدد من المرات.

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

الضربات استهدفت مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين كان من نصيب الحديدة الساحلية أغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة.

وأعاق التصعيد الحوثي وردود الفعل الغربية والإسرائيلية مسار السلام اليمني، إذ كان اليمنيون يستبشرون أواخر 2023 بقرب الإعلان عن خريطة طريق توسطت فيها السعودية وسلطنة عمان من أجل طي صفحة الصراع المستمر منذ 10 سنوات.

وتنفي الحكومة اليمنية السردية الحوثية بخصوص مناصرة الفلسطينيين في غزة، وتتهم الجماعة بتنفيذ أجندة إيران في المنطقة، خاصة أن الجماعة استغلت الأحداث لتجنيد عشرات الآلاف تحت مزاعم الاستعداد للمواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وفيما يبدو أن المسعى الحقيقي هو التجهيز لمهاجمة المناطق اليمنية الخاضعة للحكومة الشرعية.