موسكو تتعهد بتوفير «انسحاب آمن» لمقاتلي حلب.. والمعارضة: لن نركع

قصف السفارة الروسية في دمشق.. والفصائل تتهم النظام باستهداف المدنيين لتأليبهم ضدها

صورة مقتطعة من فيديو لمدينة حلب القديمة التقط من الجو يظهر الدمار الذي حل بالمدينة نتيجة الغارات الجوية الروسية والنظامية المتواصلة عليها (رويترز)
صورة مقتطعة من فيديو لمدينة حلب القديمة التقط من الجو يظهر الدمار الذي حل بالمدينة نتيجة الغارات الجوية الروسية والنظامية المتواصلة عليها (رويترز)
TT

موسكو تتعهد بتوفير «انسحاب آمن» لمقاتلي حلب.. والمعارضة: لن نركع

صورة مقتطعة من فيديو لمدينة حلب القديمة التقط من الجو يظهر الدمار الذي حل بالمدينة نتيجة الغارات الجوية الروسية والنظامية المتواصلة عليها (رويترز)
صورة مقتطعة من فيديو لمدينة حلب القديمة التقط من الجو يظهر الدمار الذي حل بالمدينة نتيجة الغارات الجوية الروسية والنظامية المتواصلة عليها (رويترز)

يستمر المشهد الميداني في سوريا مفتوحًا على مزيد من التصعيد العسكري، بدءًا من حلب التي كانت أمس مسرحًا للقصف الجوي الكثيف والهجمات البرية على محاور الأحياء الشرقية للمدينة، وصولاً إلى العاصمة دمشق، وأظهرت الوقائع أن مناطق سيطرة النظام وحلفائه لم تسلم من القصف بما فيها ريف حماه، ما أعطى انطباعًا أن فصائل المعارضة اختارت الردّ على قوات الأسد داخل حاضنتها الشعبية للضغط عليها، إلا أن قيادات في المعارضة اتهمت النظام بـ«قصف المدنيين في مناطق سيطرته لزيادة الشرخ بينهم وبين الثوار، ولاستثمار هذا القصف في المحافل الدولية».
وعلى وقع الغارات الجوية العنيفة على أحياء حلب الشرقية، أبدى الجيش الروسي استعداده لضمان ما سماه أنه «انسحاب آمن، لمقاتلي المعارضة من أحياء حلب الشرقية مع أسلحتهم». وقال اللفتنانت جنرال سيرغي رودسكوي في تصريح نقلته محطات التلفزيون «نحن مستعدون لضمان الانسحاب الآمن للمقاتلين مع أسلحتهم والعبور الحر للمدنيين من حلب الشرقية وإليها، وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية إليها». ويأتي التصريح قبل اجتماع دولي غدا في لوزان بين الروس والأميركيين وممثلين عن دول المنطقة حول سوريا.
مصدر عسكري في المعارضة السورية في حلب، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التصريح الروسي مثير للسخرية». وسأل «هل يعقل أنهم يساومون الثوار على ترك بيوتهم وأهلهم لقاء إيصال مساعدات؟». وقال المصدر العسكري «الروس يطلبون من حلب أن تركع، نحن لن نخرج حتى آخر رجل فينا». وأضاف: «حلب لأهلها، وليست لـ(حزب الله) ولا لـ(النجباء) والأفغان، نحن سنواجه مخطط التجويع والتركيع، وليعلم العالم أن قوة الثوار يستمدونها من شعبهم وحاضنتهم ومستعدون للصمود حتى يتحقق النصر أو ينالوا الشهادة على أرضهم».
وكانت حلب الشرقية، عاشت أمس يومًا جديدًا من العنف، حيث جددت طائرات النظام والروسية غاراتها على أحيائها بعد قصف جوي عنيف خلال اليومين الماضيين أسفر عن مقتل 71 شخصًا. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن «أكثر من 20 غارة جوية استهدفت فجر الخميس الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة». وأضاف المرصد، أن الغارات «استهدفت أحياء الصاخور، بستان القصر، الفردوس، القاطرجي، الميسر، الهلك، الأنصاري الشرقي، قاضي عسكر، الشيخ خضر، الحيدرية والكلاسة في القسم الشرقي من مدينة حلب، وأدت إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى»، مشيرًا إلى وقوع «اشتباكات عنيفة على محوري بعيدين والبريج شمال المدينة بين قوات النظام وحلفائها وبين فصائل المعارضة».
إلى ذلك، قال عاملو إغاثة أمس، إن تجدد قصف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شرق حلب «أسفر عن سقوط أكثر من 150 قتيلاً هذا الأسبوع، مع تصعيد حملته المدعومة من روسيا لاستعادة المدينة بالكامل».
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أمس الخميس، أن «منطقة تواجد السفارة الروسية في دمشق تعرضت لقصف بقذائف الهاون يوم الأربعاء»، مشيرة إلى أن «مصدر القصف كان حي جوبر الذي يسيطر عليه المسلحون». وقالت الخارجية الروسية، إن القصف «أسفر عن سقوط الكثير من الشظايا على محيط السفارة، إلا أنه لم يصب أحد من موظفيها، ويجري التدقيق في الخسائر المادية».
ولم تسلم معاقل النظام في مناطق رئيسية في ريف حماه من القصف، ومنها بلدة محردة ذات الغالبية المسيحية، وهذا التصعيد انسحب على مناطق غرب حلب، حيث سقطت صباح أمس قذائف عدة على مناطق سيطرة قوات النظام، وطالت بشكل أساسي أحياء السليمانية، الجابرية، جمعية الزهراء، محطة بغداد، الحمدانية، الإسماعيلية، الجميلية، ساحة سعد الله الجابري وشارع التلل. وأعلن المرصد السوري أن هذه القذائف أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص، وإصابة نحو 10 آخرين بجراح.
وفي وقت أعلن مدير رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، أن «قصف الفصائل المعارضة لمناطق سيطرة النظام، يعدّ هدية مجانية للروس، لتبرير الردّ عليها واستهداف المدنيين»، أكد أن «الضغط على النظام عبر محاولة تأليب المدنيين عليه لن تنفع، لأنه يتخذ من هؤلاء المدنيين رهائن في مناطق نفوذه».
لكن القيادي في الجيش الحرّ العميد أحمد رحال، اتهم النظام بـ«الوقوف وراء القصف الذي يطال المدنيين في مناطق سيطرته». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام «لا يتوانى عن قصف بعض مناطق نفوذه، لشدّ الأطراف التي تتهاون في دعمه، وسبق له أن قصف كلية الميكانيك في دمشق من الجهة الغربية، علما بأن الفصائل موجودة في شرق وجنوبي العاصمة»، مشددًا في الوقت نفسه على أن «الثوار لا يمكن لهم أن يقصفوا بلدة محردة المسيحية في ريف حماه».
وذكّر رحال بأن «التفجيرات التي ضربت حي الزهراء في حمص (تقطنه غالبية علوية) اعترف شبيحة الأسد بتنفيذها». وإذ اعترف بأن المعارضة تقصف تجمعات عسكرية، أكد أن «الثوار يتجنبون استهداف المناطق التي يقطنها مدنيون، لأنهم يعتبرونهم رهائن لدى نظام الأسد». وسأل «لماذا يقصف محيط السفارة الروسية في دمشق، ولا تقصف السفارة الإيرانية والمقرات الشيعية داخل العاصمة؟».
من جهته، أفاد الناشط المعارض عمّار حسن، وهو مدير «شبكة رصد» في ريف دمشق، أن المعارضة «عندما تقصف مجمعات عسكرية في دمشق أو ريفها، تنذر المدنيين بإخلاء المنطقة قبل يوم أو يومين». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن الفصائل «لا تعتمد أسلوب القصف العشوائي»، متهمًا النظام بـ«بقصف المناطق المدنية لزيادة الشرخ بينها وبين المعارضة، ولاستثمار هذا الأمر في المفاوضات الدولية التي يجريها الروس مع الغرب».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».