تستمر المناوشات العسكرية الحدودية بين الهند وباكستان، في ولاية جامو وكشيمر، حيث يواصل الجيشان استهداف مواقع كل منهما خلال الأيام القليلة الماضية لإظهار القوة العسكرية لكلا الجانبين. ولقد شهدت المنطقة الحدودية بينهما بعض الهدوء الحذر على الرغم من الحوادث المتفرقة لانتهاكات وقف إطلاق النار. ولكن مع تواصل ارتفاع حدة التوتر والخطابات المعادية، فإن هناك مخاوف متجددة ومتنامية من أن الجارتين النوويتين قد تنزلقان إلى حرب مفتوحة ومتكاملة.
وفي حين أن باكستان قد نفت وبشكل قاطع أن تكون الهند قد نفذت هجمات على معسكرات إرهابية عبر خط السيطرة الحدودي، وعبر الحدود الفعلية بين كشمير المقسمة، فإن باكستان قد ذكرت أن الهند تمكنت من قتل اثنين من جنودها في حوادث إطلاق النار المتكررة على الحدود.
ومع ذلك، تعهدت باكستان بالرد القوي إذا ما تكررت مثل تلك التصرفات مرة أخرى. ومع دق طبول الحرب من كلا الجانبين، فإن الأمر قد يدخل في طور الصراع العسكري الشامل.
فهل صحيح أن الهند وباكستان تسيران على طريق الحرب الشاملة بعد العملية الهندية الأخيرة؟ طُرح هذا التساؤل على نطاق واسع لدى رجل الشارع ولدى خبراء الدفاع كذلك. فكلتا الدولتين مسلحة بالأسلحة النووية، وقد خاضتا كثيرًا من الحروب. كانت هناك حرب عام 1947 - 1948 عندما أرسل محمد علي جناح مؤسس دولة باكستان جيشا قبليا من الباتان لغزو كشمير، وكان الإقليم وقتذاك تحت حكم المهراجا الهندوسي الذي اختار أن يبقى مستقلا عن الهند وباكستان على غرار حاكم بالوشستان، وهو الإقليم الذي ضمته باكستان إليها بالقوة عام 1948. ثم تم الاستيلاء بعد ذلك على جزء من الدولة الأميرية وظلت ضمن حدود باكستان وجزء وحيد تحت الحكم الهندي عندما قام الحاكم الهندوسي بضمه إلى الهند في وقت لاحق. وبعد ذلك، شنت باكستان هجوما جديدا على كشمير عام 1965، وردت الهند بإرسال الدبابات عبر الحدود الدولية نحو مدينة لاهور. وانتهت تلك الحرب باتفاقية طشقند للسلام التي توسط فيها الاتحاد السوفياتي. وبعد مرور ست سنوات فقط على المعاهدة ساعدت الهند في إقامة دولة بنغلاديش في عام 1971، وهي الجزء الشرقي من باكستان سابقا. وفي عام 1999 حاولت باكستان الاستيلاء على مدينة كارغيل، ولم يرقَ ذلك الصراع إلى مستوى الحرب بسبب أن الحرب لم تعلن وقتها من أي من الجانبين بصفة رسمية.
فهل ستكون الحرب المرتقبة تقليدية أم ستشهد استخداما للأسلحة النووية، وأي جانب يتوقع له أن يبدأ تلك الحرب؟ فهناك الكثير من التكهنات بشأن تلك الأمور في وسائل الإعلام.
أجريت كثير من الدراسات حول نتائج الصراع النووي بين الهند وباكستان، كما كتبت كثير من المقالات خلال السنوات الماضية حول تأثير الصراع النووي على السكان في كلا البلدين.
هناك مخزون من الأسلحة النووية لدى كل من الهند وباكستان، ويبدو أن الغضب يزداد ويتصاعد لدى كل منهما. ويمكن للحرب التقليدية أن تتحول سريعا إلى حرب نووية متبادلة، خصوصا أن الهند تتمتع بتفوق نوعي من حيث الأسلحة التقليدية على جارتها، وهي الحقيقة التي قد تدفع باكستان فعليا نحو الضغط على الزر النووي.
ليس هناك فارق كبير بين الهند وباكستان من حيث حجم الترسانة النووية لديهما. ووفقا للبيانات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ومقره في السويد، فإن باكستان تملك رؤوسا نووية أكثر من الهند. وفي عام 2014، بلغ عدد الرؤوس النووية الهندية بين 90 إلى 110 رؤوس نووية في حين أن باكستان تمتلك نحو 100 إلى 130 رأسا نوويا.
وفي حين أن العقيدة النووية الهندية تقول إن «الهند سوف تستخدم الأسلحة الذرية انتقاما من الهجوم النووي على الأراضي الهندية أو على القوات الهندية في أي مكان»، رفضت باكستان تبني عقيدة «عدم المبادأة»، مما يشير إلى أنها قد توجه الأسلحة النووية نحو الهند إذا لم تستخدم الهند أسلحتها النووية أولاً.
ومن الجدير بالذكر أن وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف قد أكد في الآونة الأخيرة على أن بلاده سوف تنشر ترسانتها النووية إذا لزم الأمر. وقال آصف في مقابلة تلفزيونية: «إننا لا نحتفظ بتلك الأسلحة كنماذج عرض رائعة. ولكن إذا تعرضت سلامتنا للتهديد، فسوف نوجه الضربات القوية المهلكة».
الولايات المتحدة لاحظت بيانات آصف الأخيرة حول استخدام الأسلحة النووية، وطالبت بصورة علنية ومباشرة باكستان بعدم الحديث عن استخدام الأسلحة النووية في صراعها مع الهند وحثت كلا الجانبين على إبقاء خطوط التواصل فيما بينهما مفتوحة.
وقال مارك تونر نائب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية إن «هناك بعض الخطابات الواردة من باكستان بشأن احتمال استخدام الرؤوس أو الأسلحة النووية. وأود القول إن الدول ذات القدرات النووية تتمتع بقدر عال من المسؤولية الواضحة لممارسة ضبط النفس فيما يتعلق بالأسلحة النووية والقدرات الصاروخية».
وجاءت الرسالة بعد تسجيل صوتي مسرب لهيلاري كلينتون كانت تحذر فيه باكستان من أنها تعمل بأقصى سرعة على تطوير الرؤوس النووية التكتيكية في خضم عدائها المستمر مع الهند. وقالت إن «الجماعات المتطرفة سوف تسيطر على الحكومة هناك، وسوف يتمكنون من الوصول إلى الأسلحة النووية، وسوف تجدون أنفسكم أمام قاذفات نووية انتحارية. ولذا، لن يكون هناك سيناريو أكثر تهديدا من ذلك».
وفي وقت سابق، صرح وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر يقول إنه في حين أن الهند قد أظهرت سلوكًا مسؤولاً بشكل عام حيال التكنولوجيا النووية، وأن الصين تتصرف بصورة مهنية فيما يتعلق بالأمر ذاته، فإن الأسلحة النووية الباكستانية غارقة في تاريخ مفعم بالتوترات والاضطرابات.
ولقد حذر الصحافي البارز والمحلل السياسي الباكستاني الكبير حسن نزار قيادة بلاده من مواصلة تهديد الهند باستخدام الأسلحة النووية. ولقد صرح لوكالة دنيا نيوز الإخبارية الباكستانية الناطقة باللغة الأردية بأن الهجوم النووي على الهند لن يكون إلا انتحارًا من ناحية باكستان. وكان نزار يرد على بيان مستشار الأمن القومي الهندي اجيت دوفال الذي قال فيه إنه إذا اضطرت باكستان لخوض الحرب النووية، فسوف تدفع ثمنا باهظا للغاية.
ومن واقع مداخلته في الحوار على القناة الإخبارية الباكستانية، هاجم السيد نزار القيادة الباكستانية لتصعيد التوتر مع الجانب الهندي والتهديد بالحرب النووية، وقال: «لدينا أسراب من الناس غير المتعلمين هنا في باكستان. وهم لا يعلمون ما هي القنبلة الذرية».
يتجاوز تعداد سكان الهند المليار نسمة في حين أن تعداد سكان باكستان لا يتجاوز 180 مليون نسمة. وفي حالة الحرب النووية، وحتى إذا ألحقت باكستان بالهند الخسائر البشرية أربعة أضعاف المقدر، فسوف يبقى هناك 200 مليون نسمة على قيد الحياة في الهند. ولكن، في تلك الأثناء، لن تكون هناك باكستان، كما قال السيد نزار في مداخلته.
وإذا ما خاضت الهند وباكستان الحرب النووية، فسوف تسفر تلك الحرب عن مصرع 21 مليون مواطن على الفور، وسوف يفقد العالم ما يقرب من نصف طبقة الأوزون الواقية، وسوف يتسبب «الشتاء النووي» في شل حركة الرياح الموسمية والزراعة في جميع أنحاء العالم، وفقا لدراسة أجريت في عام 2007 أشرفت عليها جامعة روتغرز، وجامعة كولورادو فرع بولدر، وجامعة كاليفورنيا فرع لوس أنجليس، وكلها من الجامعات الأميركية.
عندما أسقطت الولايات المتحدة الأميركية القنبلتين النوويتين ليتل بوي وفات مان على هيروشيما وناغازاكي في عام 1945، قتل أكثر من 120 ألف شخص على الفور. ولكن ذلك كان التأثير المباشر لانفجار القنبلة على الأرض. حتى بعد مرور 70 عامًا على ذلك، لا تزال المدينتين اليابانيتين تعانيان من آثار ما بعد الانفجار النووي.
يقول الكاتب المستقل والمحلل الدفاعي الهندي ابهيت سينغ سيثي من مومباي: «لن تقتصر تداعيات الهجمات النووية على الهند وباكستان فحسب، ولكن على مجمل الجنوب الآسيوي، من نيبال، وبنغلاديش، وبوتان على الجانب الهندي وحتى أفغانستان، وإيران على الجانب الباكستاني، ووصولا إلى سريلانكا وجزر المالديف والتي قد تعاني من آثار أقل شدة إذ إنهما منفصلتان بوجود البحر».
وحتى مع أن الحرب الهندية الباكستانية الشاملة تبدو على مسافة مراحل بعيدة في الوقت الراهن، فهناك كثير من الاعتبارات التي لا بد أن توازنها كلا البلدين من حيث الثمن المدفوع حتمًا، الذي سوف تتكبدانه في حالة اندلاع الحرب الشاملة بينهما.
يقول سوشانت سارين، محلل الشؤون الاستراتيجية الباكستاني، إن التجارة البينية الهندية الباكستانية هامشية للغاية للدرجة التي لا تكلف أحد عناء التفكير فيها، ولكن إذا استمر الوضع الحالي على منواله، فإن التداعيات سوف تحمل آثارًا بعيدة المدى على اقتصاد البلدين.
وأضاف يقول: «وحتى في حالة أن المقدار المحدد لحساب الخسائر لا يمكن تعيينه بالروبية، فإن مجرد القصف بقذيفة مدفعية عادية يكون لها مردود مرتفع للغاية على كلا الجانبين».
ومع ذلك، فإن القضية الأولى الجديرة بالاهتمام هي من بإمكانه تحمل الضربة النووية بشكل أفضل. وبعبارة أخرى، ما الدولة التي لديها المقدرة على تحمل الآثار الاقتصادية القاسية لما بعد الحرب؟
يحدد الحجم النسبي للاقتصاد مدى الاستعداد للتعامل مع آثار ما بعد الحرب. كانت باكستان قاب قوسين أو أدنى من الاستقرار الاقتصادي، فهل لدى باكستان الرغبة الحقيقية في المرحلة الحالية للدخول في حرب شاملة مع الهند؟ كما يتساءل السيد سارين.
وفي حالة الحرب التقليدية، فإن 50 ألف قذيفة من قذائف المدفعية تكلف وزارة المالية الباكستانية الأموال الباهظة. فكيف يمكن للحرب النووية أن تفعل باقتصاد البلاد إن اندلعت؟
شبح الحرب يخيم على شبه الجزيرة الهندية
هل ستكون تقليدية أم نووية.. وما حسابات نيودلهي وإسلام أباد؟
شبح الحرب يخيم على شبه الجزيرة الهندية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة