النظام السوري يستعيد مواقع في ريف حماه مستفيدًا من صراعات الفصائل

غارات جوية روسية على نقاط عسكرية تعطّل تقدّم المعارضة

أطفال سوريون يحملون أعلام سوريا الثورة خلال مظاهرة ضد «داعش» (غيتي)
أطفال سوريون يحملون أعلام سوريا الثورة خلال مظاهرة ضد «داعش» (غيتي)
TT

النظام السوري يستعيد مواقع في ريف حماه مستفيدًا من صراعات الفصائل

أطفال سوريون يحملون أعلام سوريا الثورة خلال مظاهرة ضد «داعش» (غيتي)
أطفال سوريون يحملون أعلام سوريا الثورة خلال مظاهرة ضد «داعش» (غيتي)

تأثرت اندفاعة فصائل المعارضة السورية المسلّحة، وتقدمها السريع في ريف محافظة حماه الشمالي الشرقي سلبا، بعد نجاح النظام وحلفائه في استعادة مناطق خسروها أخيرا في المنطقة التي كانت تشهد تقدما لافتا لفصائل مسلحة معارضة. وردّت مصادر المعارضة هذا التقدم إلى عاملين مهمين: الأول هو الغارات الجوية الروسية الكثيفة على المواقع الأمامية التي حررتها أخيرا، وقصفها بالقنابل العنقودية والفسفورية والصواريخ الموجهة. والثاني هو الصراع المسلّح بين بعض الفصائل، لا سيما حركة أحرار الشام وتنظيم جند الأقصى بسبب الخلافات الفكرية بينهما.
ولقد تحدثت مصادر ميدانية، عن سيطرة قوات النظام أمس السبت، على عدد من القرى والحواجز العسكرية التي كان قد خسرها في ريف حماه الشمالي الشرقي في أعقاب اشتباكات مع فصائل المعارضة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين. وأفاد أحمد الخلف، الناشط الإعلامي المعارض في ريف حماه، بأن «قوات الأسد حشدت مقاتليها ليل الجمعة، مستغلة الاقتتال الدائر بين حركة أحرار الشام وتجمع جند الأقصى، أكبر فصيلين مشاركين في معركة حماه لتتقدم اليوم (أمس) وتسيطر على تلك المناطق». غير أن مصدرا عسكريا في المعارضة، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن النظام «استعاد بلدة واحدة في ريف حماه الشرقي هي بلدة خفسين، بالإضافة إلى أربع نقاط عسكرية سيطر عليها المعارضون قبل ثلاثة أيام». وذكر المصدر أن «المشكلة الأساسية تكمن في الصراع القائم بين حركة أحرار الشام وتنظيم جند الأقصى - وهذا الأخير فصيل متشدد - والسبب يعود إلى خلافات فكرية بين الطرفين.. لكن استعادة النظام لهذه المواقع ظرفية، وهو لن يتمكن من الاحتفاظ بها، لأن الذين يقاتلونه هم أبناء هذه المناطق سواء من الذين ينتمون إلى أحرار الشام أو إلى جيش العزّة». وتوعّد المصدر النظام بـ«تحرير مناطق وبلدات أخرى، حتى الوصول إلى مدينة حماه وتحريرها».
جدير بالذكر، أن خلاف الفصيلين المعارضين لم يكن السبب الوحيد للتقدم التكتيكي للنظام في ريف حماه، حسب رأي محمد رشيد، مدير المكتب الإعلامي لـ«جيش النصرة»، الذي اعتبر أن التقدم المحدود الذي أحرزه النظام «مرده إلى تكثيف الغارات الجوية على هذه المناطق». وتابع رشيد لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن «أكثر من عشرة شهداء سقطوا في صفوف الثوار نتيجة غارات الطائرات الروسية على ريف حماه الشمالي الشرقي». وقال: «هذا التقدم لا يعني أن النظام سيحكم سيطرته على النقاط الخمس التي استعادها، بل سنحرّرها مجددا بمجرد تراجع حدّة الغارات الجوية»، مضيفا أن الفصائل «وسعت النطاق الجغرافي لعملياتها العسكرية باتجاه الجنوب لتقريب المسافة إلى مدينة حماه، وإلى مطارها العسكري الذي لا يزال هدفا استراتيجيا»، مشددا على أن «بعض القطاعات الثورية باتت قريبة من مطار حماه».
من جهة أخرى، كشف «مكتب أخبار سوريا» المعارض، عن وجود حالة «سخط كبيرة» في صفوف الأهالي، جراء اقتتال فصائل المعارضة فيما بينها في ريف محافظة إدلب، وتقدم النظام في ريف حماه الشمالي الشرقي، معتبرين ذلك خيانة لـ«دماء الشهداء». وأعلن في الوقت نفسه، أن «جميع فصائل المعارضة أعلنت وقوفها الكامل عسكريا وأمنيا وسياسيا إلى جانب حركة أحرار الشام، وذلك عبر بيان مشترك نشر في مواقع التواصل الاجتماعي، باستثناء جبهة فتح الشام». ورغم التأثير الكبير لصراع «أحرار الشام» و«جند الأقصى» على مسار الأحداث، فقد أشار مدير المكتب الإعلامي لـ«جيش النصرة»، إلى أن «هذا الجانب له تأثير محدود في تقدم النظام، لكن السبب المباشر هو القصف الجوي من قبل سرب الطائرات الروسية الجديد الذي وصل قبل أيام إلى قاعدة حميميم، وكان دوره مؤثرا في المعركة». ولفت المدير إلى أن «أهم عامل مساعد للطيران، هو أن المناطق التي نقاتل فيها في ريف حماه الشرقي مناطق صحراوية مكشوفة، ليس فيها خنادق أو منازل ليحتمي بها المقاتلون، لذلك فإن القنابل العنقودية والفسفورية أثرت على تقدمنا، لكنها بالتأكيد لن تمنعنا من شنّ هجمات جديدة وتحرير ما استعاده النظام بالإضافة إلى نقاط ومناطق أخرى أكثر أهمية».
للعلم، كان عدد من مقاتلي «أحرار الشام» و«جند الأقصى»، قتلوا وجرحوا مساء أول من أمس (الجمعة)، إثر مداهمة كل منهما مقرات للآخر في ريف إدلب. وقال ناشط إعلامي معارض من إدلب: «إن 12 عنصرا من أحرار الشام لقوا حتفهم، إثر مداهمة عناصر جند الأقصى مقرا لهم في بلدة كفر سجنة بريف إدلب الجنوبي، وقد جرى إعدامهم رميا بالرصاص»، مشيرا إلى أن «قتلى آخرين سقطوا من الطرفين جراء الاشتباكات المستمرة في عدة مناطق من الريف الجنوبي لإدلب». وسبق هذه المواجهة إقدام «أحرار الشام» على السيطرة على معظم مقرات «جند الأقصى» في مناطق مختلفة من ريف إدلب يوم الجمعة إثر اختطاف مجهولين أحد عناصر أمن الطرق قرب مدينة سراقب، الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف إدلب الشرقي، ليتبين لاحقا أنه تابع لـ«جند الأقصى»، مما أجج الخلاف بينهما.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».