نظرة إلى مدارج الأصوليين

كيف يفاضل وينتقل المتشدّدون بين التنظيمات الإسلاموية؟

بعض النساء في تنظيم داعش شاثناء تدربهن على السلاح
بعض النساء في تنظيم داعش شاثناء تدربهن على السلاح
TT

نظرة إلى مدارج الأصوليين

بعض النساء في تنظيم داعش شاثناء تدربهن على السلاح
بعض النساء في تنظيم داعش شاثناء تدربهن على السلاح

مسافة كبيرة بين الدين والتديّن، هي المسافة بين السماوي المتعالي (الدين) وبين التأويل والاختيار الاجتهادي البشري والتاريخي الذي هو «التديّن». وبينما يكون مصدر الدين هو الله وأنبياؤه، يبقى نمط التدين وسلوكه اختيارًا فرديًا أو جماعيًا، يسمُه ويصبغ عليه «المتديِّن» السمة الغالبة عليه سماحة ومحبة وإيمانًا بالاختلاف والتعدد، أو تشددًا وتطرفًا تتأجج كراهية للآخرين، وإيمانا مطلقا محتكرا للحق والحقيقة معا.
لكن المسافة الفاصلة تضيق قليلا بين «المتشدد المتطرف» الفرد هنا، وبين المنتظم المستلب في جماعة أو تنظيم أصولي - أو راديكالي - تتطابق قناعاته معه، أو يقتنع بها، وينحي فيها الفرد ذاته جانبا لقبوله بالبيعة أولا، وثانيا ما يترتب عليها من السمع والطاعة للأمير والتنظيم، الذي يبقى شرط انتظامه وترقيه فيه.. وحسب درجة هذا الالتزام بالسمع والطاعة، فتكون درجة واحتمالات تصعيده الذي يشترط نفي الفردية والاستقلالية تماما.
حسب صرامة التنظيم الأصولي وأطروحاته الرئيسية، تكون درجة تسليم الشخص المتطرف أو المتشدد أو «الأصولي» نفسه وحريته وفرديته بل وحياته له، وهو ما يتعلق بأهداف التنظيم الكبرى، بين الدعوة أو الدولة، وبين تصحيح الإيمان والتوحيد ومناهج تلقي الدين والفقه نفسه، أم استعادة التاريخ والانقلاب عليه وإعادة مجد الأمة السالف في تصور هذه الجماعات.
سنحاول فيما يلي تتبع مدارج الأصوليين، كيف يختار جماعته وكيف ينتقل بين الجماعات، فانتظامه الأصولي قد يتغير من جماعة إلى جماعة أخرى، وبعد التزامه مع إحداها قد ينتقل لغيرها، أكثر منها تشددا أو أكثر اعتدالا حسب توجهاته وحسبما يلاحظه هو أثناء تجربته هو ويميل إليه. بل قد يتحرّر كليًا من الأصولية أو قد يطلق كل أنماط وأنساق التدين متحللا من كل معيار ومرجعية قبلية، انتقاما لا شعوريا أو شعوريا من تجربته السابقة، ولكن هذا هو النادر، ويبقى الانتقال بين الأصوليات وتنظيماتها هو الغالب في مدارج الأصوليين.

البدايات بين «التبليغ» و«الإخوان»
أولاً، غالبًا ما تكون البدايات الأصولية، في القرى والمدن، عبر جماعات دعوية، تركز على الدعوة والهداية أو تعليم الناس أمر دينهم حسب نسقها وتصوراتها الدينية. وتأتي في مقدمة هذه الجماعات «الدعوة والتبليغ» التي بدأ نشاطها عربيًا عام 1950 وأسست في الهند سنة 1916 م، والتي لا تعلن استهدافها الدولة ولا تؤمن بالصدام معها، بل تعمل على تديين أو هداية الناس حسب تعبيراتهم، فتملأ أبنيتهم المعنوية والروحية بخطاب متأجج روحيا نحو فكرة الدعوة وهداية الناس وإصلاح المجتمع، وأن ماضيهم وبعدهم عن المساجد هو الأصل لكل البلايا التي يمر بها المسلمون.
وكانت جماعة «التبليغ والدعوة» البداية والمرحلة الأولى لعدد من قيادات الجماعات الأصولية، مثل أسامة بن لادن زعيم «القاعدة» وعبود الزمر وعبد الحكيم عابدين من القيادات الراديكالية التاريخية المصرية، بل وحتى راشد الغنوشي زعيم «حركة النهضة» في تونس، وكذلك كثير من المقاتلين الأجانب والغربيين حيث تنشط هذه الجماعة الدعوية وتتحرك بحرية في كثير من البلاد الغربية مثل بول ووكر و«مفجر الحذاء» بل وآدم غادان المتحدث باسم «القاعدة» الآن.
وتعمل «التبليغ» على غير المجهزين آيديولوجيًا في الغالب، وتجهزهم بعاطفة مؤجّجة من الرغبة في العمل وتغيير العالم، عبر الخروج معها وفق مدد محدّدة، من ثلاثة أيام في الشهر إلى أربعين يوما في العام وأربعة أشهر في العمر. وهي تساوي بين الخروج الدعوي معها وبين «الجهاد» في سبيل الله، ولذا ينتقدون بأنهم «قاديانية الجهاد» أي يلغون «الجهاد» مثل القاديانية.
والسائد أن المنتمي لجماعة «التبليغ»، إن اندمج مع المجتمع وأسئلته السياسية والوطنية والإقليمية، لن يجد في جماعته إجابة. إذ إن من مبادئها تجنب الحديث عما تسميه «أمراض الأمة» مما يجعل المنتمي الفارغ من الإجابة على أسئلة وانتقادات الآخرين أيضًا يغادرها.. ربما إلى «الإسلام السياسي الصندوقي»، أو للجماعات الراديكالية والأكثر صلابة منها وفعلا، أو يغادرها للاتجاه المتشدد الذي يركز قطاع منها على بدعيتها وجهل عناصرها، طالبا للعلم معه.
وهكذا تبقى جماعة «التبليغ والدعوة» المحطة الأولى والتمهيدية لكثير من الأصوليين، ومرحلة يبدأ معها صعود مدارج التطور الأصولي، وهي تأتي بالعنصر لكنها تشحنه عاطفيا وتفرغه فكريا. حيث إنها جماعة بلا أدبيات جدلية قوية، ومتهمة من جوانب متعددة فقهيا وعقديا وتاريخيا، ولها أصول صوفية ديوبندية وجشتية معروفة، يجهلها كثرة من أفرادها العرب ويعرفها خصومهم من التنظيمات الأخرى. ولكن البدايات الأصولية في المدارس والجامعات والمؤسسات والنقابات كانت نحو الإسلام السياسي، الذي سعى لإيجاد بديل للدولة في كل شيء، بدءا من أنشطة الرياضة والترفيه للعمل الخدمي والاجتماعي حتى البرلمان والحكومة. وهو ما يجذب الطفل والمراهق بدرجة ما وتتم قولبته وتجنيده أو نظمه خطوة خطوة عبر المعسكرات والنشاطات والحفلات والجوائز، ومعها بعض الكتيبات الصغيرة التي تستنفر عاطفته ضد الأنظمة والدول، أو تثير وتنحي ولاءه نحو الجماعة عبر كتيبات عن تاريخ مظلوميتها وطموحاتها وانتشارها.
ويتميز الخطاب «الإخواني» بميزات خاصة، مع أنه يركّز على المتدين الجاهز بالأساس، ولا تعنيه هداية غير المتدينين بالأساس. إنه خطاب عقلانوي يستخدم العقل والنقل والشعار وتراثا من المظلومية التاريخية يروجه حسب تصوره، ويستطيع أن يجذب به المتدين، ويبدو ملتحما بالواقع ممتلكا حلولا كلية له فيلتحم بالسياسي الوطني والإقليمي والدولي، ويستثمر جيدا في التاريخ. كما أنه يُشعر المنتمي إليه بالبديل، بل يضعه في شبه «الغيتو» الذي يتصور المنتمي الجديد إليه أنه يستكفي به عن المجتمع ككل، ويشعر به جماعة اجتماعية قوية تحل محل البنى التقليدية والعشائرية الاجتماعية، فيبرز عبرها كرمز اجتماعي ومرشح انتخابي. ومن ثم يدخل في جدل مع الديني في المسجد ومع الحزبي في الشارع، ما يشعر العضو الأصولي الملتزم والمنتظم، ويظل الأمر كذلك وغالبا ما تكون الانشقاقات أو الخروج عن التنظيم الإخواني مغادرة كلية للإسلام السياسي وانقلابا على طرحه. وفي هذا نذكر خروجات شخصيات كثيرة عن التنظيم «الإخواني» نتيجة التطور الفكري شأن أحمد حسن الباقوري ومحمد الغزالي وأبو شقة و«الإخوان الجدد»، أو رفضا للجماعة الإخوانية واختلافا تنظيميا معها كخلافات الصقور والحمائم، أو تطورا فكريا فرديا أو فرعيا يتجاوزها شأن انشقاق الراحل حسن الترابي وجماعته عنها.
ونادرا ما يكون التحول لجماعة راديكالية أخرى كالجماعات الراديكالية العنيفة أو ما شابه، مثل تحوّل عبد الله عزام أو أسامة بن لادن في فترة تالية، أو مؤسس «جيش المجاهدين العراقي» أبو عبد الله المنصور وتلميذه أبو بكر البغدادي، أمير داعش فيما بعد، أو قبلهم شكري مصطفى وجماعة «التكفير والهجرة» التي خرجت من باطن «الإخوان»، أو «التبليغ والدعوة» الأقل عنفا وتسييسا، وهو ما حدث مرة واحدة مع إبراهيم عزت أحد قياداتها في مصر وخطيب مسجد أنس بن مالك المشهور في الثمانينات، الذي كان مؤمنا بأولوية الدعوة على السياسة والأمة على السلطة حينها، ومن مسجده هذا كانت البذور الأصولية الأولى لكثير من قيادات الجهاد والجماعة الإسلامية، الذين استمروا يتخذون التبليغ ستارا حينها رغم تحولهم عن إطاره الفضفاض.
بل إننا نرى أن المتحولين من الفكر «الإخواني» للفكر والتنظيمات العنفية والراديكالية كانوا في الغالب مهمشين داخل التنظيم «الإخواني»، واختلطت عليهم معارف ومدارك تنتقد توجهاته في التركيز على السلطة وعدم الاهتمام بالعلوم الشرعية، والمواءمة والتقية والمداراة وما شابه من سلوكيات الميكافيلية. وكان توجههم رهينا بلحظات وسياقات محددة كالجهاد الأفغاني أواخر السبعينات أو الصراع العربي الفلسطيني والأزمة السورية وما شابه من سياقات.
في المقابل، تنشط الدعوات المتشددة التي تزعم السير على خطى السلف الصالح عبر شخصيات واتجاهات مختلفة، في مناطق محددة، وتركز على التعليم الديني. وغالبا ما يكون تركيزها على تعليم وتدريس القرآن والحديث وبعض كتب التوحيد وعلومه لطلبتها. وهي لا تدعوهم لتنظيم ويستمر بعضهم في الالتزام بالسنة، شكلا واعتقادا، وتبديع ما يتعلم تبديعه، إلا أنها ليست تنظيما، ومن يستمر في الترقي فيها قد يظل بعيدا عن الجماعات الأخرى إلا في لحظات معينة يمكن أن يصيبه داء التسييس ودعاوى الإسلام السياسي كما حدث مع دعاة كثيرين بعد ثورة 2011 في مصر وفي فترة حكم الإخوان بين يونيو (حزيران) 2012 ويونيو 2013 حيث خرج بعضهم عن الاتجاه المتشدد متماهيا تماما مع الطرح الإخواني، مثل الداعية محمد عبد المقصود من القاهرة وسعيد عبد العظيم في الإسكندرية، والتيار الذي عرف بـ«حزب الوطن» ومال بتشدده الديني نحو التشدد السياسي ثم القتالي فيما بعد، قبل تلاشي أخباره. ولكن يظل الاتجاه المتشدد الغالب ضد التكفير وضد الخروج، ومؤمنا بفكرة الدولة ودرء الفتنة - ولو بالتغلب - التاريخية. ولكن لكونه فضفاضًا، وليس منظما بشكل صارم شأن التنظيم «الإخواني»، قد ينزلق بعض المنتمين إليه هنا أو هناك لفكرة التغيير العنيف أو الخروج المسلح منتظما مع الجماعات الراديكالية ولكنه في هذا الحالة ينفصل عن إطار تعليم التوحيد وعلوم الشرع الغالبة عليه.

من السياسة إلى العنف
ثانيًا، غالبًا ينطلق التدرج والانتقال إلى الأصوليات العنيفة من أصل الإيمان بقضية الإسلام السياسي في الحاكمية أو استعادة دولة الخلافة وإقامتها والسبيل نحو ذلك، ورفض تجاهل بعض التيارات لها مثل التبليغ، أو ما يرونه من مواءمة ومراوغة «إخوانية» عبر تحقيقها عبر الطرق الشرعية. ويكون التحول نحو الراديكالية القتالية إن لم يكن مباشرا عبر الدعوة والتجنيد الفردي للعنصر الأصولي في تنظيم آخر عبر ثلاث مقولات رئيسة:
1 - توظيف مقولات الولاء والبراء والقول بتوحيد الحاكمية.
2 - التركيز على سؤال ما العمل وتكفير الأنظمة والمجتمعات والدعوة للخروج عليها.
3 - إعادة أيقنة القتال والعنف كسبيل وحيد لتغيير الأنظمة وخصوصا تجاه الأنظمة التي توصف في أدبياته بالمرتدة.
ويمتلك الراديكاليون في سبيل البقاء على ذلك، رغم اختلافهم، تراثا ضخما من تشويه كل آخريهم سواء من الجماعات الأصولية الأخرى أو المؤسسات والشخصيات الدينية الأخرى، وتستلب الجماعة كلية من إمكانية استرداد فرديته وبالتالي سماحيته تجاه أي آخر.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.