المنتج حسين القلا ينجح في تغيير وجهة السينما المصرية

حسين القلا (جالسًا في الصف الأول) مع فريق فيلمه الجديد
حسين القلا (جالسًا في الصف الأول) مع فريق فيلمه الجديد
TT

المنتج حسين القلا ينجح في تغيير وجهة السينما المصرية

حسين القلا (جالسًا في الصف الأول) مع فريق فيلمه الجديد
حسين القلا (جالسًا في الصف الأول) مع فريق فيلمه الجديد

يعود المنتج حسين القلا إلى الواجهة بعد طول غياب بفيلم وضع قصّته وكتب السيناريو له وليد سيف، وأخرجه محمد مصطفى، وببطولته محمود حميدة ورامز أمير وهبة مجدي من بين آخرين.
يبدو مما تردد في بعض المصادر أن الفيلم دراما لا تخلو من عنصري الغناء والموسيقى، لكنه قد لا يكون فيلمًا موسيقيًا أو استعراضيًا بقدر ما هو دراما استمدها المؤلف من حياة كل يوم لأكثر من شخصية في الزمن الحاضر. وهو مشروع تردد أيضًا أن الممثل الراحل نور الشريف كان يرغب في بطولته، وربما إخراجه، وبعد وفاته قبل نحو عامين، توجه كاتب السيناريو إلى المنتج حسين القلا وعرض عليه المشروع.
القلا ليس منتجًا جديدًا في صناعة السينما المصرية ولو أنه لم يعمل فيها منذ عدة سنوات. العاملون في المهنة من الجيل السابق، وما قبل، يعرفونه جيدًا، إذ إنه كان من بين أهم المنتجين العاملين في إطار السينما المصرية ممن حاولوا دفع العمل السينمائي صوب الإجادة والأهمية طوال الوقت. ففي حين كان معظم المنتجين في الثمانينات يروّجون، عبر أفلامهم، للقيمة التجارية وحدها، نأى حسين القلا، وهو فلسطيني أساسًا، بنفسه جانبًا وقرر أن الأفلام التي يريد إنتاجها هي أفلام تحدث تغييرًا نوعيًا بين المشاهدين وتعزز السينما التي لا تقوم على النصيب الضروري من التجارة فقط، بل أيضًا على ضلعي الفن والمضمون.
خبرته تأسست فعليا سنة 1982 عندما قام بتمويل «حدوتة مصرية» للمخرج يوسف شاهين. آنذاك بقي حسين القلا في الظل. صحيح أنه توجه مع طاقم العمل إلى مهرجان «كان»، حيث تم عرض الفيلم وسط احتفاء نقدي عربي كبير، إلا أنه كان حريصًا على أن يظلل ظهوره إعلاميًا، ربما لكي يترك الفيلم ومخرجه المعروف عالميًا يقومان بدور القيادة في مجال كان لا يزال جديدًا فيه.

الدور الاجتماعي

في عام 1986 قام بإنتاج «للحب قصّة قصيرة» لرأفت الميهي. والتمويل غير الإنتاج. التمويل هو أن تترك المال في حوزة المنتج أو شركة الإنتاج التي تتولى العمل. المنتج يتيح لك أن تبقى المموّل لكنك ستقوم بمهام الإنتاج جميعًا وهذا ما قرر حسين القلا أن يقوم به عندما عزم على أن يبدأ سلسلة أعماله بأفلام ينتجها لحسابه.
بعد فيلم رأفت الميهي، أنتج «الطوق والأسورة» لخيري بشارة ثم «البداية» لصلاح أبو سيف (1986) بذلك نراه انتقل من بين صفوف المخرجين الجدد (ولو أن رأفت الميهي كان في المحيط السينمائي منذ عدة سنوات ككاتب فقط) وصفوف المخرجين المخضرمين مثل صلاح أبو سيف.
أنتج أيضًا «أحلام هند وكاميليا» و«زوجة رجل مهم» للراحل محمد خان، و«أربعة في مهمة رسمية» لعلي عبد الخالق، ثم انحاز قليلاً للسائد التجاري في «بطل من ورق» لنادر جلال (1988)، لكنه التزم بالخط الجاد غالبًا كما في «يوم مر يوم حلو» لخيري بشارة، و«الكيت كات» لداود عبد السيد، و«المواطن مصري» لصلاح أبو سيف (آخر أفلامه)، وصولاً إلى «الماجيك» الذي قام بإخراجه محمد مصطفى وبدور بطولته أحمد حاتم الذي يشترك في أحد الأدوار الرئيسة في فيلم حسين القلا الجديد.
لم يتهرب حسين القلا في تلك الفترة أو فيما تلاها من حقيقة أن ما أقدم عليه خلال رحلته المديدة هذه لم يكن مجرد الاشتغال في السينما المصرية منتجًا، بل العمل على اختيار ما يؤدي دورًا اجتماعيًا وثقافيًا (وبالتالي سياسيًا؟) في العالم العربي.
هذا طموح كبير في وقت كان معظم ما يطمح إليه الآخرون، مصريين وغير مصريين، تمويل أفلام تجلب أطنانًا من الإيرادات. حينها، في الثمانينات وحتى مطلع التسعينات، كان النجاح ما زال ممكنًا لوجهي العملة، تلك التي مثلها حسين القلا وتلك التي مثلها معظم الآخرين، إذ كانت صالات السينما في مصر متكاثرة وجمهور الفيلم المصري في العواصم العربية كبير الحجم. بعد ذلك، ومما دعا القلا للتوقف، أن حال السوق تراجع بوجود وسائط أخرى لمشاهدة الأفلام عبر قرصنتها وانحسار عدد الصالات المحلية بحيث باتت المنافسة عبئًا لا يُحتمل.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.